مصر الثورة





سوريا نحن معكم




with you syria

[IMG]http://shams-d.net/up//uploads/images/domain-b9caecbbc3.png[/IMG]




الاثنين، 19 سبتمبر 2011

د. رفيق حبيب يكتب: أعراض جانبية للحالة الثورية




19/09/2011
 تتميز المرحلة الانتقالية بأنها مرحلة عدم اليقين؛ حيث لا يظهر للرأي العام توقعات مستقبلية محددة، وتصبح معظم التوقعات غير يقينية، لذا يغلب على المرحلة الانتقالية الشعور بحالة سيولة عامة في المجتمع، تجعل الأمور تبدو متغيرة بين يوم وآخر، ورغم أن البعض تنتابه حالة تفاؤل والبعض الآخر تنتابه حالة تشاؤم، إلا أن الجميع يكون لديهم توقعات غير يقينية، بما يجعل الكل يشعر بأنه من الصعب معرفة ما سيحدث غدًا، لهذا يغلب على المزاج العام للمجتمع حالة من الترقب، المصحوب بقدر واضح من القلق والتوتر.
ومع تزايد حالة عدم اليقين، تزداد المخاوف والهواجس بصورة واضحة، مما يجعل الحالة العامة تمثل تربة خصبة لنشر الشائعات، والتي ينتشر بعضها بصورة تلقائية ودون قصد من أحد لدرجة أن الكثير من سوء الفهم لما يحدث أو لقرارات تتخذ، يتسبب في تصورات هي أقرب للشائعة منها للحقيقة، بسبب حالة عدم اليقين السائدة، والتي تجعل المزاج العام يميل للقلق بشكل عام.
في هذا المناخ تصبح حالة السيولة معبرًا عنها في حالة حراك غير منظم، وبعضه قد يكون عشوائيًّا، وبعضه الآخر قد يكون مرتبكًا ومضطربًا بصورة حادة أو عميقة، مما ينتج عنه حالة من الحركة غير المنظمة في الشارع المصري بشكل عام، وحتى في الحوارات التي تدور بين الناس، والتصورات التي تنتقل بينهم؛ مما يجعل حركة الجميع غير منظمة، وهو ما يسمح بتصادم التحركات وتصادم التصرفات، وينتج عن ذلك العديد من المشكلات، والتي تتمثل في كثرة حالة المواجهة والخصومة والاختلاف.
وفي داخل هذا المناخ، تستغل بعض الفئات تلك الحالة لتعميق حالة السيولة والاضطراب في الشارع المصري، لمصلحة تراها، وقد ترى في استمرار حالة الحراك المستمر في الشارع مصلحة للوطن حسب تصورها، أو قد يكون لها تصورات خاصة عن مصالحها؛ مما يدفعها إلى دفع حالة الحراك في الشارع، وكل حالة من الحراك في الشارع، تلتقي مع حالة السيولة غير المنظمة، وحالة عدم اليقين؛ مما يترتب عليه نتائج لا يقصدها أي طرف، فالمحصلة النهائية لما يحدث في الشارع، لا تماثل ما يريده معظم الأطراف المشاركة في حركة الشارع، حتى الأطراف التي لها مصالح خاصة، وتظن أنها يمكن أن تحرك الشارع نحو الفوضى لتحقيق مصالحها، ثم تكتشف في النهاية أن حركة الشارع سارت في مساراتها العشوائية، وأن المزاج العام للناس يتحرك في اتجاه مختلف عن ما أرادته.
من هنا يحدث الترابط بين الحالة الثورية والفوضى؛ لأن حالة السيولة العامة لا يمكن السيطرة عليها، فالحالة الثورية هي حالة حركة، والفوضى أيضًا هي حالة حركة، لذا يصبح من المحتمل أن يترتب على التحرك الثوري، تحرك فوضوي، حتى إن لم يرتب أحد لذلك، لدرجة أن الحركة الثورية في الشارع، وحالات الفوضى، وحالات الانفلات الأمني، تؤدي أحيانًا إلى نفس الأثر على المزاج العام السائد في المجتمع؛ حيث تؤدي كل تلك الحالات، رغم تناقضها واختلافها، إلى زيادة حدة وعمق الشعور بعدم اليقين، مما يزيد من حالة القلق والتوتر لدى عامة الناس.
ولم يدرك البعض، أن المزاج العام هو الذي يحدد الكثير من الأمور، فليس الواقع فقط هو الذي يشكل الحقيقة، ولكن إدراك الواقع أيضًا له دور مهم في تشكيل الحقيقة، ففي المسألة الأمنية مثلاً، نجد أن الواقع قد يشير إلى تقدم في عودة الأمن، ولكن لا يشعر به الناس؛ مما يعمق الإحساس بالانفلات الأمني، أو قد يشير الواقع إلى عدم حدوث تقدم أمني، ولكن شعور الناس بالأمن يزداد لسبب أو آخر، مما يعطي إحساسًا بعودة الأمن.
لهذا حدثت الفجوة بين عامة الناس من ناحية، وبين بعض من يدعو للتظاهرات بصورة مستمرة، لأن الوعي العام يرى أن التجمعات البشرية الواسعة يمكن أن تؤدي إلى حالة اضطراب، كما أن التجمعات الكبيرة ينتج عنها حالة من حالات السيولة، وقد ينتج عنها حالة من حالات الفوضى، والتي يتبرأ منها الجميع بعد ذلك، ولكنها تكون قد حدثت، فأصبح لدى أغلبية من المجتمع المصري شعور بأن عودة التظاهر تؤثر سلبًا على عودة الاستقرار، أو أنه لا يمكن تحقيق الاستقرار وعدوة العمل مع الاستمرار في التظاهر، وهذا الشعور ليس له علاقة بالتظاهر في حدِّ ذاته، ولكن له علاقة بالتظاهر في هذه اللحظة التي تتميز بدرجة عالية من السيولة، ودرجة عالية من عدم اليقين.
لهذا يصبح من الضروري النظر إلى تأثير الحركة في الشارع، ليس طبقًا للهدف المعلن لها، والمقصود منها، ولكن طبقًا لما يترتب عليها من آثار على الحالة العامة للمجتمع، وعلى المزاج العام، وعلى الرأي العام؛ لأن إدارة المرحلة الانتقالية هي في جوهرها إدارة للوعي العام الجمعي، حتى ينتقل من حالة الغضب والرفض إلى حالة البناء والعمل، وحتى ينتقل من حالة عدم اليقين إلى حالة اليقين والثقة في الذات، بما يؤهل عامة الناس لمرحلة البناء والنضال والعمل.
لهذا أيضًا يجب أن ينظر المجلس الأعلى للقوات المسلحة والحكومة التي تعمل معه، لا إلى مدى صحة أو قانونية القرار الذي يتخذ، ولكن إلى تأثير هذا القرار على الرأي العام، ومدى تأثيره على المزاج العام، وكيف يمكن أن يفهم في ظلِّ حالة عدم اليقين، وحالة السيولة، والتي تعتبر حالات طبيعية من توابع أي ثورة.

ليست هناك تعليقات: