مصر الثورة





سوريا نحن معكم




with you syria

[IMG]http://shams-d.net/up//uploads/images/domain-b9caecbbc3.png[/IMG]




الثلاثاء، 10 مايو 2011

يوميات الثورة (7)..أيَّام القلق والفزع


د. عصام العريان
2011.5.10
قضيت أنا والكتاتني ليلتنا في استراحة المرشد العام بالروضة. كُنَّا مرهَقين متعبين، فنمنا نومًا عميقًا، واستيقظت مع أذان الفجر، وأصررت على النزول للصلاة جماعة في المسجد المواجه للمنزل، رغم محاولات إثنائي بسبب الاضطراب الأمني الذي يسود البلد كله، ومنها المنطقة.
كانت لجان الحماية الشعبية بدأت عملها فور انسحاب قوات الشرطة الرسمية من كافة القطاعات، ما أربكَ مصر كلها، وصاحبَ ذلك خطران شديدان:
الأول: ما حدث في السجون المصرية، وقد بدأت تتسرب إلى الصحافة بعض أسرار التحقيقات التي تتجه إلى أنها كانت مؤامرة لإحداث الفوضى، وهو ما كان يُحَذِر منه مبارك شخصيًا، ويتبناه جهاز أمن الدولة، ووزير الداخلية حبيب العادلي.
كان مبارك يُرَوِّج عالميًا إنه في حال غيابه، أو غياب نظامه -أي التوريث- فإن البديل المطروح ديمقراطيًا هو «الإخوان المسلمون»، المعروفون باتجاههم السياسي المعارض بقوة للسياسة الأمريكية، وعدائهم الشديد للكيان الصهيوني.
وكان يروج داخليًا بأن البديل هو فوضى شديدة، ووظف دعاة دينيين، وكُتَّابا صحفيين، ورجال مال وأعمال، بجوار إعلاميين ومنابر إعلامية لتحريم الفوضى دينيًا، ولتجريمها سياسيًا، والتحذير منها إعلاميًا. كان هذا بجوار خطر الإخوان، أو «فزاعة» الإخوان داخليًا.
ما تسرب خطير جدًا، فهناك اتهامات من شقيقة اللواء محمد البطران مدير سجن الفيوم، بأنه تم قتله بواسطة الشرطة لأنه رفض فتح السجن. وهناك كلام كثير، وحبر يسيل على صفحات الجرائد لم يمكن التحقق منه حتى الآن. وقد رويت ماذا حدث لنا في سجن وادي النطرون من قبل، فلا داعي لإعادته، وهو يضيف إلى الشكوك الخطيرة.
الثاني: قيام جهاز أمن الدولة بالتنسيق مع لجان الحزب الوطني لإطلاق مليشيات البلطجية –الشبيحة- الذين استخدمهم الحزب من قبل بمعونة أمن الدولة والمباحث الجنائية أثناء الانتخابات البرلمانية 2010م (نوفمبر وديسمبر)، وهو ما كان يُستخدم من قبل على استحياء، أو في أماكن دون أماكن، لكن كان المطلوب هذه المرة استئصال الإخوان المسلمين من البرلمان، تمهيدًا لاستئصالهم من الحياة السياسية تمامًا، رغبة في القضاء المبرم عليهم.
عندما نزلت إلى الصلاة، وجدت لجنة حماية شعبية تُرابِط أمام بيت المنزل للحماية، وتطلب من السائرين إثبات الشخصية إذا كان غريبًا عن المنطقة. كنت معروفًا إعلاميًا فلم أحتج إلى إثبات شخصيتي، لكن في كل مرة كنت أخرج من المنطقة وأعود إليها كنت أرى التدقيق الشديد في مداخل الروضة، التي هي عبارة عن جزيرة، أو شبه جزيرة، لها مداخل يمكن التحكم فيها تمامًا (كان هذا أحد الأسباب التي دفعتنا للانتقال منها إلى مكان آخر بعد أيام).
اكتمل عقد مكتب الإرشاد في مقره بالروضة، ولم يغب عنه إلا الأمين العام أ.د.محمود حسين، الذي سافر إلى العمرة وزيارة أهل زوجته لمدة شهر قبل الثورة بأيام، وكان ذلك من تقدير الله لنا، لأنه قام بدور كبير في الخارج بالاتصالات الواسعة، وتقدير الموقف عن بُعد، والاستفادة بالعقول المصرية من الإخوان المسلمين وغيرهم لإدارة الحدث، وتوقع التنبؤات، ورسم السيناريوهات المحتملة.
حدثت أحداث عجيبة، أو مرتبة، اضطرتنا إلى الموافقة على قرار المرشد العام بالانتقال إلى مقر الكتلة البرلمانية بشارع جسر السويس في شرق القاهرة. كان هذا بعد موقعة الجمل في اجتماع السبت التالي لها، أما ما حدث خلال أيام القلق والفزع في الأسبوع الذي سبقها فكان أهم أحداثه:
أولاً: تم خطف التليفون المحمول من فضيلة ا لمرشد أمام المنزل الذي به المكتب، رغم وجود حراسة، لكنها لم تكن مناسبة أو قوية، وبالطبع ليست مسلحة.
ثانيًا: حالات التوقيف المستمرة لأعضاء المكتب القادمين من خارج المنطقة ـالروضةـ واستفزازهم المستمر من أعضاء الحزب الوطني المشاركين في اللجان الشعبية، واتهامهم أنهم وراء الثورة، وأنهم يهددون أرزاق المصريين.
ثالثًا: تذمر سكان عمارة استراحة النواب، وهي التي كُنَّا نعقد فيها اجتماعاتنا بعد الظهر، لأن مكتب الإرشاد كان في حالة انعقاد دائم ليلاً ونهارًا لمتابعة أحداث الثورة لحظة بلحظة على كل التراب المصري، مع توفير وسائل اتصال متعددة، وبدائل كثيرة للتواصل، لذلك كان يبيت في استراحة النواب عدد من أعضاء المكتب من داخل وخارج القاهرة.
وقد أظهر بعض الشباب من السكان سلوكًا معيبًا يُنْذِر بما هو أخطر، ما دفعنا إلى التفكير الجدي بالانتقال إلى مكان آخر يسعنا جميعًا.
رابعًا: كان أخطر ما حدث هو حالة اقتحام لتفتيش مكتب الإرشاد، وكان ذلك قبل واقعة «الجمل» أو صباح يوم حدوثها أي الأربعاء 2/2/2011م.
كنت وأخي الحبيب أ.د.محمد علي بشر في شقة الدور الأول، لمراجعة بعض الأمور قبل انتقالنا إلى استراحة النُوَّاب قبل عصر ذلك اليوم. وفوجئنا باقتحام مجموعة بينها شاب مسلح بطبنجة (مسدس) ذكر أنه ضابط سابق -غالبًا من البوليس- يطلبون مِنَّا أن نجلس هادئين حتى يقوموا بتفتيش الشقة. التزمنا الهدوء وعدم استفزازهم، وسألناهم عن ماذا يبحثون؟
قال أحدهم: لقد جاءتنا أخبار ومعلومات أنكم تخبئون سلاحًا وأموالاً لتمويل الثورة؟
حاول العمال -وكانوا يشاركون مع اللجان الشعبية في حماية المنزل والمنطقة- أن يعترضوا، ولكننا وافقنا لإدراكِنا خطورة الموقف، وعدم وجود سلطة حكومية، وحتى لو وُجِدَت سلطة، فهي التي قبضت علينا من أيام، وستكون ضدنا مع اطمئناننا التام إلى عدم وجود لا سلاح، ولا أموال.
عندما بدؤوا التفتيش، بدأنا نتجاذب أطراف الحديث مع أحدهم، وحضرت إحدى السيدات من الجوار، الذي يتشكل من موزاييك عجيب، بعضهم له جذور شعبية، وبعضهم من الارستقراطيين القدامى، أو من محدثي النعمة عندما انتقلوا إلى المنطقة التي شهدت هدم بيوت أو فيلات، وتحويلها إلى أبراج سكنية شاهقة. كانت هذه السيدة تلتقيني كل صباح واسمها شادية، وهي حالة عجيبة، تُشاهد الفضائيات، وتحدثني كلما تلقاني عن الأحوال العامة، وفي نفس الوقت لا تتحرج من طلب المساعدة إذا اضطرت لذلك، حالة مصرية صميمة. حاولت شادية أن تمنعهم ولكنها فشلت. شهدت لنا بالخير، ولم تستطع أكثر من ذلك.
علمنا من محدثنا أن المجموعة الرئيسية التي حاولت اقتحام المكتب، جاءت من الضفة الأخرى من مصر القديمة، ويتكون المكتب من شقتين في برج كبير، وكانت السفلى عبارة عن استراحة قديمة للمرشد الأسبق السيد/ محمد حامد أبو النصر، الذي قَدِمَ من منفلوط/ أسيوط للإقامة بعد منتصف الثمانينيات، عندما اختاره الإخوان المسلمون مرشدًا عامًا بحكم سنه وأقدميته في آخر مكتب للإرشاد قبل عام 1954م، بعد وفاة المرشد الأول عمر التلمساني.
أمَّا الذين كُنَّا نحَدِثُهُم ويقومون بالتفتيش، فهم من أبناء المنطقة، وبعضهم من سكان البرج أو البيوت المجاورة. كانوا مهذبين جدًا، وقالوا إنهم مَنَعوا الآخرين لئلا يُحدثوا تلفيات بالمكان.
لم يجدوا شيئًا، وصعدت مجموعة منهم إلى الشقة العليا، واستأذَنَّا نحن في الانصراف إلى استراحة النواب في نفس المنطقة، فلم يعترضوا.
استقبلهم الأخ العزيز أ.د.محمود غزلان بالشقة العليا التي أُضيفت بعد انتخاب الأستاذ محمد مهدي عاكف مرشدًا عامًا بسنتين تقريبًا، في محاولة لتطوير المكان الذي بدأ في استقبال ساسة ومرشحين للرئاسة يجدون صعوبة نظرًا لضيق المكان.
عَلِمْنَا من د.محمود أنهم وجدوا حوالي 15 ألف جنيه، وعندما عَلِمُوا أنها مخصصة لمرتبات العاملين بالمكتب تركوها. كما علمنا أنه جلس إلى بعضهم متحدثًا، فوجد أن كلهم ليس لديه فكرة عن الإخوان المسلمين، وأن من لديه علم قليل فهو مُشَوَّش الفكر، وأن الحملات الإعلامية المستمرة نجحت في خلق صورة ذهنية مشوَّهة عن الجماعة، وطبعًا كان لمسلسل «الجماعة» الذي أُذيع في رمضان أثر في ذلك.
خامسًا: عندما بدأنا في الاجتماع في مقر «جسر السويس» يوم السبت التالي، فوجئت وأنا هناك بتليفون من الأخ العزيز أ.د.عبدالرحمن البر يخبرني أنه مع ثلاثة من أعضاء المكتب مستوقفون من إحدى اللجان الشعبية التي لا تريد السماح لهم بالمرور، وأنهم يريدون تسليمهم إلى الشرطة العسكرية، وكانت حجتهم أنهم يركبون سيارات من الأقاليم، ولماذا أَتَوْا إلى هذا المكان، ورغم تدخل بعض الإخوان من سكان المنطقة، لم يسمحوا لهم، وناول د.البر التليفون المحمول إلى قائد تلك المجموعة، فكان محاميًا من الحزب الوطني. بعد لأي في الحديث، وتدخل آخرين، تم السماح لهم بالمرور.
غضب نائب المرشد أ.د.رشاد البيومي من القرار، وطلب من المرشد بإلحاح أن يسمح له بالوجود صباحًا في مقر المنيل بالروضة، وكان هذا له ما يبرره، ليكون قريبًا من موقع الحدث الأبرز -ميدان التحرير- وكذلك لإجراء المقابلات التليفزيونية والصحفية من المراسلين الذين تدفقوا بالعشرات على المقر المعروف لهم، لذلك بقي معه المنسق الإعلامي الأخ وليد شلبي، وبعض السكرتارية مع العمال، وأتذكر أنه عقد قرابة مئة حوار وحديث في عشرة أيام .
كان غضب المرشد السابق أ.محمد مهدي عاكف أَشَدّ، وأصر على الحضور إلينا ليشهد اجتماعنا، ويعلمنا بغضبه العارم، وطلبه مِنَّا أن نعود فورًا إلى المنيل.
امتص المرشد أ.د.محمد بديع غضب الأستاذ عاكف، وطالبه باسم الجندية التي أعلن عنها، والتزم بها من قبل عندما طلب الذهاب إلى ميدان التحرير فرفض المرشد الإذن له بذلك والتزم تمامًا.
واضح أن المرشد كان له رؤية مبنية على تقارير ومعلومات، أعلمنا بعضها ولم يعلن البقية.
كُنَّا عقب الانتخابات في ديسمبر 2010م، وقبلها أثناء لقاءاتنا الخاصة البعيدة عن المقر الرسمي نتداول بإلحاح ضرورة وجود جهاز للمعلومات وتحليلها. تواصينا بعدة توصيات، لحين إقامة ذلك الجهاز، بأن نشجع الإخوان والأخوات على النزول إلى النوادي والمنتديات التي يرتادها النخب العليا للبلاد، واللقاء معهم، والإنصات جيدًا إلى ما يتداولونه من أحاديث، واستفزازهم لمعرفة المزيد، مع ضرورة نقل المهم والمفيد منها إلى قيادة الإخوان. مع بداية الثورة، كان الإخوان جميعًا في الشوارع والميادين، ما أتاح لهم جمع أكبر قدر من المعلومات. كانت كل المعلومات تتجمع لدى المرشد الذي اتخذ قرار الانتقال بعد مشاورة عدد من أعضاء المكتب.
أما أحداث ميدان التحرير خلال الأيام التي سبقت موقعة الجمل فهذا حديث آخر يستحق التوقف أمامه عن الإذاعة والاعتصام والروح الجديدة التي دبت في مصر العظيمة وأخلاق الميدان.

ليست هناك تعليقات: