مصر الثورة





سوريا نحن معكم




with you syria

[IMG]http://shams-d.net/up//uploads/images/domain-b9caecbbc3.png[/IMG]




السبت، 10 ديسمبر 2011

د. سعيد إسماعيل علي يكتب: حسن البنا يؤكد أن الشرق سيعود له مجده


10-12-2011

كان الجو صيفًا، ترتفع فيه درجة الحرارة في القاهرة، ممتزجةً بالرطوبة العالية، ولم يكن ذلك الجو هو الذي يبعث بالضيق والضجر في نفوس الناس؛ ذلك أن “حرارة” الحرب العالمية الثانية كانت في أقصى درجات ارتفاعها، بعد أن مرَّت عليها سنوات ثلاث، مستمرة في حصد أرواح الآلاف من البشر، ولم تَلُح بعد أمام الناس بوارق أملٍ في انقشاع غمتها.

وعلى الرغم من أن مصر لم يكن لها في هذه الحرب ناقة ولا جمل- كما صرَّح بذلك شيخ الأزهر في هذا الوقت- فإنها كانت تدفع الكثير.

لكن ذلك لم يمنع البعض من التعلق بأهداب هذا الأمل، وأنَّى للحياة أن تستمر بغير هذا الأمل، حتى ولو أطبقت جحافل الظلام بالإنسان من كل جانب.

كانت دار الهلال تصدر مجلة أسبوعية باسم (الإثنين)، وكان رئيس تحريرها في ذلك الوقت هو “مصطفى أمين”، عملاق الصحافة المعروف، قبل أن يؤسس، مع أخيه علي، دار أخبار اليوم عام 1944.

وكان حزب (الوفد) هو الذي شكَّل الوزارة برئاسة زعيمه مصطفى النحاس، خلال الحادث الشهير (4 فبراير 1942م)؛ حيث كانت سلطة الاحتلال البريطاني في مصر قد أدركت حاجتها إلى مساندة حكومة “شعبية”، خاصةً أن طرقات القائد الألماني الشهير “رومل” قد بدأت تطرق أبواب مصر الغربية.

ذهب مندوب المجلة إلى اثنين من أعلام مصر في ذلك الوقت، أحدهما المؤرخ المعروف “عبد الرحمن الرافعي”؛ حيث أجاب عن السؤال الذي وجّه إليه عن الحياة الدستورية بعد الحرب، أما الثاني فهو “حسن البنا” مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، حيث كان السؤال الموجه إليه يتعلق بمستقبل الدعوة الدينية بعد الحرب.

وحديث البنا هذا، تضمنه عدد مجلة الإثنين رقم 428، الصادر في 24 أغسطس سنة 1942، الموافق 12 شعبان سنة 1361هـ.

وكان مصطلح “الشرق” كثير التداول في الساحة الثقافية المصرية، حيث كان يقصد به الوطن العربي، إلى أن روّج الإنجليز لمصطلح “الشرق الأدنى” عقب الحرب العالمية الثانية، حتى إنهم أنشأوا إذاعة باللغة العربية سُميت “الشرق الأدنى”، ثم سرعان ما اختفت المحطة أثناء عدوان عام 1956، ليظهر مصطلح “الشرق الأوسط”.

والغريب أن مصطلح “الشرق” كانت قد اكتسبته مجموعة الدول التي تظللت بالمظلة الاشتراكية، حيث سميت في مجموعها “المعسكر الشرقي”، على الرغم من أن عددًا منها كان في أوروبا.

فماذا كان تصور حسن البنا؟

أكد أنه “شديد الوثوق بأن الشرق سيعود إليه مجده بعد هذه الحرب الطاحنة التي طغت على كل شيء، ومست أهوالها أكثر سكان المعمورة”.

لكن، ما السند الذي استند إليه شيخنا في هذا التأكيد؟

إنها قوة النزعة الدينية المغروسة في إنسان هذه المنطقة: “ذلك لأن الشرق مبعث الروحية الدينية ومصدر الإلهام والوحي، وقد أضفى على العالم كله مبادئ الحق والعدل والكرامة، ومنح الإنسانية جمعاء روح الفضائل والأخلاق القويمة”.

وإذا كان لهذه الحرب شرورها المعروفة، إلا أن البنا يغلب منطق “رب ضارةٍ نافعة”، أو بمعنى أصح، سعى إلى أن يلتمس، وسط هذا الظلام الدامس بصيصًا من نور.

فهذه الحرب كشفت النزعات المادية البحتة الغالبة على القوى المتصارعة؛ حيث غاب الكثير من الأخلاقيات والروحانيات، وأصبح المعيار متركزًا في المكاسب والخسائر المادية البحتة، ومن هنا قال البنا: “وقد يكون الخير للدين من وراء هذه الحرب موفورًا، فما من شكٍ أننا نشهد اليوم مصارع المدنيات الحديثة المادية والحضارة الآلية، ونرقب متاعب أولئك الذين اصطنعوها بغير روح ولا قلب. وما من شك في أن هذه المدنية تهدم نفسها بنفسها، وتحطم كل ما تبنيه عندما يدخلها شيء من الطمع، ورغبة في التملك والسيادة”.

لكن هذا النقد الحاد للحضارة الغربية، لم يدفع البنا أن ينكر وجوهها الإيجابية فقال: “.. وإنني لموقن بأن هذه المدنية ليست شرًّا خالصًا، ففيها جوانب نفع وفائدة، ولكن الذين صنعوها يعوزهم الإيمان واليقين بالله”.

ووجه الخطأ بالنسبة إلينا نحن أهل الشرق هو الافتتان بالمدنية الغربية، والاندفاع في محاكاتها وتقليدها، دون أن نبذل جهدًا يُذكر في سبيل نفخ روح الإيمان فيها.

وينفي البنا ما قد يتبادر إلى أذهان البعض من أنه يدعو إلى أن يتمسك الشرق بوسائل مدنيته القديمة البالية: “فمن البلاهة أن نقاوم بخنجر طائرة، ونهاجم بالمنجنيق مدفعا رشاشًا، ولكني أقول بوجوب أن يصحب الإيمان العمل”.

وتنبأ البنا بما أحدثته هذه الحرب من انقلاب خطير في المبادئ والآراء والأنظمة، مبديًا أمله بأن “هذه النفوس التي روعت بالأهوال وغصت بالآلام وأحاطت بها الفواجع من كل جانب، ستكون متعطشةً إلى الإيمان الروحي، بعد أن جرَّبت فشل المادية وانهيارها..”، متصورًا أن هذا هو الذي سيخلق مناخًا مناسبًا وأرضًا خصبةً تساعد الدعوة الإسلامية على الذيوع والانتشار، والتمكن من القلوب والعقل.

لكن البنا لا يغيب عنه الواقع، من حيث الاقتناع بفشل المدنية المادية، وأن الجهد الذي يمكن أن يقوم به “العامّة” على هذا الطريق، ضعيف للغاية لأن أمر هذه الطبقة معلق بكل أسفٍ على القابضين على المستويات القيادية للأمة، وبالتالي يشيعون، بما لهم من سلطة وتمكن، استمرار الانبهار بالمدنية المادية.

ويضع البنا يده على أصل الداء، ومفتاح الرجاء..

أصل الداء يرجع “إلى ما استحدثوا من فصل الدين عن الدولة، فلمّا رأى الناس أن الدولة تمنحهم القوة والنفوذ والسلطان، اتبعوا المادة وعبدوها من دون الله، لأن غرائزهم التي نمت ورعت في ظل الحكم المادي أوجبت عليهم الرضوخ لمشيئة المادة”.

أما مفتاح النجاة، فيكمن، كما أكد شيخنا: “أن تقوم الدولة على أساس الدين”..

وكأن بصيرة البنا قد قفزت عشرات السنين من عام 1942، وقت إجراء هذا الحديث، حتى نهاية عام 2011، أي سبعين عامًا، حيث يجتاح التوجه الإسلامي دول المنطقة، كما رأينا في المغرب، وتونس، ومصر، ففي هذا قال الشيخ: “وليس ذلك بمستبعد على الشرق الذي عاش في ظل الدين مرهوب الجانب قوي السلطان”.

ليست هناك تعليقات: