مصر الثورة





سوريا نحن معكم




with you syria

[IMG]http://shams-d.net/up//uploads/images/domain-b9caecbbc3.png[/IMG]




السبت، 25 ديسمبر 2010

كيف انتشر الاسلام ؟؟…د.مصطفى الشكعة



 
يروي الأستاذ الدكتور مصطفى الشكعة العميد الأسبق لكلية الآداب جامعة ((عين شمس )) وأستاذ الفكر الإسلامي عن الكيفية التي انتشر بها دين الإسلام العظيم والشبهات التي ثارت حوله من أعدائه , وكيف نفذ الاسلام بدعوته السلمية الى بلدان العالم في أوروبا وآسيا وأفريقيا وعلى أهمية السماحة التي عرف بها هذا الاسلام …يبدأ فضيلته قائلا :
(( يخطئ كثير من المستشرقين وغير المستشرقين حينما يذهبون في كتاباتهم إلى أن الإسلام قد انتشر بالسيف , وهم يحاولون إلباس دعواهم ثياب صدق وحيدة حين يربطون بين الفتوحات الإسلامية وبين نشر الإسلام , والحق أن الذين يركبون هذا المركب الخشن في محاولة الربط بين نشر الدعوة الإسلامية وامتشاق الحسام ليسوا إلا واحدا من رجلين : رجل حسن الطوية ولكنه قاصر في اطلاعه لم يأخذ من الدراسة حول الإسلام إلا قشورا دون أن ينفذ إلى اللباب , فيطلع على جمهور القراء بأفكار فجة ومعلومات خاطئة , واستنتاجات ظالمة , ورجل قرأ وفهم ووعى ما قرأ ولكنه سئ النية , شرير الطوية , يغالط نفسه ويظلم الإسلام بنسبة أمور إليه هو منها براء .
فالمعروف أن المسلمين لم يشهروا السيف لأول مرة إلا في غزوة بدر  , وهم حين فعلوا ذلك لم يكونوا عادين ولاظالمين , وإنما كانوا يدافعون عن الدعوة التي أنزلها الله على رسوله ,فآمنوا بها وهاجروا في سبيلها وحاربوا حفاظا عليها , وإن المتتبع بعد ذلك للوقائع التي عرفت بالغزوات لايجد كثير عناء في أن يستنتج أن السيف الإسلامي قد شهر فيه دفاعا عن الدين الجديد , وذودا عن حياض المسلمين , وحفاظا لأرواحهم وعقيدتهم , فكانت الغزوات إما حربا ً دفاعية وإما حربا ً وقائية  , والحرب الدفاعية والحرب الوقائية كلاهما سواء .

فلما استتب الإسلام في الجزيرة العربية وبدأت الفتوحات , لم تكن تهدف إلى نشر الدين بقوة السيف , وإنما كانت لأخضاع الحكام الظالمين وسلِّ عروشهم , وإنقاذ أبناء البشرية مما أوقعوه عليهم من جور , وما أحاطوهم به من ظلم وإذلال , ولذلك فإن المسلمين في فتوحاتهم لم يرغموا أحدا ً على الإسلام , ولم يقتلوا طفلا ً , أو يؤذوا امرأة , أو ينالوا شيخا بضرر  . فلم تكن الفتوحات الإسلامية في واقعها لتحويل غير المسلمين إلى مسلمين , إنما كانت لتوسيع نطاق السيادة الإسلامية التي هي سيادة الله , وبسط العدالة والطمأنينة على ربوع العالمين .
·                 فسبيل نشر الدعوة ينحصر في أن قوة الدعوة نفسها أمضى وأقوى من قوة السيف , فالله تعالى يقول :
{ لاَ إِكْراهَ فيِ الدِين ِ }
                      [ سورة البقرة : أية 256 ]
ويقول : { ادْعُ إِلى َ سَبيلِ رَبِّكَ بِالحِكْمَةِ والمَوعِظَة ِ الحَسَنة ِ وجاَدِلْهُم بِالَّتي هِيَ أحْسَنُ }
[ سورة النحل : آية 125 ]

ويقول : { لِلَّذين َ أُوتُوا الكِتابَ والأُمِيّـنَ ءَأَسْلَمتُمْ فَإنْ أسْلَمُوا فَقَــدِ اهْتَدَواْ وَّإن تَوَلَّوْا فَإنَّما عَلَيْكَ اْلبَلاغُ واللَّهُ بَصيرُ بِالعِبادِ }
 [ سورة آل عمران : الآية 20 ]

هذا هو دستور الدعوة الإسلامية , سبيل كله سلام وحرية اختيار , لا إجبار ولا إكراه , ولذلك فمن الحقائق التاريخية المسلم بها أن المسيحيين من العرب     ظلوا متمتعين بكامل حقوقهم , وأن عمر بن الخطاب لم يفرق بين تغلب المسيحية وبين المسلمين , ومعروف أيضا أن المسيحيين في الشام طلبوا نجدة الجيوش الإسلامية لكي تخلصهم من ظلم الروم , ولكي تنشر العدل بينهم , فقد كانت رسالة السماء تفرض إشاعة العدالة بين الناس أيًّا كان دينهم , وإذا كان الإسلام قد فرض الجزية عليهم فلم يكن معنى ذلك عقابا لهم , وإنما كان ثمنا لحمايتهم , وفي نفس الوقت سمح لهم بإقامة شعائرهم الدينية والتمتع بكامل حقوقهم على وجه العدل والإنصاف .

وكان الحال كذلك أيضا بالنسبة للقبط في مصر , وقد لاقوا من الاضطهاد قبل الفتح الإسلامي ما جعلهم ينتظرون وصول العرب الفاتحين بفارغ الصبر , يقول السير توماس أرنولد في وصف حالهم : (( كان بعضهم يعذب ثم يلقى بهم في اليم , وتبع كثير منهم بَطريقَهم إلى المنفى لينجوا من مضطهديهم , وأخفى عدد كبير منهم عقائدهم الحقيقية وتظاهروا بقبول قرارات مجمع خلقدونية , وقد جلب الفتح الإسلامي إلى هؤلاء القبط حياة تقوم على الحرية الدينية التي لم ينعموا بها قبل ذلك بقرن من الزمان , وقد تركهم عمرو بن العاص أحرارا على أن يدفعوا الجزية , وكفل لهم الحرية في إقامة شعائرهم , وخلصهم بذلك من هذا التدخل المستمر الذي كانوا يئنون من عبئه الثقيل في ظل الحكم الروماني , ولم يضع عمرو يده على شئ من ممتلكات الكنائس , ولم يرتكب عملا من أعمال السلب والنهب , ويظهر أن حالة القبط في الأيام الأولى من حكم المسلمين كانت معتدلة , وليس هنالك شاهد من الشواهد يدل على أن ارتدادهم عن دينهم القديم ودخولهم في الاسلام على نطاق واسع كان راجعا إلى اضطهاد أو ضغط يقوم على عدم التسامح من جانب حكامهم المسلمين ))
[ الدعوة إلى الإسلام ص 123 – 124 ]

·                 وهكذا وجد القبط في ظل الإسلام الحرية الكاملة بعد أن قتل "الامبراطور جستنيان " من قبط الاسكندرية الأرثوذكس وحدهم مائتي ألف مواطن .
·                 وما يقال عن دخول مسيحيي مصر إلى الإسلام دون ضغط أو إكراه يقال عن غيرهم من سكان البلاد التي فتحها المسلمون , وها هي ذي رسالة كتبها البطريق النسطوري" يشوع ياف الثالث Isho Yabh" وبعث بها إلى المطران سمعان رئيس أساقفة فارس , يقول فيها بعد أن صور حزنه لتحول كثير من المسيحيين الفرس إلى الإسلام : (( وإن العرب الذين منحهم الله سلطان الدنيا يشاهدون ما أنتم عليه , وهم بينكم كما تعلمون حق العلم , ومع ذلك فهم لايحاربون العقيدة المسيحية , بل على العكس , يعطفون على ديننا ويكرمون قسسنا وقديسي الرب , ويجودون بالفضل على الكنائس والأديار , فلماذا اذن هجر شعبك من أهل مرو عقيدتهم من أجل هؤلاء العرب ؟ ولماذا حدث ذلك أيضا في وقت لم يرغمهم فيه العرب – كما يصرح أهل مرو أنفسهم – على ترك دينهم ؟ بل هم تعهدوا لهم أن يبقوا عليه آمنا ً مصونا ً إذا هم اقتصروا على أداء جزء من تجارتهم إليهم ))
[ توماس أرنولد ص 101 , 182 ]
·                 العدالة في المناصب :
والاسلام لم يحفظ على غير المسلمين عقيدتهم وحريتهم وحسب , بل إن بعض حكام المسلمين بالغوا في إكرام المسيحيين واليهود فوضعوهم في مناصب الدولة الهامة , بحيث كان منهم الوزراء والحُجّاب , سواء في الدولة العباسية في بغداد أو الدولة الفاطمية  في مصر أو الخلافة الاسلامية في الأندلس .

على أن الأمر لم يقف عند هذا الحد , بل إن " صلاح الدين الأيوبي " الذي خاض الحروب الصليبية لم يأخذ رعاياه من المسيحيين بجريرة القادمين الباغين من أوروبا , وإنما عاملهم برفق أكثر , وأسبغ عليهم تسامحه , وخفف عنهم الضرائب وأزال بعضها , ووضعهم في الوظائف العامة  كوزراء وكتّاب وصيارفة , وظل حالهم كذلك من السعادة والرعاية والاستمتاع بحرياتهم كاملة في عهد خلفاء صلاح الدين .

·                الاجبار على اعتناق الدين :
فحوادث إجبار غير المسلمين على اعتناق الإسلام قليلة نادرة , وهي فردية في الغالب .ولعلها في الديانات الأخرى أكثر وأعم , فشرلمان ملك فرنسا   كان يفرض التعميدات المسيحية بحد السيف , وكان أولاف ملك النرويج  يذبح من يرفض الدخول في الدين المسيحي من سكان فيكن Vikan ( الجزء الجنوبي من النرويج ) أو يقطع أرجلهم وأيديهم , كما وجدت جماعة متعصبة لنشر المسيحية بالقوة أسموا أنفسهم إخوان السيف Bretheren of the Sivlia.

·                اعتناق المعتدون على ديار الإسلام لدينها :
فالذين ذهبوا إلى أن الإسلام قد انتشر بالسيف قوم مخطئون كل الخطأ , لأن الدين الذي يعتمد على السيف لكي ينتشر دين ضعيف , وليس الإسلام كذلك , وليس أدل على ذلك من أن المهاجمين لديار الإسلام المنتصرين على المسلمين مالبثوا أن اعتنقوه دينا وآمنوا برسالته , مع أن طبيعة الأمور تقضي أن يحولوا المسلمين إلى دينهم لاأن يتحولوا هم إلى الإسلام .
·                 فالســلاجقة الوثنيون الذين فتحوا بلاد ما وراء النهر وتقدموا إلى العراق العجمي وظلوا يزحفون شيئا فشيئا حتى أخضعوا أكثر الأراضي الإسلامية , هؤلاء الوثنيون الظافرون الفاتحون الغالبون ما لبث الدين الإسلامي بقوته وسلامته وسماحته أن استهواهم فاعتنقوه , وصاروا سلاطين مسلمين , وليس الأمر موقوفا على هؤلاء السلاجقة وحدهم , فإن قوما أشد منهم عتوًّا , وأعنف منهم ظلما , وأكثر منهم تعطشا إلى الدماء , قد هاجموا ديار المسلمين وقضوا على خلافتهم , وقتلوا خليفتهم , وخضبوا الأرض بدمائهم , ورنقوها بأشلائهم , أولئك هم المغـــــول التتار المتوحشون الوثنيون الغالبون المنتصرون , الذين ما لبثوا أن انضووا بعد حين تحت لواء الإسلام فهذب أخلاقهم , وجعل لهم حضارة وفنونا عُرِفت باسم الفنون المغـولية .

من يصدق  أن هؤلاء التتار الذين سفكوا من دماء المسلمين ما لم يسفكه أحد من قبلهم , والذين يصف " ابن الأثير " فظائعهم , وجَعلِهم مساجد بخارى اصطبلات خيل , وتمزيقهم للقرآن الكريم , وهدم مساجد سمرقند وبلخ فيقول : (( لقد بقيت عدة سنين معرضا ً عن ذكر هذه الحادثة استعظاما لها , كارها لذكرها , فأنا أُقدم إليها رِجلاً وأؤخر أخرى , فمن الذي يسهل عليه نعي الإسلام إلى المسلمين , ومن الذي يهون عليه ذكر ذلك ؟ فياليت أمي لم تلدني , وياليتني متُّ قبل هذا وكُنت نسيا منسيا , إلى أن حثني جماعة من الأصدقاء على تسطيرها وأنا متوقف , ثم رأيت أن ترك ذلك لايجدي نفعا , فنقول : هذا الفعل يتضمن ذكر الحادثة العظمى , والمصيبة الكبرى التي عقمت الأيام والليالي عن مثلها , عمَّت الخلائق , وخصت المسلمين , فلو قال قائل منذ خلق الله سبحانه وتعالى آدم وإلى الآن : لم يبتلوا بمثلها لكان صادقا )) .
[ ابن الأثير حوادث سنة 617هـ .]

نقول : من يصدق أن هؤلاء المتوحشين يدخلون الإسلام طائعين وهم الظافرون الكاسحون المنتصرون ؟
على أن الأمر بالإسلام لم يقف عند اجتذاب الوثنيين الظافرين من السلاجقة والمغول وحدهم إليه , بل إنه حذي بعض الصليبيين الذين جاءوا ليحاربوا المسلمين فدخلوا فيه طائعين مختارين زرافات ووحدانا ً ( جماعات وفرادا ) , ذلك أن جنود الصليبيين بينما كانوا يجتازون آسيا الصغرى في طريقهم إلى بيت المقدس تجسس عليهم الإغريق من أبناء دينهم , وأبلغوا الأتراك المسلمين بمواقعهم , فهاجمهم الترك المسلمون وأوقعوا بهم ومزقوهم شر ممزق , غير أن من نجا منهم – أي من الصليبيين – كانوا في حالة من البؤس والإشراف على الموت لدرجة استدرت عطف الترك المسلمين , فما كان منهم إلا أن واسوا المرضى وعالجوهم , وأغاثوا الجائعين المشرفين على الهلاك , وبذلوا لهم العطاء في كرم وسخاء , بل لقد اشترى بعض المسلمين النقود الفرنسية من الإغريق لكي يوزعوها بسخاء على الصليبيين المعوزين , فكان البون شاسعا بين المعاملة الرحيمة التي لقيها الصليبيون من المسلمين , وبين المعاملة السيئة التي لاقوها من أبناء دينهم الإغريق وما عانوه من قسوتهم , حتى إن كثيرا منهم دخلوا دين منقذيهم بمحض إرادتهم , وبلغ عدد هؤلاء الذين اعتنقوا الاسلام من الصليبيين أكثر من ثلاثة آلاف .
[ القصة بكاملها يقصها أحد رهبان القديس دينيس , وكان مرافقا للحملة – توماس أرنولد ص 108 , 109]

لعل هذه الأمثلة التاريخية التي تؤيدها الوثائق , والتي جعلت الغالبين يدخلون إلى الاسلام عن رضا كامل لأكبر دليل على أن الاسلام لم ينتشر بالسيف , وانما انتشر بقوة العقيدة وكمالها , وتشبع النفوس بها , واقتناع أولي الألباب بأنها الحق من رب العالمين .
الدليل الثاني :
·                 وكيف يمكن أن يكون انتشار الاسلام بالسيف , والمؤرخون يذكرون لنا أنه حتى نهاية القرن الهجري الأول , كان عدد المسلمين في البلاد المفتوحة لايزيد على الثلث , ولوكان السيف هو أداة نشر الدين لما بقي واحد من سكان تلك البلاد على غير الإسلام بعد مائة سنة من الزمان , بل لما بقي في بلاد المسلمين الآن مواطن واحد لايتخذ الإسلام دينا .

·                 وإلا كيف يفسر دخول مئات الملايين فيه من أهالي الهند والصين والملايو وجاوة وجزر الهند الشرقية وإفريقية الوسطى ؟ بل كيف آمن به الملايين المنتشرون في روسيا وبولندا ولتوانيا في شمال أوروبا , ثم مدينة الكاب وغينيا التي يحتلها الأوروبيون ؟ هل وصلت سيوف المسلمين إلى تلك المناطق ؟ لم يقل بذلك عاقل أو مجنون , لقد دخل الاسلام إلى تلك البلاد عن طريق الدعاة المسلمين المجردين من أي سلاح إلا سلاح السماحة والايمان , فدخل الناس عن طريقهم في دين الله أفواجا . إنه في الوقت الذي كان المسلمون يُذبحون في أسبانيا ويُصنع بهم من ألوان الاضطهاد مالم يسمع به التاريخ من قبل , في ذلك الوقت الذي كان يقتل فيه في الأندلس كل من يقول لاإله إلا الله محمد رسول الله حتى أجلي الإسلام وحضارة الإسلام عن إسبانيا , كان الإسلام نفسه يكسب أرضا جديدة ومسلمين جددا في سومطرة والملايو

, وشتان الفرق إذن بين تعصب يقتل المسلمين في أرضهم , وسماحة تجذب المواطنين في غير أرض الاسلام إلى الإسلام .

·                الإسلام في الأندلس :
ربما يظن ظان أن ما أنزل بالمسلمين في الأندلس  من حيف وتقتيل كان نتيجة لتعصب سابق , أو ظلم أوقعوه على الإسبان , أو إجبار لهم على اعتناق الإسلام , ولكن التاريخ لم يسجل حادثة واحدة من هذا القبيل  , فلم يحدث أن اضطهد المسلمون سكان اسبانيا أو أجبروهم على اعتناق الإسلام وقت الفتح , بل كانت سياستهم كلها تسامحا وعطفا , بل إن المسلمين قد شيدوا للرهبان والراهبات أديارا جديدة تهيأ فيها لهم الأمن والطمأنينة , وكان الرهبان يستطيعون أن يخرجوا على الملإ بألبستهم الدينية , وتقلَّدَ بعضهم المناصب العالية في البلاط , وهكذا رعى الإسلام المسيحيين في الأندلس وحافظ عليهم , ولم تحدث حالة اضطهاد ديني واحدة .
هكذا انتشر الإسلام في الأندلس بغير ضجة ولاسيف , وإنما بالسماحة والرفق والاقتناع . وهكذا خرج الإسلام من الأندلس يسبح في بحار دافقة من دماء أبنائه بسيوف متعصبة ظالمة .

·                الاسلام في القسطنطينية ( أوربا ) :
ولايختلف الأمر في دخوله القسطنطينية عنه في دخوله الأندلس , فلم يرغم القائد التركي أحدا على اعتناق الإسلام , بل نشر العدل وأقام صروحه , وأمّن الناس على حياتهم , ونحن لانستقي ذلك من مؤرخي المسلمين , بل من مؤرخ  بيزنطي  شاهد سقوط القسطنطينية يتحدث عن بايزيد , وكيف كان رحب الصدر , كريم الخلق مع رعاياه المسيحيين , وكيف جعلهم يألفونه ألفة تامة , بأن سمح لهم بالتردد على مجلسه في حرية كاملة , وكيف أن مرادا ً الثاني  اشتهر بتحقيق العدل وإصلاح المفاسد التي سادت في عهد الأباطرة الإغريق . لقد كان يعاقب في غير هوادة أي موظف من موظفيه يثبت أنه استبد بأي فرد من أفراد رعيته .  لم يتدخل الترك المسلمون في عقيدة رعاياهم من المسيحيين , ولم يحاولوا نشر الإسلام بالسيف , يشهد بذلك بطريق أنطاكية (( مكاريوس )) الذي يقول من حديث طويل له يلعن فيه البولنديين الكاثوليك , ويحصي ضحاياهم من الأرثوذكس بعدد يتراوح بين سبعين وثمانين ألفا من القتلى : (( أدام الله بقاء دولة الترك خالدة إلى الأبد , فهم يأخذون ما فرضوه من جزية ولاشأن لهم بالأديان , سواء أكان رعاياهم مسيحيين أم ناصريين , يهودا ً أم سامرة , أما هؤلاء البولنديون الملاعين فلم يقنعوا بأخذ الضرائب والعشور من إخوان المسيح , بالرغم من أنهم يقومون بخدمتهم عن طيب خاطر , بل وضعوهم تحت سلطة اليهود الظالمين أعداء المسيح الذين لم يسمحوا لهم حتى بأن يبنوا الكنائس , ولابأن يتركوا لهم قسسا ً يعرفون أسرار دينهم ))
[  مذكرات البطريرك مكاريوس عن توماس أرنولد ص 182, 183 ]

في ظل هذه السماحة المطلقة دخل رعايا الكنيسة الشرقية إلى الإسلام دون ترغيب أو تهديد , بغير سيف ولارمح  , ولكن أعجبتهم شريعته السهلة البعيدة عن التعقيدات , فكان لهم بمثابة المهرب من التعقيدات التي خلقتها الهرطقة البوليشية Poeulician heresy فدخل الإسلام أقوام كثيرون من ألبان وبوسنة وصرب .

·                انتشار الإسلام في آسيا :
وما يقال عن انتشار الإسلام في أوربا يقال عنه في آسيا , ففي فارس كان الكهنة الزرادشتيون قد تسلطوا على شئون الدولة المدنية غير مكتفين بنفوذهم الديني , واضطهدوا الديانات المخالفة لهم , من بوذيين ومانويين ومسيحيين ويهود وصابئة , وما إن جاء المسلمون إلى تلك البلاد حتى ضمنوا الحرية الدينية لكل فرقة من هذه الفرق , وعاملوهم جميعا معاملة أهل الكتاب , مكتفين بأخذ الجزية منهم , وشيئا فشيئا بدأت الجماعات من سكان المدن خاصة ترحب بالإسلام دينا , وتعتنقه في حماسة كبيرة , وكان في مقدمة هؤلاء جميعا أصحاب الحرف والعمال  بمختلف طبقاتهم , ارتضوا الدين الجديد لصفائه وخلوه من المعتقدات الوثنية التي بدت كريهة في أنظارهم , نظرا لسفاهة طقوسها , واستبداد رجال الدين القوامين عليها .
واذا كان بعض سكان شمال الهند دخلوا الإسلام خشية أو خوفا في إبان بعض الغزوات المتأخرة , فإن الأمر ليس كذلك فيما يتعلق بجنوب الهند , الذي أسلم الملايين من سكانه نتيجة علاقات ودية وتقدير واحترام نشأت بين التجار المسلمين الذين تزاحموا في تلك المنطقة وبين الحكام الهنود الذين أعجبوا بأخلاق المسلمين ومعاملاتهم وطرق تعبدهم , ولاشك أنه كان للرخاء الذي عم هذه المنطقة نتيجة لنشاط العرب وإقبالهم على شراء منتجات هذه البلاد أثر كبير في ربط أواصر المودة بين السكان والمسلمين , الأمر الذي ساعد على انتشار الدين الإسلامي دون أن يدخل هذه المناطق سيف واحد , وقد لعب رجل عظيم اسمه
 (( خواجه معين الدين خشتي )) دورا كبيرا في نشر الإسلام في الهند بالطرق السلمية التي تعتمد على الإقناع والموعظة الحسنة , وإنا لنسمع عن دعاة كثيرين آخرين نذروا أنفسهم لنشر الدعوة الإسلامية في الهند , فكان السداد رائدهم , وأسلم على أيديهم الملايين في أنحاء شبه القارة الهندية , وما يحيط بها من جزر , من هؤلاء (( نادر شاه )) المتوفي سنة 969 هـ - 1039م , وسيد إبراهيم شهيد , وشاه عبدالحميد سنة 1600م , والشيخ يوسف شمس الدين , وممبا ملايكا , وغيرهم كثيرون لانستطيع أن نحصي أعمالهم في هذه الصفحات القليلة .

ولقد دخل الإسلام إلى الملايو و جاوة  و سومطرة و بورنيو و سيلبيس والفلبين وغيرها من هذه المناطق بالدعوة والتبشير دون سفك قطرة دم واحدة , دخلها عن طريق التجار المسلمين الذين اتصلوا بالسكان اتصال المودة والنسب , وكانوا في نفس الوقت يبشرون بدينهم , أو عن طريق الدعاة الذين نذروا أنفسهم لخدمة الإسلام , وكان الناس يقبلون عليهم في يسر , ويعتنقون الدين الجديد ويؤمنون به في وقت قصير , وفي أحيان كثيرة كان الداعي اذا أقنع الملك بالإسلام قام الملك نفسه ودعا وزرائه ورعيته إلى العقيدة الجديدة , فيسارعون إلى الاستجابة في أقصر وقت وأسرعه , ومن تلك القصص الطريفة قصة إسلام ملك قويده  في شبه جزيرة الملايو , فقد وصل إلى تلك المملكة سنة 1501 م عالم عربي يدعى الشيخ عبدالله , وزار الراجة (الملك ) وسأل عن ديانة البلاد , فأجابه الراجة ؛ ديني ودين رعيتي كلها هو الذي وصل إلينا من الشعب القديم , ونحن جميعا نعبد الأصنام , فقال الشيخ , أما سمعتم جلالتكم عن الإسلام , والقـرآن الذي أنزله الله على محمد ونسخ به كل الديانات الأخرى وتركها في حوزة الشيطان ؟ وظل الشيخ يشرح للراجة تعاليم الإسلام – وكان ذا بشاشة ولباقة – حتى اقتنع الملك بكلامه , وما لبث أن أحضر جميع الأصنام التي في القصر فجمعت في أكوام , وكان بعضها من الذهب , وبعضها من الفضة , وبعضها من الطين أو الخشب , وألقيت على الأرض وأحرقت , وبعد ايمان الملك آمن بعده أهل بيته , ثم وزراؤه , ثم بقية رعيته الذين جمعوا كل الأصنام التي كانت في حوزتهم وأحرقت جميعا وأصبحت رمادا ً تذروه الرياح , وأقبلوا على الإسلام تعُلما ً والبِشْرُ يعمهم والفرح يملأ جوانحهم , ولم يكتف الملك باعتناق الإسلام , بل غير اسمه من (( برا أونج مها وانجسا )) إلى إسم إسلامي هو (( مزلف الشاة )) ثم بنيت المساجد في المناطق الآهلة بالسكان .
بهذه الطرق السلمية والوسائل الإقناعية انتشر الإسلام في أقطار آسيا وجزرها .

·                انتشار الإسلام في أفريقيا :
وأما اعتناق الإفريقيين للإسلام فقد تم أيضا عن طريق الدعاة والتجار , ولقد لقي الدعاة المسلمون لدى الزنوج كثيرا من الإدراك والتقبل حين كانوا يحدثونهم عن الحقائق المتعلقة بالله والإنسان , هذا فضلا عن أن الدين الإسلامي دين الفطرة والبساطة , ولذلك كان الإفريقيون يقبلون على اعتناقه باعتباره لايفرق بين الأبيض والأسود , على حين أن رجال الإرساليات الأوربيين لم ينجحوا في شدهم إلى رباط المسيحية , لأن الإفريقي الأسود المتنصر كان يحس في قرارة نفسه أن أبناء دينه من الأوربيين ينتمون إلى جنس ولون وحضارة لاينتمي هو إليها , وكان يحس بذلك الفرق الذي يؤرق نفسه ويؤلم انسانيته .
ويعلل بعض الكتّاب الأوربيين سرعة انجذاب الزنجي إلى الإسلام فيقول : إن الدخول في الإسلام لايستلزم أن يفقد الواحد قوميته , ولايستلزم تغييرات انقلابية في الحياة الإجتماعية , ولايقوض نفوذ الأسرة أو سلطة الجماعة , وليست هناك هوة بين الداعي إلى الإسلام والمتحول إليه , فكلاهما متساو ٍ مع الآخر , لانظريا بل عمليا ًّ أمام الله , وكلاهما ينفذ مبدأ التآخي الإنساني تنفيذا عمليا ًّ , والإسلام يمنح هؤلاء الذين يتصلون به منزلة أرقى وفكرة أسمى عن مكانة الإنسان في العالم المحيط به , ويحرره من ربق ألف عام من الأوهام الخرافية .
[E.D Morel: Nigeria its people and probleps.ٍ]

هكذا انتشر الإسلام في إفريقية انتشار النور في الظلمة , أقبل عليه الإفريقيون وهم يعتبرونه دينهم الطبيعي بشهادة الكتّاب الأوربيين أنفسهم , بغير ضربة سيف أو طلقة بندقية , وكذلك بينا كيف انتشر الإسلام في بقاع الأرض ..))
أ.د/ مصطفى الشكعة – إسلام بلامذاهب ص 103 – 113
إلى هنا اقتبسنا من كتابات السيد الدكتور الكبير مصطفى الشكعة في كتابه القيم عن الافتراءات التي سيقت والشبهات التي يلوكها أعداء الإسلام عنه وللأسف البعض من السذج يصدق دون بصيرة أو علم قرأه …

سبحانك لاعلم لنا إلا ماعلمتنا يارب العالمين…!!!

الثلاثاء، 14 ديسمبر 2010

المساواة في الإسلام طريق للعدالة..د.مصطفى الشكعة



 
يكتب الأستاذ الدكتور مصطفى الشكعة عن أهم مبادئ الاسلامية التي عزت بها أمة الاسلام وأسست للأمة والحضارة ومن بينها المساواة هي الأساس الأول لتحقيق مبدأ العدالة فالعدالة لاتقوم بغير مساواة وننقل نص ماكتبه :
(( فالكل سواء , لافرق بين أبيض أو أسود , ولا أصفر أو أحمر , ولاغني ولا فقير , ولا ملك ولا حقير , وإنما أفضل الناس أقربهم للتقوى وأفعلهم للخير , ويسجل القـرآن الكريم هذا الدستور العظيم في قوله تعالى : { يا أيُّهاَ النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُم مِن ذَكر ٍ وأُنثَى وجَعلناكُم شُعوبا ً وقَبائلَ لِتعارَفواإِنَّ أَكْرَمكُم عِند اللهِ أتْقاكُم إِنَّ اللهَ عَليمٌ خبيرٌ } [ سورة الحجرات : أية 13 ]
وفي قوله تعالى : { مَــن يَعْمَل سٌوءًا يُجْزَ بِه ولايَجِـد لهُ مِن دونِ اللهِ وَلياً ولا نَصيرا ً * وَمَن يَعمَل مِنَ الصَّالحات ِ مِن ذَكَرٍ أو أنثى َ وَهُو مؤمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُون َ الجَنَّةَ ولايُظلَمون َ نَقِيرا ً }
[ سورة النساء : أية 123, 124 ]


ويؤكد الرسول الكريم هذه المساواة المطلقة بين الناس جميعا من كل لون وجنس في قوله الشريف : (( الناس سواسية كأسنان المشط , لافضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى ))
ويؤكد هذه المساواة أن لاشفاعة لمجرم , وأن لاتغاضي عن آثم , وقد أراد أسامة ابن زيد وقد تربى في بيت الرسول , وكان قريبا إلى قلبه , أن يشفع لفاطمة بنت الأسود المخزومية , وكانت قد ضيطت متلبسة بجريمة السرقة , فغضب النبي وأنكر الشفاعة , ووجه الحديث إلى أسامة في غضب : (( أتشفع في حَدٍّ من حدود الله ؟ )) , ثم قام النبي بعد ذلك فخطب الناس قائلا : (( إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا اذا سرق الشريف تركوه , وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد . وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها )) . وليس من شك في أن المساواة أساس العدالة في المجتمع .
·      وأبو بكر الصديق يؤكد هذا المعنى , أي معنى المساواة , في أول خطبة خطبها وقد ولي أمر المسلمين , لأنه يعلم أنه حيث تفتقد المساواة تفتقد العدالة , وحيث تفتقد العدالة ينهار المجتمع ))
·      مابين عمر وجبلة يروي سيادة الدكتور الشكعة الحادثة بين أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وجبلة : (( وتطبيقا لهذه القاعدة العظمى ماحدث لجبلة بن الأيهم الملك الغساني , وقد دخل الاسلام وجاء إلى مكة في خمسمائة فارس من قومه وقد لبسوا ثياب الوشي المنسوجة من الذهب والفضة , وفي أثناء الطواف بالبيت العتيق داس رجل من فزارة على إزار جبلة فَحَلَّه , فالتفت إليه جبلة مغضبا فلطمه فهشم أنفه , فذهب الفزاري إلى عمر بن الخطاب شاكيا ,  فبعث عمر إلى جبلة وسأله عن سر اعتدائه على الفزاري , فأجاب جبلة قائلا : إنه وطئ إزاري فحله , ولولا حرمة هذا البيت لأخذت الذي في عيناه , فقال عمر : أما أنت فقد أقررت , إما أن ترضيه وإلا أقدته منك ..قال جبلة : أتقيده مني وأنا ملك وهو سوقة ؟! قال عمر : ياجبلة إنه قد جمعك وإياه الاسلام فما تفضله بشئ إلا بالعافية , قال جبله : والله لقد رجوت أن أكون في الاسلام أعز مني في الجاهلية , قال عمر : دع عنك هذا , قال جبلة : إذن أتنصر , قال عمر : إن تنصرت ضربت عنقك . قال جبلة : أخرني إلى غد ياأمير المؤمنين , فأجابه عمر إلى طلبه , فلما كان الليل هرب هو وفرسانه وظلوا يضربون في الأرض حتى دخلوا القسطنطينية فتنصروا , وعاشوا في حماية هرقل , وبعد مدة من الزمان حن جبلة إلى الإسلام الذي سوى بين الناس وندم على فعلته وبكى قائلا :

تنصرت الأملاك من خَوفِ لطمةٍ
               وما كان فيها لو صبرتُ لها ضرر

تَكنَّفني منها لِجاجٌ ونخـــــوةٌ
             وبِعتُ لها العين َ الصحيحة بالعور

فياليت أمي لم تلدني وليتني
             رجعتُ إلى القولِ الذي قاله عُمرْ

وياليتني أرعى المخاضَ بقفرةٍ
              وكُنت أسيرا في ربيعةَ أو مُضَرْ

وياليت لي بالشام أدنى معيشةٍ
           أجالس قومي ذاهب السمع والبصرْ


وهكذا تسوي العدالة الاجتماعية في الحق بين الملك والصعلوك , وتصر على إنصاف المظلوم مهما صغر شأنه من المعتدي ولو كان ملكا .
هذه العدالة المطلقة والمساواة المطلقة مبدأ من مبادئ الإسلام المقدسة , فأين منها مبادئ الأخلاق في الفلسفة اليونانية عند أرسطو الذي يطلقون عليه اسم المعلم الأول ؟!
·      إن أرسطو في الكتاب الخامس من الأخلاق يضع مبأ التفريق الاجتماعي بصراحة وعنده ما يسمى بالعدالة التوزيعية  , وهي التي ترشد الدولة في توزيع الرتب والألقاب والأموال , وهي عدالة تعتمد على مبدأ التفريق بين الناس , وتنمي التمييز بين طبقات المجتمع , وظل هذا التمييز الطبقي قائما يفرق بين الناس باسم علم الأخلاق لفترة طويلة من الزمن .
·      المساواة مع غير المسلمين :
(( ذلك العنصر الهام هو عنصر المساواة بين المسلمين وغير المسلمين مساواة تامة , والعيش معهم في سلام ووئام , والحفاظ على جوارهم , والمحافظة على أموالهم وأعراضهم وحرماتهم ومقدساتهم , ينتظم هذا المبدأ قوله تعالى : { لاَّ يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِين لَمْ يُقاتِلوكُمْ في الدِين ِ وَلَمْ يُخْرِجوكُم مِن دِيارِكُم ْ أن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ } [ سورة الممتحنة : أية 8]

·      عمرو ابن العاص وابنه :
(( وليس التشريع في ذلك آية مكتوبة في كتاب الله وحسب , بل إن ذلك نزل إلى ميدان التطبيق العملي , فقصة ابن عمرو ابن العاص مع المصري القبطي معروفة حين اعتدى ولدٌ لعمرو ابن العاص إبان حكمه مصر على أحد المصريين , فهدده القبطي بشكايته لأمير المؤمنين , فلم يأبه ابن عمرو لذلك وقال : أنا ابن الأكرمين , فلما كان موسم الحج – وقد ذهب عمرو وابنه إلى مكة – كان القبطي في إثرهما , ودخل إلى الخليفة وعنده عمرو وولده , فشكا إليه ما قد وقع عليه , وأعاد على سمع أمير المؤمنين كلمة ابن الأكرمين , فغضب عمر بن الخطاب غضبا شديدا ً , ونظر إلى عمرو قائلا جملته الخالدة : (( متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ؟ ))  ثم ناول الشاكي سوطا وقال له : اضرب ابن الأكرمين كما ضربك .

ومن تقديس الاسلام للمساواة بين المسلم وغير المسلم أن كان يقف الصحابي الجليل على قدم المساواة في مقام الشكوى مع غير المسلم حتى يقضى لأحدهما , ومن القصص الجليلة تلك التي ذهب فيها يهودي إلى عمر يشكو عليَّ بن أبي طالب لأمر من الأمور , فلما مثل عليَّ أمام الخليفة لاحظ أن الخليفة يخاطبه بكنيته بقوله : يا أبا الحسن , فاكتسى وجه عليٍّ بمسحه من الغضب , فقال عمر : أكرهت أن يكون خصمك يهوديا ًّ وأن تمثل معه أمام القضاء على قدم المساواة ؟ فأجاب عليّ : لا , ولكنني غضبت لأنك لم تُسوِّ بيني وبينه , بل فضلتني عليه إذ خاطبته باسمه وخاطبتني بكنيتي .
وهكذا يأبى عليّ – وهو المشكو منه – إلا أن يحافظ على روح المساواة في موقف القضاء , فلا يرتضي أن يخاطبه أمير المؤمنين بكنيته , لأن فيها معنى التوقير والتقريب , لكي يطمئن اليهودي إلى أن الحكم الذي سيصدره الخليفة سيكون خاليا من الهوى .

·      مساواة غير المسلمين بالمسلمين في الصدقة :
ولقد مر بنا أن مساواة غير المسلمين بالمسلمين كانت مطلقة حتى في الصدقات  حينما وجد عمر ذمياًّ مسناًّ يسأل الناس ويتسول في الطريق , فظهر عليه الأسف وأمر له بمرتب دائم من بيت المال وقال : (( ما أنصفناك اذ أخذنا منك الجزية وأنت شاب وتركناك تتسول وأنت شيخ )) .
أين من هذه المساواة المطلقة الأصيلة , المساواة بين المواطنين في الوطن الواحد في الدول التي تتغنى بالتقدم والمدنية والديمقراطية الحديثة ؟

·      إن جرائم التفرقة العنصرية  في كثير من الدول الكبرى في عصرنا لمما يندى له جبين الانسانية خجلا واستحياء , ففي جنوب أفريقيا نجد البيض الوافدين يمتهنون الملونين – سكان البلاد الأصليين – ويحرمونهم من حقوقهم المشروعة في الحياة , ولايسمحون لهم بالتردد على مطاعمهم أو مقاهيهم أو السكن في أحيائهم , بل ويحرمونهم من حقوقهم الدستورية كمواطنين أصليين في البلاد .
·      وفي أستراليا ونيوزيلندا يعمد الانجليز إلى إبادة السكان الأصليين للقارة , لأنهم ليسوا من البيض , وقد ظلوا يستعملون سلاح الإبادة والتقتيل بالجملة حتى كاد الجنس الأسترالي يفنى .
·      وفي انجلترا قامت حركة اعتداء منظمة على أرواح السود , ففي كل يوم كان جهاز الشرطة يعثر على قتيل أو أكثر ملقة في الطرقات , وكثيرا ما قامت المظاهرات تطالب بالموت للسود تحت سمع (( صاحبة الجلالة الملكة الديمقراطية )) وتحت سمع حكومتها (( العريقة )) في الاعتداء على الشعوب .
·      فإذا ما انتقلنا إلى الولايات المتحدة الأمريكية وجدنا أشنع جريمة في حق الإنسانية تُرتكب علنا في البلاد التي تضم مبنى هيئة الأمم المتحدة التي تتغنى بما يسمى ميثاق حقوق الإنسان .
إن الأمريكيين في الولايات المتحدة قد أفنوا السكان الأصليين للبلاد المعروفيين باسم الهنود الحمر إفناء كاملا ً , ثم التفتوا إلى المواطنين الملونين أو السود وأهدروا مظاهر إنسانيتهم إهدارا كاملا ً , فالأسود لايتعلم في مدارس البيض , ولايتردد على منتديات البيض , وإذا ركب السيارات العامة فإنه يجلس خلف البيض , وإذا ازدحمت السيارة فرض عليه الوقوف لكي يجلس مكانه الرجل الأبيض , وينص دستور بعض الولايات الأمريكية على قتل الرجل الملون أو حرقه أو تمزيق جسمه إذا اتصل بامرأة بيضاء , ولو كان ذلك بموافقتها , أمَّا الرجل الأبيض فله أن يغتصب الملونة متى شاء وأنى أراد بدون عقاب أو محاكمة , وإن حوكم فمحاكمة صورية .

بل هناك ماهو أبشع من ذلك , فالرجل الملون لايسمح له حتى بالاحتجاج السلمي , فقد حدث منذ سنوات قليلة أن كانت امرأة ملونة مسنة تجلس في سيارة عامة
(( أتوبيس )) , ثم صعد رجل أبيض وطلب إليها أن تترك له مكانها , فامتنعت السيدة عن ترك مكانها لرجل أقدر منها على الوقوف وهي المرأة العجوز المسنة في عمر أمه , فاستعان الرجل الأبيض بالشرطة التي ألقت القبض على السيدة المسكينة وقدمتها للمحاكمة , التي قضت بادانتها وتغريمها , وهنا ثارت نفوس الملونين لهذا الظلم والامتهان , فقرروا مقاطعة السيارات العامة , وصاروا يذهبون إلى أعمالهم ويعودون منها سيرا على الأقدام , ولكن الحكومة
(( الديمقراطية العادلة )) لم تسمح لهم حتى بهذا الاحتجاج الخفيف , وقبضت على مئة منهم وقدمتهم جميعا للمحاكمة بتهمة مقاطعة وسائل المواصلات , وقضت بإدانتهم جميعا .

والصحف الأمريكية تطفح كل يوم بحوادث امتهان الإنسان غير الأبيض وتحقيره والاعتداء عليه وحرمانه من حقوقه المشروعة في الحياة لالشئ إلا لأنه قد خُلِق غير أبيض .
·      أين هذه الديمقراطية الزائفة إذن من عدالة الإسلام الصحيحة السليمة الأصيلة التي تحفظ لكل إنسان حقه , ولاتفرق بين الناس إلا بالعمل الصالح ؟ فقد كان (( بلال )) الأسود خيراً من كثير من سادة العرب حقا ًّ.))
أ.د/ مصطفى الشكعة : إسلام بلامذاهب ص 56- 61

تلك رؤية إسلامية من عالم جليل ومثقف عملاق عن الحياة الاسلامية الراقية المرجوة في حيواة المسلمين وما ينبغي لهم هدى ورحمة من الله لكمال الانسانية وعلوا لقدرها لتكون أمة وسطا تشهد على البشرية جمعاء
 { ونُريدُ أَنْ نَمُنَ على الذينَ استُضْعِفُوا في الأرضِ ونَجْعَلَهُمْ أَئِمَّة ً ونَجْعَلَهُم الوارِثِينَ }
[ سورة القصص : أية 5]