مصر الثورة





سوريا نحن معكم




with you syria

[IMG]http://shams-d.net/up//uploads/images/domain-b9caecbbc3.png[/IMG]




الخميس، 20 يناير 2011

أعوان المستبد

أعوان المستبد
بعد خلع المستبد الأول والأكبر يبقى أعوانه ووزرائه الذين صنعهم على عينه وكيف تتغير صفة التساوي بين المجموعة البشرية وتنشأ قبيلة الاستبداد فتكون نظام الحكم المستبد من مجتمع تحولت فيه ميزة التساوي الى عشيرة تطغى وتتكبر يقول الأستاذ الكواكبي في طبائع الاستبداد  : (( الأصلاء ( الأغنياء الأشراف ) باعتبار أكثريتهم هم جرثومة البلاء في كل قبيلة ومن كل قبيل . لأن بني آدم داموا اخوانا متساويين إلى أن ميزت الصدفة بعض أفرادهم بكثرة النسل فنشأت منها القوات العصبية ونشأ من تنازعها تميز أفراد على أفراد , وحفظ هذه الميزة أوجد الأصلاء , فالأصلاء في عشيرة أو أمة اذا كانوا متقاربي القوات استبدوا على باقي الناس وأسسوا حكومة أشراف , ومتى وجد بيت من الأصلاء يتميز كثيرا في القوة على باقي البيوت يستبد وحده ويؤسس الحكومة الفردية المقيدة  اذا كان لباقي البيوت بقية بأس , أو المطلقة اذا لم يبق أمامه من يتقيه .

بناء عليه اذا لم يوجد في الأمة أصلاء بالكلية , أو وجد ولكن كان لسواد الناس صوت غالب , أقامت تلك الأمة لنفسها حكومة انتخابية لاوراثة فيها ابتداء , ولكن لايتوالى بضعة متولين إلى ويصير أنسالهم أصلاء يتناظرون , كل فريق منهم يسعى لاجتذاب طرف من الأمة استعدادا للمغالبة وإعادة التاريخ الأول )) ثم ينتقل بعد ذلك أن كيف بفساد تلك المجموعة يستغل المستبد اولئك لتأسيس الطغمة الفاسدة التي تحميه وتقوي عرشه يقول : (( ومن أكبر مضار الأصلاء , أنهم ينهمكون أثناء المغالبة على اظهار الأبهة والعظمة , يسترهبون أعين الناس ويسحرون عقولهم ويتكبرون عليهم ثم اذا غلب غالبهم واستبد بالأمر لايتركها الباقون لألفتهم لذتها ولمضاهاة المستبد في نظر الناس . والمستبد نفسه لايحملهم على تركها بل يدر عليهم المال ويعينهم عليها ويعطيهم الألقاب والرتب وشيئا من النفوذ والتسلط على الناس ليتلهوا بذلك عن مقاومة استبداده , ولأجل أن يألفوها مديدا فتفسد أخلاقهم فينفر منهم الناس ولايبقى لهم ملجأ غير بابه فيصيرون أعوانا له بعد أن كانوا أضدادا .
ويستعمل المستبد أيضا مع الأصلاء سياسة الشد والإرخاء , والمنع والإعطاء والالتفات
 والإغضاء( جرائم يرتكبوها البعض يلتفت إليها والبعض يغض الطرف )  كي لايبطروا , وسياسة إلقاء الفساد وإثارة الشحناء فيما بينهم ( الأعوان ) كي لايتفقوا عليه ؛ وتارة يعاقب عقابا شديدا باسم العدالة وإرضاء للعوام , وأخرى يقرنهم بأفراد كانوا يقبلون أذيالهم استكبارا فيجعلهم سادة عليهم يفركون آذانهم استحقارا , يقصد بذلك كسر شوكتهم أمام إمام الناس وعصر أنوفهم أمام عظمته . والحاصل أن المستبد يذلل الأصلاء بكل وسيلة حتى يجعلهم مترامين دائما بين رجليه كي يتخذهم لجاما لتذليل الرعية , ويستعمل عين هذه السياسة مع العلماء ورؤساء الأديان الذين متى شم من أحدهم رائحة الغرور بعقله أو علمه ينكل به أو يستبدله بالأحمق الجاهل ايقاظا له ولأمثاله من كل ظان من أن ادارة الظلم محتاجة إلى شئ من العقل أو الاقتدار فوق مشيئة المستبد . وبهذه السياسة ونحوها يخلو الجو فيعصف وينسف ويتصرف في الرعية كريش يقلبه الصرصر في جو محرق .
المستبد في لحظة جلوسه على عرشه ووضع تاجه الموروث على رأسه يرى نفسه كان انسانا فصار إلها . ثم يرجع النظر فيرى نفسه في نفس الأمر أعجز من كل عاجز وأنه مانال ما نال إلا بواسطة من حوله من الأعوان )) بعد استتباب العرش للطاغية المستبد يسمع هتاف العبيد ( عبيده ) الذين يسبحون بحمده مسحورين بسحره الذي صنعه يرى عقلاء يذكرونه بوفاء حقوقهم وإلا فإن مكر الله شديد وسوء عاقبته محتومة اذا مكر بهم .
ثم ينتقل الأستاذ الكواكبي الى فروع الحكومة المستبدة , يقول : (( الحكومة المستبدة تكون طبعا مستبدة في كل فروعها من المستبد الأعظم إلى الشرطي , إلى الفراش , إلى كناس الشوارع ولايكون كل صنف إلا من أسفل أهل طبقته أخلاقا , لأن الأسافل لايهمهم طبعا الكرامة وحسن السمعة , إنما غاية مسعاهم أن يبرهنوا لمخدومهم بأنهم على شاكلته , وأنصار لدولته , وشرهون لأكل السقطات من أي كانت ولو بشرا أم خنازير , من آبائهم أم أعدائهم , وبهذا يأمنهم المستبد ويأمنونه فيشاركهم ويشاركونه . وهذه الفئة المستخدمة يكثر عددها ويقل حسب شدة الاستبداد وخفته , فكلما كان المستبد حريصا على العسف احتاج إلى زيادة جيش المتمجدين العاملين له المحافظين عليه , واحتاج إلى مزيد الدقة في اتخاذهم من أسفل المجرمين الذين لاأثر عندهم لدين أو ذمة , واحتاج لحفظ النسبة بينهم في المراتب بالطريقة المعكوسة وهي أن يكون أسفلهم طباعا وخصالا أعلاهم وظيفة وقربا ؛ ولهذا لابد أن يكون الوزير الأعظم للمستبد هو اللئيم الأعظم في الأمة , ثم من دونه دونه لؤما وهكذا تكون مراتب الوزراء والأعوان في لؤمهم حسب مراتبهم في التشريفات والقربى منه . وربما يغتر المطالع كما اغتر كثير من المؤرخين البسطاء بأن بعض وزراء المستبدين يتأوهون من المستبد ويتشكون من أعماله ويجهرون بملامه , ويظهرون لو أنه ساعدهم الإمكان لعملوا وفعلوا وافتدوا الأمة بأموالهم وحياتهم ؛ فكيف والحالة هذه يكون هؤلاء لؤماء , بل كيف ذلك وقد وجد منهم الذين خاطروا بأنفسهم والذين أقدموا فعلا على مقاومة الاستبداد فنالوا المراد أو بعضه أو هلكوا دونه ؟
فجواب ذلك أن المستبد لايخرج قط عن أنه خائن خائف محتاج لعصابة تعينه وتحميه فهو ووزراؤه كزمرة لصوص : رئيس وأعوان . فهل يجوّز العقل أن يُنتخب رفاق من غير أهل الوفاق وهو هو الذي لايستوزر إلا بعد تجربة واختبار , عمرا طويلا .
هل يمكن أن يكون الوزير متخلقا بالخير حقيقة وبالشر ظاهرا فيُخدع المستبد بأعماله ولايخاف من أنه كما نصبه وأعزه بكلمة يعزله ويذله ؟
بناء عليه فالمستبد وهو من لايجهل أن الناس أعداؤه لظلمه لايأمن على بابه إلا من يثق به أنه أظلم منه للناس وأبعد منه عن أعدائه ؛ وأما تَلَوم بعض الوزراء على لوم المستبد فهو إن لم يكن خداعا للأمة فهو حنق على المستبد لأنه بخس ذلك المتلوم حقه فقدم عليه من هو دونه في خدمته بتضحية دينه ووجدانه . وكذلك لايكون الوزير أمينا من صولة المستبد في صحبته مالم يسبق بينهما وفاق واتفاق على خيرة الشيطان ؛ لأن الوزير محسود بالطبع , يتوقع له المزاحمون كل شر , ويبغضه الناس ولو تبعا لظالمهم وهو هدف في كل ساعة للشكايات والوشايات . كيف يكون عند الوزير شئ من التقوى أو الحياء أو العدل أو الحكمة أو المروءة أو الشفقة على الأمة وهو العالم بأن الأمة تبغضه وتمقته وتتوقع له كل سوء وتشمت بمصائبه , فلاترضى عنه مالم يتفق معها على المستبد وما هو بفاعل ذلك أبدا إلا إذا يئس من إقباله عنده , وإن يئس وفعل فلايقصد نفع الأمة قط , إنما يريد فتح بابٍ لمستبدٍ جديد عساه يستوزره فيؤازره على وزره .
والنتيجة أن وزير المستبد هو وزير المستبد لاوزير الأمة كما في الحكومات الدستورية ))
اذن وفي حالة الشهامة والتوبة لبعض الوزراء التائبين فماذا يكون صنيعهم  يقول الأستاذ عبدالرحمن الكواكبي : (( هذا ولاينكر التاريخ أن الزمان أوجد نادرا بعض وزراء وازروا الاستبداد عمرا طويلا ثم ندموا على ما فرطوا فتابوا وأنابوا , ورجعوا لصف الأمة واستعدوا بأموالهم وأنفسهم لأنقاذها من داء الاستبداد . ولهذا لايجوز اليأس من وجود بعض أفراد من الوزراء والقواد عريقين في الشهامة ؛ فيظهر فيهم سر الوراثة ولو بعد بطون أو بعد الأربعين وربما السبعين من أعمارهم ظهورا بيناً تلألأ في محيا صاحبه ثريا صدق النجابة . ولاينبغي لأمة أن تتكل على أن يظهر فيها أمثال هؤلاء ؛ لأن وجودهم من نوع الصدف التي لاتبنى عليها آمال ولا أحلام .
والنتيجة أن المستبد فرد عاجز لاحول له ولاقوة إلا بالمتمجدين , والأمة أي أمة كانت , ليس لها من يحك جلدها غير ظفرها , ولايقودها إلا العقلاء بالتنوير والإهداء والثبات , حتى إذا ما اكفهرت سماء عقول بنيها قيض الله لها من جمعهم الكبير أفرادا كبار النفوس قادة أبرارا يشترون لها السعادة بشقائهم والحياة بموتهم ..))
إلى هنا انتهى كلام الأستاذ الكواكبي عن أعوان المستبد…
ومن ثم يتوجب بعد خلع الطاغية المستبد خلع أعوانه وكسرهم كسر شوكة جميع المختالين المتجبرين وتطبيق سياسة العدالة والمساواة على جميع الأمة حتى ينتظم المعوجين من أصاغر فروع الاستبداد وجز حواشيها المتبقية.


محمد سعيد
m_saeed83@hotmail.com

ليست هناك تعليقات: