مصر الثورة





سوريا نحن معكم




with you syria

[IMG]http://shams-d.net/up//uploads/images/domain-b9caecbbc3.png[/IMG]




السبت، 11 يناير 2014


المماليك الجدد


السبت, 11 يناير 2014 - 
بقلم: د. أيمن محمد صبري
استعرضت في ذهني التاريخ الإسلامي في محاولة لأجد شبها للوضع الراهن في مصر.. فوجدت أن الحكم العسكري على مدى ستين عاما يشبه حكم المماليك من وجوه ويختلف عنها في وجوه أخرى.. فهؤلاء عسكر وهؤلاء عسكر.. وهؤلاء انقلبوا على حاكم شرعي (بمقاييس زمانه) وهؤلاء انقلبوا على حاكم شرعي.. ثم تشابه عجيب هو صراعهم على السلطة وفتك بعضهم ببعض ونهب ومصادرة الأموال وابتزاز عرق الكادحين والترف والتمتع بالجواري والفنانيين.. وهناك تشابه خطير بدأ يتشكل حاليا.. وهو أن المماليك لما وجدوا أنفسهم يفتقدون الشرعية أخذوا يرسلون الهدايا للخليفة في بغداد (والذي صار لا يحكم سوى قصره) فيرسل لهم كتاب بتولية المتغلب منهم سلطنة مصر.. ولما أزال التتار الخلافة العباسية تجددت مشكلة الشرعية لدى المماليك فأتوا بغلام من بنى العباس وجمعوا القضاة والعلماء والوجهاء وأعلنوه خليفة.. ثم أخذوا منه كتاب تولية المتغلب منهم سلطنة مصر وكان بيبرس أول من فعل ذلك (بعد أن قتل صديقه وزميلة وقائده السلطان قطز).. وظلت الخلافة العباسية الصورية في مصر حتى الفتح العثماني.. خليفة طرطور وقائد عسكري يحكم ويستبد..

أما أوجه الاختلاف فهي جوهرية وحاسمة وهي لصالح المماليك تماما.. فالمماليك كانوا قساة باطشين كأي عسكر في أي زمان ومكان.. ولكنهم لم يبلغوا أبدا هذه الدرجة من الوحشية التي بلغها عسكر هذه الأيام.. لم يقتلوا آلاف العزل ولم يحرقوا الجرحى وهم أحياء ولم يحرقوا جثامين القتلى ويجرفوهم بالجرافات ويُلقوهم في مقالب القمامة.. لم يقتلوا النساء ولم يسجونهن ولم يعتدوا على أعراضهن.. حتى جيوش الاحتلال لم تفعل هذا بالشعب المصري.. الحملة الفرنسية بكل حماقتها وبشاعتها لم تبلغ هذا الدرك من الوحشية.. وأقصى ما ارتكبه الاحتلال الانجليزي هو إعدام أربعة فلاحين في دنشواي بعد محاكمتهم أمام قضاة مصريين وتنفيذ الحكم على يد الشرطة المصرية.. فالجنود الأجانب سواء كانوا مماليك أو أتراك أو فرنسيين أو إنجليز لم يستطيعوا بلوغ ما بلغه جنود فرعون من غباوة وقساوة.. وليس صدفة أن القرآن الكريم لم يذم جنودا كما ذم جنود مصر.. ولم أجد شبيها لوحشية عسكر هذا الزمان سوى وحشية هتلر وجنكيز خان..

كان السلطان المملوكي يكدس الذهب والفضة ويتمتع بالقصور والحريم ولكن كل ما يمتلك كان يؤول إلى الدولة بمجرد موته ولا يرث أبناءه منه شيئا قط.. ولم يكونوا يسمحون ولا يعملون على وجود طبقة من رجال الأعمال الفاسدين الناهبين.. ولم يكونوا يهربون الأموال خارج البلاد فظلت ثروات البلاد تدور داخل البلاد. كان أغلب سلاطين المماليك شديدي التدين.. وحتى غير المتدين منهم كان يتميز بالحمية والغيرة الشديدة على الدين الإسلامي وبلاد المسلمين.. وربما ارتكب بعضهم مخالفات شرعية كابتزاز الضرائب والمكوس بغير حق وكالسماح بالخمارات والحانات.. لكنهم لم يستبدلوا الشريعة بقوانين فاسدة.. وكان العلماء يتصدون للخروج عن الشريعة بشجاعة مشهودة وكان المماليك يحسبون ألف حساب لغضب العلماء.. ويجبرون السلاطين على الاتزام بأحكام وشرائع الإسلام..

المماليك كانوا محاربين من الطراز الأول ويكفي أنهم أول من استطاع التصدى للتتار الذين اكتسحوا العالم كإعصار من نار فكسرهم المماليك في عين جالوت وما بعدها.. والمماليك هم الذين هزموا أوربا كلها وقضوا على الوجود الصليبي في الشرق بعد صراع عسكري رهيب دام مئات السنوات.. ولذلك فإن النظام العسكري المملوكي يُدَّرس الآن في كل المعاهد العسكرية على مستوى العالم.. وإذا نظرنا لعسكر الزمن الحديث لوجدنا أن الوحيد منهم الذي تصدى لأعداء الأمة هو عبد الناصر.. أيا كانت دوافعه.. ولكنه انهزم في كل معاركه فأضاع السودان وسيناء والقدس وتسبب في أكبر هزيمة بل أكبر فضيحة عسكرية في التاريخ المصري.. هي فضيحة 67 ، ومن جاء بعد عبد الناصر تحالف مع الأعداء وساعدهم بجيشه أو بالحصار أو التأييد والنصائح أو التنسيق الأمني وتبادل المعلومات أو المرور والوجيستيات سواء في العراق أو أفغانستان أو لبنان أو فلسطين..

والعجيب حقا هو تشابه ما آل إليه حكم المماليك مع ما آل إليه حكم العسكر.. المشهور أن السلطان العثماني سليم الأول هزم المماليك وفتح مصر وشنق طومان باي آخر سلطان مملوكي وقضى بذلك على سلطنة المماليك ولكن لم تكن هذه هي نهاية حكم المماليك لمصر.. فقد دخل المماليك في طاعة الامبراطورية العثمانية العالمية وحكموا مصر نيابة عن الأتراك واستعملهم الأتراك كجيش تابع لهم تحت الطلب يُخضع لهم الديار المصرية ويستعينون به في حروبهم الإقليمية.. وظلوا كذلك حتى قضى عليهم محمد الذي استقل أو حاول الاستقلال عن السلطنة العثمانية.. أي أن المماليك دخلوا تحت هيمنة الدولة العظمى التي هزمتهم.. وكذلك فعل العسكر بعد هزيمتهم أمام القوة العظمى في كل حروب عبد الناصر العقيمة.. ومرة أخرى ليست المقارنة في صالح العسكر أبدا.. فالدولة العثمانية كانت مركز الخلافة الإسلامية التي استطاعت توحيد العالم الإسلامي تحت راية الإسلام والشريعة.. وغزت أوربا وجعلت نصفها الشرقي ولايات عثمانية لمئات السنين وأخرت استعمار أوربا للشرق الأوسط مئات السنين.. فليس من العار أن يدخل المماليك في خدمة الخلافة الإسلامية العالمية.. ولكن العار كل العار لمن يدخل في خدمة الصهاينة والأمريكان أعداء الدين والأوطان..

وفي النهاية لم ينته حكم العسكر إلا بتولي حاكم مدني هو الخديوي إسماعيل وسيطرته على العسكر.. وكانت تلك هي المرة الأولى التي يخضع فيها العسكر لحاكم مدني.. وغني عن البيان ما نتج عن ذلك من ازدهار حضاري وتوسع عسكري.. وبناء إمبراطورية إفريقية تمتد حتى منابع النيل.. وظل العسكر خاضعون للحكام المدنيين حتى سنة 1952 ، ولما حاولوا الانقلاب على توفيق تسببوا في الاحتلال البريطاني.. فلما انقلبوا وتولوا الحكم في عام 1952 ضيعوا الامبراطورية الأفريقية وضيعوا سيناء والقدس وأغرقوا البلاد في الذل والاستبداد والفقر والهزائم العسكرية ثم جعلوا البلاد فريسة للرأسمالية الفاسدة المتوحشة وخضعوا لهيمنة القوة الصيهوأمريكية وساروا ذراعا من أذرعتها في المنطقة.. ولن ينصلح حال البلاد إلى بخضوع العسكر مرة أخرى لحاكم مدني منتخب وتخليهم تخليا تاما عن التدخل في الشئون السياسية.. أيها العسكر الفاشلون المنهزمون الخاضعون ليتكم كنتم عسكرا كالمماليك..