مصر الثورة





سوريا نحن معكم




with you syria

[IMG]http://shams-d.net/up//uploads/images/domain-b9caecbbc3.png[/IMG]




الثلاثاء، 28 أكتوبر 2008

التنظير العنصري للإحياء القومي القبطي


 


فضيلة الشيخ الدكتور/ محمد عمارة :  28 - 10 – 2008



وعلى الجانب الفكري.. والتنظير للمشروع الطائفي العنصري الانعزالي للكنيسة الأرثوذكسية المصرية.. بدأت التنظير للفصام مع هوية مصر العربية والإسلامية، فبعد إجماع الأمة ـ مسلمين ونصارى ويهود وعلمانيين ـ على النص ـ في دستور سنة 1923م ـ على أن دين الدولة المصرية هو الإسلام، وأن لغتها هي العربية.. وبعد إعلان مكرم عبيد باشا (1889 ـ 1961م) عن عروبة مصر والمصريين، حتى قبل قيام جامعة الدول العربية.. وقوله سنة 1939م:
"المصريون عرب.. والوحدة العربية من أعظم الأركان التي يجب أن تقوم عليها النهضة الحديثة في الشرق العربي.. إنها حقيقة قائمة وموجودة، لكنها في حاجة إلى تنظيم لتصير البلاد العربية كتلة واحدة، وتصير أوطاننا جامعة وطنية واحدة.."(1)
وإعلانه عن أن الإسلام هو هوية مصر الحضارية، بالنسبة لكل أبنائها وأديانها.. وقوله:
"نحن مسلمون وطنًا، ونصارى دينًا. اللهم اجعلنا نحن المسلمين لك، وللوطن أنصارًا. واللهم اجعلنا نحن نصارى لك، وللوطن مسلمين.."(2)
وبعد موافقة 63% من مسيحيي مصر على تطبيق الشريعة الإسلامية ـ بما فيها الحدود ـ في المنظومة القانونية المصرية سنة 1985م.(3)
بعد هذه الحقائق الشاهدة على الوحدة الوطنية المصرية ـ على أسس قومية وحضارية ـ وجدنا النزعة العنصرية الطائفية الانعزالية ـ التي تبلورت عقب الحرب العالمية الثانية.. والتي أعلنت عنها (جماعة الأمة القبطية) ـ في ظلال نجاح المشروع العنصري الصهيوني ـ .. وجدنا هذه النزعة تجد طريقها إلى كتابات القيادات الكهنوتية في الكنيسة الأرثوذكسية، على النحو الذي يتحدث عن "مسألة ومشكلة قومية قبطية".. وليس "مطالب لأقلية مسيحية" هي جزء أصيل في نسيج الشعب المصري..
ـ فيكتب الأنبا غريغريوس (1919 ـ 2002م) ـ الرجل الثاني في الكنيسة.. وأسقف التعليم والبحث العلمي والدراسات العليا ـ فيقول:
"إن اللغة القبطية هي لغتنا.. وهي تراث الماضي، ورباط الحاضر، وهي من أعظم الدعائم التي يستند إليها كيان الشعب المسيحي.. وهي السور الذي يحمينا من المستعمر الدخيل"!!(4)
فيتحدث عن لغة "مختلفة" عن اللغة القومية لمصر.. وعن ثقافة مختلفة عن الثقافة العربية.. وعن شعب مسيحي، متميز عن الشعب المصري، وعن المسلمين المصريين ـ أي 95% من المصريين ـ كمستعمر دخيل!!.. أي يفصح ـ باسم الكنيسة ـ عن تبني هذه الكنيسة للمشروع القومي القبطي الذي أعلنته (جماعة الأمة القبطية) سنة 1952م!..
ـ ويدعو الدكتور كمال فريد إسحق ـ أستاذ اللغة القبطية بمعهد الدراسات القبطية، التابع للكنيسة ـ "إلى أن تكون اللغة القبطية هي اللغة القومية لمصر" ـ (!!!) ـ وليست اللغة العربية..(5)
ـ أما عميد هذا المعهد ـ معهد الدراسات القبطية ـ الدكتور رسمي عبد الملك ـ فيدعو إلى:
"أن يكون محو أمية الشعب المصري باللغة القبطية، لا العربية"!!.. ويعلن عن مخطط إحلال اللغة القبطية محل اللغة العربية.. وكيف أنه "يوجد في كل كنيسة فصل لتعليم اللغة القبطية"!!.. أي أننا ـ في مصر ـ بإزاء نظام تعليمي، فيه آلاف الفصول الدراسة التي تعمل الكنيسة ـ بواسطتها ـ على تغيير اللغة القومية ـ التي نص عليها الدستور.. ومثلت ركنًا من أركان ثوابت الهوية المصرية منذ نحو أربعة عشر قرنًا.. والتي اختارها الشعب المصري اختيارًا حرًا!!..
كما أعلن عميد معهد الدراسات القبطية ـ هذا ـ أن المجال سيفتح لرسائل الماجستير والدكتوراه في اللغة القبطية، ولعمل إحصائيات حول المتحدثين باللغة القبطية في تعاملهم اليومي داخل المنزل.. وأكد وجود أعداد كبيرة تقبل على تعلم اللغة القبطية، وعائلات لا تتحدث في منازلها إلا باللغة القبطية"!!(6)
أي أننا أمام انقلاب ـ فكري وعملي ـ على الهوية العربية لمصر.. بلورته (جماعة الأمة القبطية) سنة 1952م.. وترعاه وتنفذه الكنيسة الأرثوذكسية بعد استيلاء التيار الطائفي العنصري الانعزالي على قياداتها في 14 نوفمبر سنة 1971م.
ـ وإذا كان الأنبا مرقس ـ المتحدث الرسمي باسم الكنيسة الأرثوذكسية.. وعضو المجمع المقدس.. ورئيس لجنة الإعلام بهذا المجمع أي "وزير إعلام الكنيسة".. وأسقف شبرا الخيمة ـ قد أعلن:
"أن مصر هي بلد الأقباط، وهم أصحابها"!!(7).. فإنه قد طالب بأن يكون أول شهر توت ـ عيد النيروز الفرعوني ـ إجازة رسمية للدولة المصرية، باعتباره عيد رأس السنة الفرعونية(8) ـ وهو ـ للتذكرة ـ اليوم الذي أعلن فيه عن قيام (جماعة الأمة القبطية) سنة 1952م ـ التي أعلنت أن قضية المسيحيين ـ في مصر ـ هي "قضية قومية" ـ قضية لغة.. وثقافة.. وعنصر.. وأرض مغتصبة منذ أربعة عشر قرنًا ـ!!..
ـ وإذا كانت أدبيات الشعب المصري تتحدث عن "الشعب المصري" و"الأمة العربية" و"الحضارة الإسلامية".. أي عن الوطنية والعروبة والإسلام باعتبارها هوية مصر والمصريين جميعًا ـ بكل دياناتهم ـ.. فإن أدبيات الكنيسة الأرثوذكسية دائمة الاستخدام لمصطلحات :
"الشعب القبطي" و"الأمة القبطية" و"شعب الكنيسة" و"الشعب المسيحي"!.. حتى لقد أعلن الأنبا توماس ـ عضو المجمع المقدس.. وأسقف القوصية ـ في محاضرته بمعهد "هديسون" الأمريكي بواشنطن ـ في 18 يوليو سنة 2008م ـ وهو المعهد التابع للمحافظين الأمريكيين الجدد، واليمين الديني ـ أعلن الأنبا توماس على العالم.. وأمام سمع الكنيسة وبصرها ـ أعلن:
ـ "أن الشخص القبطي يشعر بالإهانة إذا قلت له إنك عربي"!
ـ "وأن اللغة القبطية هي اللغة الأم لمصر"!
ـ "وأن الأقباط يعانون ويحاربون خطري التعريب والأسلمة"!
ـ "وأنهم قد وجدوا ثقافتهم تموت، ووجدوا أنفسهم مسئولين عن حمل ثقافتهم والمحاربة من أجلها حتى يأتي الوقت الذي يحدث فيه انفتاح وتعود دولتنا لجذورها القبطية.. وحتى يأتي هذا الوقت، فإن الكنيسة تقوم بدور الحاضنة للحفاظ على هذا التراث القومي المختلف"!
ـ "وأن المسلمين قد خانوا الأقباط منذ الاحتلال العربي لمصر"! (9)
وهكذا أفصح هذا الأسقف ـ في هذه المحاضرة ـ ربما أكثر من غيره ـ عن أن القضية هي قضية قومية.. وليست قضية مطالب لأقلية دينية.. فهي ـ كما جاء في المحاضرة التي صمتت عنها الكنيسة صمت الرضى ـ بل ودافع عنها رموز كبار فيها ـ هي ذات القضية التي أعلنت عنها (جماعة الأمة القبطية) سنة 1952م.. قضية: لغة.. وثقافة.. وعنصر.. ووطن محتل وأرض مغتصبة منذ أربعة عشر قرنًا!!..
لذلك، وجب التوقف أمام أهم الدعاوى التي جاءت بهذه المحاضرة: (صيحة الأقباط ضد التعريب والأسلمة)!..
فنحن ـ بإزاء الدعاوى التي جاءت بهذه المحاضرة ـ لسنا فقط أمام انقلاب على الانتماء للعربية ـ اللغة القومية لمصر ـ وعلى الدستور والعقد الاجتماعي والحضاري الذي توافق عليه المصريون والتزموا به منذ قرون ـ أي أمام "نزعة خوارجية" على ثوابت العقد الذي ارتضته الجماعة الوطنية المصرية.. وإنما نجد أنفسنا ـ علاوة على كل ذلك ـ أمام انقلاب على الحقائق العلمية التي تعارف عليها علماء المصريات واللغات في مصر والعالم أجمع..
ـ فليس صحيحًا أن اللغة القبطية ـ التي جاء الفتح الإسلامي فوجدها بمصر ـ هي اللغة الأم للمصريين.. وإنما هي المسخ الهجين الذي مثل التغريب اللغوي الذي أحدثه الغزو الإغريقي في لغة المصريين.. فكانت أثرًا من آثار هذا التغريب اللغوي، ولم تكن خالصة الوطنية.. فضلاً عن أنها كانت المرحلة الرابعة من المراحل الكبرى لتطور اللغة المصرية.. ولم تكن اللغة الأم بحال من الأحوال.. ذلك أن اللغة المصرية القديمة قد مرت بمراحل أساسية أربعة، قبل مرحلة سيادة اللغة العربية في مصر.. وهذه المراحل هي:
1ـ مرحلة الهيروغليفية: وهي اللغة المقدسة، المكتوبة بالصور.. والتي تعتبر اللغة المكتوبة الأم للمصريين ـ في التاريخ المعروف ـ والتي عبروا بها عن الكلام الشفهي.. ولقد ظلت أداة الكتابة على المباني الأثرية بعد أن حلت الكتابات المختصرة محلها في الحياة العامة، بحيث لم يعد يفهمها إلا الكهنة.
2ـ مرحلة الهيراطيقية: وهي الكتابة المختصرة التي حلت محل الهيروغليفية ـ التي ظلت خاصة بالكتابة على المباني الأثرية ـ.. ولقد استعمل الخط الهيراطيقي حوالي سنة 2000 ق.م.
3 ـ مرحلة الديموطيقية: وهي اللغة المصرية الدارجة، ذات الخط المختصر الذي استعمله المصريون القدماء من حوالي سنة 700 ق.م حتى القرن الثالث الميلادي..
وخط هذه الديموطيقية هو اختصار للهيروغليفية.. وتطور للخط الهيراطيقي الذي استعمل حوالي سنة 2000 ق.م.. وهذه الديموطيقية هي التي وردت على حجر رشيد تالية للهيروغليفية.
4ـ مرحلة اللغة القبطية: وهي لهجة أكثر منها لغة.. تطورت عن اللغة الدارجة الديموطيقية.. ومثلت آخر مراحل اللغة المصرية القديمة ـ الهيروغليفية ـ كما مثلت مرحلة تغريب اللغة المصرية، حيث زاحمتها اللغة اليونانية الغازية.. فمنذ حكم الملوك البطالمة الإغريق (323 ـ 30ق.م) غدت اللغة المصرية تكتب بحروف يونانية، ولم يبق من حروفها المصرية سوى سبعة أحرف لم يجدوا لها نظير في الأحرف اليونانية.. كما استخدمت في قواعدها اللغة اليونانية.. ودخلها الكثير من الكلمات والمصطلحات اليونانية.. فغدت "هجينًا" غير خالصة الوطنية المصرية(10).. وذلك فضلا عن أنها لم تكن اللغة المصرية الأم بحال من الأحوال.
ولذلك، فإن هذه الدعوة إلى إحلال اللغة القبطية محل العربية ـ والحديث عن أنها هي "اللغة الأم" لمصر والمصريين، هو "كذب" في العلم، كما هو "خروج" عن ثوابت الهوية والحضارة والتاريخ بالنسبة لكل المصريين.
ونحن نسأل الدعاة إلى هذا الانقلاب القومي والحضاري ـ بمن فيهم أصحاب الأصوات العالية في المهاجر ـ :
ـ أية فوضى يمكن أن تحدث في العالم لو انتشرت الدعوات لعودة الأمم والشعوب إلى ماضيها السحيق الذي تجاوزه التاريخ؟!.
ـ ولم لا تدعون الأمريكان ـ الذين يحتضنون دعاواكم، لحاجة في نفس يعقوب ـ إلى أن يعودوا إلى اللغة الأم لأمريكا ـ لغة الهنود الحمر ـ خصوصًا مع قرب العهد بسيادتها في تلك البلاد؟!.
.. وكذلك الأمر في أمريكا الجنوبية.. واستراليا.. ونيوزيلانده؟!.. الخ.. الخ..
أم أن أمر هذه الدعوة الشاذة خاص ـ عندكم ـ بالكيد للعروبة والإسلام؟! ـ اللذين اعتنقهما المصريون جميعًا ـ المسلمون منهم والمسيحيون واليهود ـ؟!.
لقد غيرت كل شعوب الدنيا ـ تقريبًا ـ لغاتها أو ديانتها.. أو غيرتهما معًا.. فهل يجوز لعاقل أن يدعوا اليوم كل الجماعات اللغوية ـ والتي تبلغ ألف جماعة لغوية ـ إلى العودة إلى اللغات الأم، التي تكلمت بها في تاريخها القديم؟!..
ثم.. ما هو المفهوم الدقيق لمصطلح "الأم" و"القديم"؟!.. وهل تقودنا مثل هذه الدعوات ـ المجنونة ـ إلى السعي للعودة إلى اللغة الأم ـ الحقيقية ـ لغة آدم عليه السلام؟!..
إن إيطاليا قد غيرت لغتها ودينها.. وكذلك صنعت فرنسا.. وألمانيا.. وإسبانيا.. وهولندا.. وبلجيكا.. وكذلك الشعوب في أمريكا الشمالية والجنوبية.. وفي آسيا وإفريقيا ـ .. فهل يجوز لأقلية ـ أو حتى أغلبية ـ في شعب من هذه الشعوب أن تدعو للانقلاب على الواقع والهوية والذاتية اللغوية والقومية والحضارية، وتطلب الهجرة إلى مكونات التاريخ السحيق؟!
إن فارقًا كبيرًا بين الدراسات الأكاديمية المتخصصة للغات القديمة.. لأسباب تاريخية ومعرفية ـ وبين الدعوة إلى الانقلاب على الحاضر ـ الذي غدى هوية.. وقومية.. حضارة.. وثقافة ـ والهجرة إلى "القديم"، الذي غيرته وتجاوزته كل هذه الشعوب.
ـ ثم.. هل صحيح ما قاله الأنبا توماس ـ في محاضرته ـ :
"إن مصر كانت تدعى دائمًا "إجيبتوس"؟.. وأن العرب لم يحسنوا نطق اسمها، فسموها "إجيبت" أي قبط؟!"
ـ إن هذا الذي قاله الأنبا توماس هو عين الجهل والكذب.. فمصر كان اسمها "مصر" دائمًا.. هكذا جاء اسمها في العهد القديم، وفي العهد الجديد، وفي القرآن الكريم ـ قبل الفتح الإسلامي لمصر.. بل وقبل الاحتلال الإغريقي لها ـ في القرن الرابع قبل الميلادـ ..
ولقد ذُكرت باسمها ـ مصر ـ في كتاب يوحنا النقيوسي ـ وهو شاهد عيان على الفتح الإسلامي لمصر ـ وفي كتاب (فتوح مصر وأخبارها) لابن عبد الحكم (257هـ 870م).. وكذلك في كل كتب التاريخ العربية والإسلامية، التي أفردت بابًا ثابتًا لـ "فضائل مصر" خصّت به كنانة الله في أرضه.
وإذا جاز الأنبا توماس أن يجهل كتب التاريخ المصري ـ وهذا غير جائز ـ فكيف تأتى له أن يجهل كتابه المقدس ـ بعهديه القديم والجديد ـ ؟!
لقد ورد اسم مصر، ومصرايم، ومصري، ومصريات، ومصرية، ومصريون، ومصريين، في الكتب المقدسة عند هذا الأسقف ـ العهدين القديم والجديد ـ أكثر من سبعمائة مرة!(11)
ـ كذلك، قال الأنبا توماس ـ عضو المجمع المقدس.. وأسقف القوصية ـ في محاضرته:
"لن أقبل أن أكون عربيًا.. فأنا لست عربيًا عرقًا.. وإذا توجهت إلى قبطي وقلت له: إنه عربي، فإن هذا تعتبر إهانة"!!(12)
ـ وهذا فكر عنصري، يتحدث عن العرق ـ حديث الفاشية والنازية ـ والسؤال: هل هذا الأنبا مسيحي؟!.. وهل لفكره هذا أدنى علاقة بالمسيحية؟!.. أم أن النزعة العنصرية قد قلبت حتى المسيحية عند هذه الشرذمة الطائفية الانعزالية؟!..
إنه يتناسى أن الحديث عن "النقاء العرقي" لأي جماعة بشرية هو محض خلافة ـ ناهيك عن تناقضه مع كل ألوان الإيمان الديني ـ سماويًا كان أم وضعيًا هذا الإيمان ـ ..
كما يتجاهل ـ هذا الأنبا ـ أن مصر حكمها الإغريق والرومان والبيزنطيون عشرة قرون، اختلطت فيها الدماء والأنساب والأعراق والسلالات.. ولو قرأ هذا الأنبا تاريخ الحملة الفرنسية، والغرام الذي قام بين المعلم يعقوب حنا وبين الجنرال "ديزيه".. و"الانفتاح" الذي تحدث عنه الجبرتي بين نساء بعض الطوائف وبين جنود الحملة الفرنسية!.. لربما انصرف عن هذا الحديث عن النقاء العرقي!..(13)
ثم.. هل المسلمون المصريون وافدون على مصر من شبه الجزيرة العربية ـ من نسل عدنان وقحطان؟!
إن الدراسة "الديموجرافية" ـ التي صدرت عن المعهد الوطني للدراسات الديموجرافية بباريس ـ تؤكد أن سكان شبه الجزيرة العربية إبان الفتح الإسلامي لم يتعدوا المليون.. وأن سكان الدولة التي أسسها الفتح الإسلامي ـ في مصر والشام والعراق وفارس ـ قد بلغوا 29.000.000 ـ وإذا أضيف إليهم سكان شمال إفريقيا بلغ سكان تلك الدولة ـ يؤمئذ ـ نحو 40.000.000 ـ ومن ثم فلو هاجر كل عرب شبه الجزيرة ـ المليون ـ لما غيروا من التركيبة الديموجرافية للبلاد التي فتحها المسلمون!(14)
إذن.. فالعرب في مصر هم المصريون الذين تعربوا لغويًا.. وليسوا وافدين من خارج مصر.. وكذلك حال العرب في كل البلاد التي اختار أهلها التعريب اللغوي والثقافي والحضاري..
ولو قرأ ـ هذا الأنبا ـ ما كتبه الأسقف يوحنا النقيوسي لعلم أن أكثر من نصف الشعب المصري ـ عند الفتح ـ قد بادر إلى الدخول في الإسلام قبل تمام الفتح وقبل دخول عمرو بن العاص (50ق.هـ ـ 43هـ ـ 574 ـ 664م) إلى الإسكندرية.. فالنصارى الموحدون ـ أتباع آريوس (265 ـ 336م) الذين كانوا يؤمنون ـ كما يقول يوحنا النقيوسي ـ "إن المسيح مخلوق".. وكذلك المصريون الذين كانوا على الديانة الوثنية القديمة.. كل هؤلاء المصريين دخلوا الإسلام.. والنقيوسي يوجه إليهم الانتقادات، ويصب عليهم اللعنات!..
فالمصريون المسلمون هم ـ كالذين ظلوا على نصرانيتهم ـ أحفاد الفراعنة.. والجميع قد تعرب لغة وثقافة بعد ذلك.. وبالتدرج..
وإذا كانت المسيحية ترفض التمييز بين الناس على أساس العرق والدم.. فإن الإسلام قد بلغ القمة في ذلك، عندما أكد أن الناس جميعًا قد خلقوا من نفس واحدة.. وأن البشر قاطبة مرجعهم لآدم ـ عليه السلام ـ.. كما أكد رسول الإسلام ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن دعوى الجنس والعرق هي دعوى الجاهلية.. وأنها مفتنة..
وأن العروبة ليست عرقًا وإنما هي اللسان: "ليست العربية بأحدكم من أب أو أم، وإنما هي اللسان، فمن تكلم العربية فهو عربي" ـ (15)
ـ كما يقول هذا الأسقف:
"لقد قام بعض الناس، لأسباب معينة ـ الضرائب.. أو الضغوط .. أو الطموحات ـ بالتحول إلى الإسلام"
ـ وهو ـ بهذا القول ـ يتجاهل حقائق التاريخ ـ وهي صلبة عنيدة! ـ ..
فمصر عند الفتح الإسلامي ـ الذي حررها وحرر نصرانيتها من القهر الروماني والبيزنظي ـ لم تكن كلها مسيحية أرثوذكسية.. وإنما كانت خارطتها الدينية تشمل خمس ديانات:
1ـ اليهودية.
2ـ النصرانية الآريوسية الموحدة، والتي تقول عن المسيح ـ عليه السلام ـ إنه "مخلوق" ـ كما نص على ذلك يوحنا النقيوسي في تاريخه ـ ..
3ـ والديانة اليونانية القديمة ـ الوثنية.. وفلسفتها ـ .
4ـ والمسيحية الكاثوليكية الرومانية ـ مذهب المستعمرين البيزنطيين ـ.
5ـ والمسيحية الأرثوذكسية ـ التي كانت محظورة، بلا شرعية، ولا كنائس ولا أديرة ـ حتى حررها الفتح الإسلامي.. وحرر بطركها بنيامين (39هـ 659م) وحرر كنائسها وأديرتها..
وإذا كان المسيحيون الكاثوليك قد رحلوا ـ بعد الفتح ـ مع الجيش البيزنطي.. وإذا كان اليهود المصريون قد ظلوا ـ في جملتهم ـ على يهوديتهم.. فإن النصارى الأريوسيين ـ الموحدين ـ .. وكذلك المصريون الوثنيون ـ الذين عانوا من اضطهاد النصارى عليهم ـ قد دخلوا الإسلام بمجرد بدء الفتح الإسلامي.. وحتى قبل فتح المسلمين للإسكندرية..
ويؤكد النقيوسي هذه الحقيقة ـ حقيقة أن الشعب المصري ـ لم يكن كله أرثوذكسيًا، عندما يشير إلى الصراعات بين المكونات الدينية لهذا الشعب، قبل الفتح وأثناءه ـ الصراعات بين اليهود والنصارى.. ومناصرة اليهود للفتح الإسلامي.. والصراعات الأرثوذكسية الوثنية.. والصراعات العقدية بين أهل الوجه البحري.. ومحاربة أهل مصر لأهل الوجه البحري.. كما يتحدث عن انضمام الوثنيين ـ الذين "كانوا يكرهون المسيحيين" ـ إلى الجيش الإسلامي، والمحاربة في صفوفه (16)
ويصادق العلامة سير توماس أرنولد (1864 ـ 1930م) على شهادة شاهد العيان الأسقف يوحنا النقيوسي، فيقول:
"وليس هناك شاهد من الشواهد على أن تحول القبط عن دينهم القديم ودخولهم في الإسلام على نطاق واسع كان راجعًا إلى اضطهاد أو ضغط يقوم على عدم التسامح من جانب حكامهم الحديثين. بل لقد تحول كثير من هؤلاء القبط ـ (أي المصريين) ـ إلى الإسلام قبل أن يتم الفتح، حيث كانت الإسكندرية ـ حاضرة مصر يومئذ ـ لا تزال تقاوم الفاتحين، وسار كثير من القبط على نهج إخوانهم بعد ذلك بسنين قليلة"(17)