مصر الثورة





سوريا نحن معكم




with you syria

[IMG]http://shams-d.net/up//uploads/images/domain-b9caecbbc3.png[/IMG]




الثلاثاء، 14 ديسمبر 2010

المساواة في الإسلام طريق للعدالة..د.مصطفى الشكعة



 
يكتب الأستاذ الدكتور مصطفى الشكعة عن أهم مبادئ الاسلامية التي عزت بها أمة الاسلام وأسست للأمة والحضارة ومن بينها المساواة هي الأساس الأول لتحقيق مبدأ العدالة فالعدالة لاتقوم بغير مساواة وننقل نص ماكتبه :
(( فالكل سواء , لافرق بين أبيض أو أسود , ولا أصفر أو أحمر , ولاغني ولا فقير , ولا ملك ولا حقير , وإنما أفضل الناس أقربهم للتقوى وأفعلهم للخير , ويسجل القـرآن الكريم هذا الدستور العظيم في قوله تعالى : { يا أيُّهاَ النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُم مِن ذَكر ٍ وأُنثَى وجَعلناكُم شُعوبا ً وقَبائلَ لِتعارَفواإِنَّ أَكْرَمكُم عِند اللهِ أتْقاكُم إِنَّ اللهَ عَليمٌ خبيرٌ } [ سورة الحجرات : أية 13 ]
وفي قوله تعالى : { مَــن يَعْمَل سٌوءًا يُجْزَ بِه ولايَجِـد لهُ مِن دونِ اللهِ وَلياً ولا نَصيرا ً * وَمَن يَعمَل مِنَ الصَّالحات ِ مِن ذَكَرٍ أو أنثى َ وَهُو مؤمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُون َ الجَنَّةَ ولايُظلَمون َ نَقِيرا ً }
[ سورة النساء : أية 123, 124 ]


ويؤكد الرسول الكريم هذه المساواة المطلقة بين الناس جميعا من كل لون وجنس في قوله الشريف : (( الناس سواسية كأسنان المشط , لافضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى ))
ويؤكد هذه المساواة أن لاشفاعة لمجرم , وأن لاتغاضي عن آثم , وقد أراد أسامة ابن زيد وقد تربى في بيت الرسول , وكان قريبا إلى قلبه , أن يشفع لفاطمة بنت الأسود المخزومية , وكانت قد ضيطت متلبسة بجريمة السرقة , فغضب النبي وأنكر الشفاعة , ووجه الحديث إلى أسامة في غضب : (( أتشفع في حَدٍّ من حدود الله ؟ )) , ثم قام النبي بعد ذلك فخطب الناس قائلا : (( إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا اذا سرق الشريف تركوه , وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد . وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها )) . وليس من شك في أن المساواة أساس العدالة في المجتمع .
·      وأبو بكر الصديق يؤكد هذا المعنى , أي معنى المساواة , في أول خطبة خطبها وقد ولي أمر المسلمين , لأنه يعلم أنه حيث تفتقد المساواة تفتقد العدالة , وحيث تفتقد العدالة ينهار المجتمع ))
·      مابين عمر وجبلة يروي سيادة الدكتور الشكعة الحادثة بين أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وجبلة : (( وتطبيقا لهذه القاعدة العظمى ماحدث لجبلة بن الأيهم الملك الغساني , وقد دخل الاسلام وجاء إلى مكة في خمسمائة فارس من قومه وقد لبسوا ثياب الوشي المنسوجة من الذهب والفضة , وفي أثناء الطواف بالبيت العتيق داس رجل من فزارة على إزار جبلة فَحَلَّه , فالتفت إليه جبلة مغضبا فلطمه فهشم أنفه , فذهب الفزاري إلى عمر بن الخطاب شاكيا ,  فبعث عمر إلى جبلة وسأله عن سر اعتدائه على الفزاري , فأجاب جبلة قائلا : إنه وطئ إزاري فحله , ولولا حرمة هذا البيت لأخذت الذي في عيناه , فقال عمر : أما أنت فقد أقررت , إما أن ترضيه وإلا أقدته منك ..قال جبلة : أتقيده مني وأنا ملك وهو سوقة ؟! قال عمر : ياجبلة إنه قد جمعك وإياه الاسلام فما تفضله بشئ إلا بالعافية , قال جبله : والله لقد رجوت أن أكون في الاسلام أعز مني في الجاهلية , قال عمر : دع عنك هذا , قال جبلة : إذن أتنصر , قال عمر : إن تنصرت ضربت عنقك . قال جبلة : أخرني إلى غد ياأمير المؤمنين , فأجابه عمر إلى طلبه , فلما كان الليل هرب هو وفرسانه وظلوا يضربون في الأرض حتى دخلوا القسطنطينية فتنصروا , وعاشوا في حماية هرقل , وبعد مدة من الزمان حن جبلة إلى الإسلام الذي سوى بين الناس وندم على فعلته وبكى قائلا :

تنصرت الأملاك من خَوفِ لطمةٍ
               وما كان فيها لو صبرتُ لها ضرر

تَكنَّفني منها لِجاجٌ ونخـــــوةٌ
             وبِعتُ لها العين َ الصحيحة بالعور

فياليت أمي لم تلدني وليتني
             رجعتُ إلى القولِ الذي قاله عُمرْ

وياليتني أرعى المخاضَ بقفرةٍ
              وكُنت أسيرا في ربيعةَ أو مُضَرْ

وياليت لي بالشام أدنى معيشةٍ
           أجالس قومي ذاهب السمع والبصرْ


وهكذا تسوي العدالة الاجتماعية في الحق بين الملك والصعلوك , وتصر على إنصاف المظلوم مهما صغر شأنه من المعتدي ولو كان ملكا .
هذه العدالة المطلقة والمساواة المطلقة مبدأ من مبادئ الإسلام المقدسة , فأين منها مبادئ الأخلاق في الفلسفة اليونانية عند أرسطو الذي يطلقون عليه اسم المعلم الأول ؟!
·      إن أرسطو في الكتاب الخامس من الأخلاق يضع مبأ التفريق الاجتماعي بصراحة وعنده ما يسمى بالعدالة التوزيعية  , وهي التي ترشد الدولة في توزيع الرتب والألقاب والأموال , وهي عدالة تعتمد على مبدأ التفريق بين الناس , وتنمي التمييز بين طبقات المجتمع , وظل هذا التمييز الطبقي قائما يفرق بين الناس باسم علم الأخلاق لفترة طويلة من الزمن .
·      المساواة مع غير المسلمين :
(( ذلك العنصر الهام هو عنصر المساواة بين المسلمين وغير المسلمين مساواة تامة , والعيش معهم في سلام ووئام , والحفاظ على جوارهم , والمحافظة على أموالهم وأعراضهم وحرماتهم ومقدساتهم , ينتظم هذا المبدأ قوله تعالى : { لاَّ يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِين لَمْ يُقاتِلوكُمْ في الدِين ِ وَلَمْ يُخْرِجوكُم مِن دِيارِكُم ْ أن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ } [ سورة الممتحنة : أية 8]

·      عمرو ابن العاص وابنه :
(( وليس التشريع في ذلك آية مكتوبة في كتاب الله وحسب , بل إن ذلك نزل إلى ميدان التطبيق العملي , فقصة ابن عمرو ابن العاص مع المصري القبطي معروفة حين اعتدى ولدٌ لعمرو ابن العاص إبان حكمه مصر على أحد المصريين , فهدده القبطي بشكايته لأمير المؤمنين , فلم يأبه ابن عمرو لذلك وقال : أنا ابن الأكرمين , فلما كان موسم الحج – وقد ذهب عمرو وابنه إلى مكة – كان القبطي في إثرهما , ودخل إلى الخليفة وعنده عمرو وولده , فشكا إليه ما قد وقع عليه , وأعاد على سمع أمير المؤمنين كلمة ابن الأكرمين , فغضب عمر بن الخطاب غضبا شديدا ً , ونظر إلى عمرو قائلا جملته الخالدة : (( متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ؟ ))  ثم ناول الشاكي سوطا وقال له : اضرب ابن الأكرمين كما ضربك .

ومن تقديس الاسلام للمساواة بين المسلم وغير المسلم أن كان يقف الصحابي الجليل على قدم المساواة في مقام الشكوى مع غير المسلم حتى يقضى لأحدهما , ومن القصص الجليلة تلك التي ذهب فيها يهودي إلى عمر يشكو عليَّ بن أبي طالب لأمر من الأمور , فلما مثل عليَّ أمام الخليفة لاحظ أن الخليفة يخاطبه بكنيته بقوله : يا أبا الحسن , فاكتسى وجه عليٍّ بمسحه من الغضب , فقال عمر : أكرهت أن يكون خصمك يهوديا ًّ وأن تمثل معه أمام القضاء على قدم المساواة ؟ فأجاب عليّ : لا , ولكنني غضبت لأنك لم تُسوِّ بيني وبينه , بل فضلتني عليه إذ خاطبته باسمه وخاطبتني بكنيتي .
وهكذا يأبى عليّ – وهو المشكو منه – إلا أن يحافظ على روح المساواة في موقف القضاء , فلا يرتضي أن يخاطبه أمير المؤمنين بكنيته , لأن فيها معنى التوقير والتقريب , لكي يطمئن اليهودي إلى أن الحكم الذي سيصدره الخليفة سيكون خاليا من الهوى .

·      مساواة غير المسلمين بالمسلمين في الصدقة :
ولقد مر بنا أن مساواة غير المسلمين بالمسلمين كانت مطلقة حتى في الصدقات  حينما وجد عمر ذمياًّ مسناًّ يسأل الناس ويتسول في الطريق , فظهر عليه الأسف وأمر له بمرتب دائم من بيت المال وقال : (( ما أنصفناك اذ أخذنا منك الجزية وأنت شاب وتركناك تتسول وأنت شيخ )) .
أين من هذه المساواة المطلقة الأصيلة , المساواة بين المواطنين في الوطن الواحد في الدول التي تتغنى بالتقدم والمدنية والديمقراطية الحديثة ؟

·      إن جرائم التفرقة العنصرية  في كثير من الدول الكبرى في عصرنا لمما يندى له جبين الانسانية خجلا واستحياء , ففي جنوب أفريقيا نجد البيض الوافدين يمتهنون الملونين – سكان البلاد الأصليين – ويحرمونهم من حقوقهم المشروعة في الحياة , ولايسمحون لهم بالتردد على مطاعمهم أو مقاهيهم أو السكن في أحيائهم , بل ويحرمونهم من حقوقهم الدستورية كمواطنين أصليين في البلاد .
·      وفي أستراليا ونيوزيلندا يعمد الانجليز إلى إبادة السكان الأصليين للقارة , لأنهم ليسوا من البيض , وقد ظلوا يستعملون سلاح الإبادة والتقتيل بالجملة حتى كاد الجنس الأسترالي يفنى .
·      وفي انجلترا قامت حركة اعتداء منظمة على أرواح السود , ففي كل يوم كان جهاز الشرطة يعثر على قتيل أو أكثر ملقة في الطرقات , وكثيرا ما قامت المظاهرات تطالب بالموت للسود تحت سمع (( صاحبة الجلالة الملكة الديمقراطية )) وتحت سمع حكومتها (( العريقة )) في الاعتداء على الشعوب .
·      فإذا ما انتقلنا إلى الولايات المتحدة الأمريكية وجدنا أشنع جريمة في حق الإنسانية تُرتكب علنا في البلاد التي تضم مبنى هيئة الأمم المتحدة التي تتغنى بما يسمى ميثاق حقوق الإنسان .
إن الأمريكيين في الولايات المتحدة قد أفنوا السكان الأصليين للبلاد المعروفيين باسم الهنود الحمر إفناء كاملا ً , ثم التفتوا إلى المواطنين الملونين أو السود وأهدروا مظاهر إنسانيتهم إهدارا كاملا ً , فالأسود لايتعلم في مدارس البيض , ولايتردد على منتديات البيض , وإذا ركب السيارات العامة فإنه يجلس خلف البيض , وإذا ازدحمت السيارة فرض عليه الوقوف لكي يجلس مكانه الرجل الأبيض , وينص دستور بعض الولايات الأمريكية على قتل الرجل الملون أو حرقه أو تمزيق جسمه إذا اتصل بامرأة بيضاء , ولو كان ذلك بموافقتها , أمَّا الرجل الأبيض فله أن يغتصب الملونة متى شاء وأنى أراد بدون عقاب أو محاكمة , وإن حوكم فمحاكمة صورية .

بل هناك ماهو أبشع من ذلك , فالرجل الملون لايسمح له حتى بالاحتجاج السلمي , فقد حدث منذ سنوات قليلة أن كانت امرأة ملونة مسنة تجلس في سيارة عامة
(( أتوبيس )) , ثم صعد رجل أبيض وطلب إليها أن تترك له مكانها , فامتنعت السيدة عن ترك مكانها لرجل أقدر منها على الوقوف وهي المرأة العجوز المسنة في عمر أمه , فاستعان الرجل الأبيض بالشرطة التي ألقت القبض على السيدة المسكينة وقدمتها للمحاكمة , التي قضت بادانتها وتغريمها , وهنا ثارت نفوس الملونين لهذا الظلم والامتهان , فقرروا مقاطعة السيارات العامة , وصاروا يذهبون إلى أعمالهم ويعودون منها سيرا على الأقدام , ولكن الحكومة
(( الديمقراطية العادلة )) لم تسمح لهم حتى بهذا الاحتجاج الخفيف , وقبضت على مئة منهم وقدمتهم جميعا للمحاكمة بتهمة مقاطعة وسائل المواصلات , وقضت بإدانتهم جميعا .

والصحف الأمريكية تطفح كل يوم بحوادث امتهان الإنسان غير الأبيض وتحقيره والاعتداء عليه وحرمانه من حقوقه المشروعة في الحياة لالشئ إلا لأنه قد خُلِق غير أبيض .
·      أين هذه الديمقراطية الزائفة إذن من عدالة الإسلام الصحيحة السليمة الأصيلة التي تحفظ لكل إنسان حقه , ولاتفرق بين الناس إلا بالعمل الصالح ؟ فقد كان (( بلال )) الأسود خيراً من كثير من سادة العرب حقا ًّ.))
أ.د/ مصطفى الشكعة : إسلام بلامذاهب ص 56- 61

تلك رؤية إسلامية من عالم جليل ومثقف عملاق عن الحياة الاسلامية الراقية المرجوة في حيواة المسلمين وما ينبغي لهم هدى ورحمة من الله لكمال الانسانية وعلوا لقدرها لتكون أمة وسطا تشهد على البشرية جمعاء
 { ونُريدُ أَنْ نَمُنَ على الذينَ استُضْعِفُوا في الأرضِ ونَجْعَلَهُمْ أَئِمَّة ً ونَجْعَلَهُم الوارِثِينَ }
[ سورة القصص : أية 5]

ليست هناك تعليقات: