مصر الثورة





سوريا نحن معكم




with you syria

[IMG]http://shams-d.net/up//uploads/images/domain-b9caecbbc3.png[/IMG]




السبت، 28 أغسطس 2010




كان يتخيَّر في خطابه , ويختار لأمته أحسن الألفاظ , وأجملها , وألطفها , وأبعدها من ألفاظ أهل الجفاء والغِلظة والفُحش , فلم يكن فاحشا ولامتفحِّشاولاصخَّابا ولافظًّا .
وكان يكره أن يستعمل اللفظ الشريف المصون في حق من ليس كذلك , وأن يُستعمل اللفظ المَهين المكروه في حق من ليس من أهله .
فمِن الأول منعُه أن يُقال للمنافق (( ياسيدنا )) وقال : فإنه إنْ يكُ سيِّدًا فقد أسخطتم رَبَّكم عزَّ وجل )) ومنعه أن تًُسمى شجرة العنب كرما ً , ومنعه تسمية أبي جهل بأبي الحَكَم , وكذلك تغييره لأسم أبي الحكم من الصحابة : بأبي شريح , وقال : (( إن الله هو الحَكَم , وإليه الحُكم ))
ومن ذلك نهيُه للمملوك أن يقول لسِّيده أو لسيدته : ربيِّ وربَّتي وللسيَّد أن يقول لمملوكه : عبدي , ولكن يقول المالك : فتاي وفتاتي , ويقول المملوك : سيدي وسيدتي , وقال لمن ادعى أنه طبيب (( أنت رجل رفيق ٌ , وطبيبها الذي خلقها )) والجاهلون يسمون الكافر الذي له علم ٌ بشئ من الطبيعة حكيما , وهو من أسفه الخلق .
ومن هذا قوله للخطيب الذي قال : من يُطع الله ورسوله فقد رشد , ومن يعصهما فقد غوى (( بئس الخَطيبُ أنت َ ))
وأن يطلق ألفاظ الذمِّ على من ليس مِن أهلها , فمثل نهيه ( ص ) عن سبِّ الدهر , وقال : (( إن الله هو الدهر )) وفي حديث آخر : (( يقول الله عز وجل : يؤذيني ابن آدم فيَسُب ُّ الدهر , وأنا الدهر , بيدي الأمر ُ أقلِّب الليلَ والنهار َ )) وفي حديث آخر (( لايقولَنَّ أحدُكُم : ياخيبة الدَّهر ))
في هذا ثلاث مفاسد عظيمة .إحداها : سَبُّه من ليس أهل أن يُسب , فإن الدهر خلقٌ مُسَخَّرٌ من خلق الله , منقاد لأمره , مذلَّلٌ لتسخيره , فسابه أولى بالذمِّ والسبِّ منه .
الثانية أن سَبَّه متضمن للشرك , فإنه إنما سبه لظنِّه أن يضر وينفع , وأنه مع ذلك ظالم قد ضر َّ من لايستحق الضرر , وأعطى من لايستحق العطاء , ورفع من لايستحق الرفعة , وحرم من لايستحق الحرمان , وهو عند شاتميه من أظلم الظلمة , وأشعارُ هؤلاء الظلمة الخونة في سبِّه كثيرة جدا . وكثيرٌ من الجهال يُصِّرح بلعنه وتقبيحه .

الثالثة : أن السب منهم إنما يقع على من فعل هذه الأفعال التي لو اتبع الحقُّ فيها أهوائهم لفسدت السماوات والأرض , وإذا وقعت أهواؤهم , حمدوا الدهر , وأثنوا عليه . وفي حقيقة الأمر , فربُّ الدهر تعالى هو المعطي المانع , الخافض الرافع , المعز المذل , والدهر ليس له من الأمر شئ , فمسبتهم للدهر مسبة لله عز وجل , ولهذا كانت مؤذية للرب تعالى
زاد المعاد في هدي خير العباد لأبن القيم الجوزية – الجزء الثاني ص 352 – 355

الأربعاء، 25 أغسطس 2010

من الهدي النبوي : في الكلام و السكوت والضحك والبكاء



كان صلى الله عليه وسلّم أفصح خلق الله وأعذبهم كلاما  , وأسرعهم أداءً , وأحلاهم منطقا , حتى إن كلامه ليأخذ بمجامع القلوب , ويسبي الأرواح , ويشهد له بذلك أعداؤه . وكان إذا تكلم تكلَّم بكلام مفصَّل مُبيِّن ٍ يعدُّه العادُّ, ليس بهذ ٍّ مسرعٍ لايُحفظ , ولامنقطع تخلله السكتات بين أفراد الكلام , بل هديه فيه أكمل الهدى , قالت عائشة : ماكان رسول الله – صلى الله عليه وسلّم – يسرُدُ سردَكم هذا , ولكن كان يتكلم بكلام بيِّن ٍ فصل ٍ يحفظه من جلس إليه [ أخرجه الترمذي في الجامع وسنده حسن وأخرجه البخاري ومسلم مختصرا بلفظ ].

وكان كثيرا مايعيد الكلام ثلاثا ليُعقل عنه , وكان إذا سلَّم سلَّم ثلاثا . وكان طويل السكوت لايتكلم في عير حاجة , يفتتح الكلام ويختتمه بأشداقه , ويتكلم بجوامع الكلام , فصل لافضول ولاتقصير , وكان لايتكلم فيما لايعنيه , ولايتكلم إلا فيما يرجو ثوابه , وإذا كره الشئ : عُرٍف في وجهه , ولم يكن فاحشا , ولامتفحًّشا , ولاصخًّابا . وكان جل ضحكه التبسم , بل كله التبسم , فكان نهاية ضحكِه أن تبدو نواجذه .
وكان يضحك مما يُضحك منه  , وهو مما يُتعجب من مثله ويُستغرب وقوعه ويستندر.

وللضحك أسباب عديدة , هذا أحدها . والثاني ضحك الفرح , وهو أن يرى ما يسرُّه أو يباشره . والثالث ضحك الغضب , وهو كثيرا مايعتري الغضبان إذا اشتد غضبه , وسببه تعجب الغضبان مما أورد عليه الغضب , وشعور نفسه بالقدرة على خصمه , وأنه في قبضته , وقد يكون ضحكِهُ لِمُلكهِ نفسه عند الغضب , وإعراضه عمن أغضبه , وعدم اكتراثه به .

وأما بكاؤه – صلى الله عليه وسلََم – فكان من جنس ضحكه , لم يكن بشهيق ورفع صوت كما لم يكن ضحكه بقهقهة, ولكن كانت تدمع ُ عيناه حتى تَهمُلا , ويسمع لصدره أزيز ٌ. وكان بكاؤه تارة رحمة للميت , وتارة خوفا على أمته وشفقة عليها , وتارة من خشية الله , وتارة عند سماع القرآن , وهو بكاء اشتياق ومحبة وإجلال , مصاحب ٌ للخوف والخشية . ولما مات ابنه إبراهيم ُ, دمعت عيناه وبكى رحمة له , وقال : (( تدمع العين ُ , ويحزن القلبُ , ولانقول إلا ما يُرضي ربَّنا , وإنا بك ياإبراهيم لمحزونون )) .[ أخرجه البخاري 3/139 , 140 في الجنائز ]
وبكى لما شاهد احدى بناته ونفسُها تفيض ُ , وبكى لما قرأ عليه ابن مسعود سورة ( النساء ) وانتهى فيها إلى قوله تعالى : { فَكيفَ إذا جئنا من كل أمةٍ بشهيد ٍ وجئنا بك على هؤلاء ِ شَهيداً } [ سورة النساء : 41 ] وبكى لما مات عثمان ابن مظعون , وبكى لما كسفت الشمس , وصلى صلاة الكُسوف , وجعل يبكي في صلاته , وجعل ينفخ , ويقول : (( ربِّ ألم تعدني ألاّ تُعذبهم وأنا فيهِم وهم يستغفرون , ونحن نستغفرك )) [ رواه أبو داود في الصلاة , والنسائي في صلاة الكسوف , وأحمد في المسند , والترمذي في الشمائل من حديث عبدالله بن عمرو , وسنده صحيح ] وبكى لما جلس عل قبر احدى بناته وكان يبكي أحيانا في صلاة الليل .
والبكاء أنواع . أحدها : بكاء الرحمة , والرقة .
والثاني : بكاء الخوف والخشية .
والثالث : بكاء المحبة والشوق .
والرابع : بكاء الفرح والسرور .
والخامس : بكاء الجزع من ورور المؤلم  وعدم احتماله .
والسادس : بكاء الحزن .

والفرق بينه وبين بكاء الخوف , أن بكاء الحزن يكون على مامضى من حصول مكروه , أو فوات محبوب , وبكاء الخوف يكون لما يتوقع في المستقبل من ذلك , والفرق بين بكاء السرور والفرح , وبكاء الحزن , أن دمعة السرور باردة , والقلب فرحان , ودمعة الحزن حارة , والقلب حزين , ولهذا يقال لما يُفرح به : هو قُرَّةُ عين ٍ , وأقرَّ الله به عينه , ولما يُحزن : هو سخينة العين , وأسخن الله عينه به .

والسابع : بكاء الخور والضعف .
والثامن : بكاء النفاق , وهو أن تدمع العين , والقلب قاس ٍ , فيُظهر صاحبه الخشوع , وهو من أقسى الناس قلبا .
والتاسع : البكاء المستعار والمستأجر عليه , كبكاء النائحة بالأجرة , فإنها كما قال عمر بن الخطاب : تبيع عبرتها , وتبكي شجو غيرها .

العاشر : بكاء الموافقة , وهو أن يرى الرجل ُِ الناس يبكون لأمر ورد عليهم , فيبكي معهم , ولايدري لأي شيء يبكون .

وما كان من ذلك دمعا بلا صوت , فهو بكى مقصور , وماكان معه صوت , فهو بكاء ممدود , على بناء الأصوات .
وقال الشاعر :

بكَت عيني وحُقَّ لها بُكاها      ومايُغني البكاء ُ ولاالعويل ُ

وماكان منه مستدعى متكلفا , فهو التباكي , وهو نوعان : محمود , ومذموم , فالمحمود , أن يُستجلب لرقة القلب , ولخشية الله , لاللرياء والسُّمعة . والمذموم : أن يستجلب لأجل الخلق . وقد قال بعض السلف : ابكوا من خشية الله , فإن لم تبكوا , فتباكوا .


زاد المعاد في هدي خير العباد – لأبن القيم الجوزية
 ج 1 ص 182 , 185