النيل ( نقد أدبي )
النيل
في ديوان العربأ.د/جابر قميحة
gkomeha@gmail.com
من الحقائق التي حملها إلينا التاريخ ، وسرت مسرى الأمثال قولهم " العرب أمة شاعرة " ، وكذلك قولهم " الشعر ديوان العرب " . ولا مبالغة في ذلك : فالشعر هو الذي حفظ تاريخهم، وأيامهم ومسيرة حياتهم .
**********
عزيزي القاريء : سنعيش هذه الحلقة من ديوان العرب مع نهر النيل . ومن أجمل ما قيل فيه ما قرأناه لشاعر النيل حافظ إبراهيم إذ يقول :
نـظـرت للنيل فاهتزت iiجوانبه
يـجـري على قدر في كل منحدر
كـأنـه ورجـال الـري iiتحرسه
قد كان يشكو ضياعا مذ جرى طلِقا
وفـاض بـالخير في سهل iiووديان
لـم يجْفُ أرضا ، ولم يعمد لطغيان
مُـمـلـك سـار في جند وأعوان
حـتـى أقـمـت له خزان iiأسوان
ويظل حافظ إبراهيم وفيا مخلصا للنهر العظيم حتى إنه ليرسل إلى صديق له في انجلترا قصيدة طويلة منها الأبيات الأتية :
والـنـيـل مرآة تنف
سـلب السماءَ iiنجوَمها
شـفـت لأعيننا iiسوى
فس في صحيفتها النسيمْ
فـهـوت بـلجته iiتعومْ
مـا شـابهُ منها iiالأديمْ
**********
وينظم أحمد شوقي أمير الشعراء قصيدة بعنوان " أيها النيل " ، ويهديها إلى الأستاذ مرجليوث مدرس اللغة العربية في جامعة أكسفورد . ومن هذه القصيدة الأبيات التالية في مناجاة النيل :
مـن أي عـهد في القرى iiتتدفقُ
ومن السماء نزلت أم فجِّرت iiمن
وبـأي عـيـن أم بـأيـةِ مزنةٍ
وبـأي نـول أنـت ناسج iiبردِه
تـسـودُّ ديـبـاجـا إذا iiفارقتها
فـي كـل آونـة تـبدل صبغة
وبـأي كـف فـي المدائن iiتغدقُ
عـلـيـا الجنان جداولا iiتترقرق
أم أي طـوفـان تـفيض iiوتفهق
لـلـضـفـتين جديدها لا iiيخْلق
فإذا حضرت اخضوضر الإستبرق
عـجـبـا وأنت الصابغ iiالمتأنق
ومنها :
أصل الحضارة في صعيدك ثابت
وُلـدت فكنت المهد ثم ترعرعتْ
مـلأتْ ديـارك حكمة iiمأثورها
وبـنت بيوت العلم باذخة iiالذرى
ونـبـاتـهـا حسن عليك iiمخلق
فـأظـلـها منك الحفي iiالمشرق
في الصخر والبردى الكريم iiمنبق
يـسـعـى لهن مُغرِّب iiومُشِّرق
**********
ونقرأ للشاعر محمود حسن اسماعيل أبياتا رائعة في قصيدة بعنوان " أغنية للنيل " ، جاءت في ديوانه " صلاة ورفض " . يقول الشاعر :
حـياك قلب الوجود
يـا نيل بابن iiالخلود
يـا قصة في iiالديار
تـلـقي نشيد الفخار
من عهد خوفو iiالقديم
تجري لمصر iiالنعيم
يـا ما رأيت iiالسفين
بين الهوى iiوالحنين
قـل مـرة iiللشباب
إصخب كهذا العجاب
حـياك قلب الوجود
يـا نيل يابن iiالخلود
يـا فـتـنـة iiالكون
يـا خـمـر iiفرعون
تـروي حديث iiالزمن
فـي سمع هذا iiالوطن
وأنـت راعـي iiالذمم
مـن عـاليات iiالقمم
فـي لـجـك iiالهادي
تـصـغـي iiلإنشادي
إن جاء يشكو إليك ii:
وامـلأ بسحري iiيديك
يـا مـهـجة iiالوادي
يـا مـهـد iiأجدادي
**********
أما الشاعر طاهر زمخشري فيتجه بشعره اتجاها أخر ، وهو يرى النيل يضرب مصر بفيضان مدمر ، فيخاطب النيل قائلا :
أثـارك الحقد أم قد هاجك الغضبُ
أب تـقـوم عـلـى الأبناء iiثورته
يـرمـي بـنـيـه بأمواج معربدةٍ
يـضـج مـصطفقا في جريه iiقدما
مـن الـجـسور فلا تلقى iiلفورته
جرى يضج ضحى في غير iiعادته
فـإن سـرى فالتهادي من iiخلائقه
فـمـن أثـارك يـا بحرا iiذخائره
أم هل تغيرت في مجراك iiتشعرهم
أم غاظك اللهو في شطيك فانتفضت
لـيطرحوا الضغن والأحقاد iiقاطبة
فسرت والهول في مسراك iiيضطربُ
ومـن عـجائب دهر أن يثور iiأب
فـيها المخاطر والأهوال iiتصطخب
يـعيث يقصف ما شادوا وما iiنصبوا
مـقـاوما دون أن يلهو به iiالنصَبُ
والـنـيل من طبعه التدليل iiوالأدب
وصـفـحة الماء كأس والمنى حَبَبُ
تضيق عن حصرها الأرقام iiوالكتب
بـأنـك الـبـحر كالأيام تنقلبُ ii؟
فـيك الحفيظة تبغي القوم أن iiيثبوا
فإن أصاخوا كفاهم عن أذاهم أب ii؟
**********
ومن أبيات قصيدة للشاعر الكبير أحمد محرم يناجي فيها النيل وينعى على الناس الغدر والخيانة وقلة الوفاء :
يـانـيل والموفون فيك iiقلائل
أيـخون عهدك غادر iiفيضمهم
قـتل الوفاء فما غضبت iiوإنما
ليت الزعاف لمن يخونك نشرب
مـا بين جانحتيك واد iiمخصب
يحمي الحقيقة من يغار iiويغضب
**********
وقال اسماعيل صبري :
ما أعجب النيل ما أبهى شمائله
من جنة الخلد فياض على iiترع
لـيست زيادته ماء كما iiزعموا
فـي ضفتيه من الأشجار iiأدواح
تـهب فيها هبوب الريح iiأرواح
وإنـمـا هـي أرزاق iiوأرواح
وقال اسماعيل صبري على لسان فرعون :
لا القوم قومي ولا الأعوان أعواني
لا تقربوا النيل إن لم تعملوا iiعملا
رِدُوا الـمـجـرة كدا دون iiمورده
إذا ونـى يوم تحصيل العلا iiواني
فـمـاؤه الـعذب لم يخلق iiلكسلان
أو فـاطـلـبـوا غيره ريا iiلظمأن
**********
ونختم هذه الحلقة بالأبيات التالية للسيد توفيق البكري :
والـنـيـل في لبَّاتِها
والجو صحوا iiمشرق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق