مصر الثورة





سوريا نحن معكم




with you syria

[IMG]http://shams-d.net/up//uploads/images/domain-b9caecbbc3.png[/IMG]




الأحد، 1 ديسمبر 2013

د. حامد عبد الماجد يكتب: بين "كربلاء" و"رابعة".. دروس فى الطغيان والاستبداد

د. حامد عبد الماجد يكتب: بين "كربلاء" و"رابعة".. دروس فى الطغيان والاستبداد
د. حامد عبد الماجد
2013-12-01 08:58:05
تناول الأستاذ عباس محمود العقَّاد فى كتابه "أبو الشهداء الحسين بن على" فاجعة كربلاء بمنطق أخلاقى رصين، وتحليل نفسى عميق، وركز على المدلول الأخلاقى الكبير لهذه الفاجعة، وقدم الدكتور محمد الشنقيطى فى مقالة مهمة له رصد ثلاثة من أوجه الشبه بين فاجعة كربلاء -كما قدَّمها قلمُ العقاد- وفاجعة رابعة التى عشناها منذ ثلاثة أشهر، لنرى بعض ما تحمله كلتا الفاجعتين من دلالة أخلاقية ومعنى تاريخى.
أول أوجه الشبه بين كربلاء ورابعة هو طبيعة الصراع فى الحالتين:
حيث يرى العقاد أن كربلاء كانت من أعظم مشاهد الصراع فى التاريخ الإنسانى بين فكرتين، أو مزاجيْن بتعبيره هو، وهما مزاج الأرْيحية ومزاج النَّفْعية. فقد "كانت المعركة كلها هى معركة الأرْيحية والنفعية" (العقاد: أبو الشهداء الحسين بن على، ص 29) و"حياة الحسين رضى الله عنه كانت صفحة، لا صفحة تماثلها، فى التمييز بين هذين المزاجين" (ص 12).
ويشدد العقاد على ضرورة وضوح الرؤية فى هذا المضمار، لأن الصراع بين الحسين ويزيد فى كربلاء كان صراعا بين "موقف الأريحية الصُّراح فى مواجهة موقف المنفعة الصُّراح، وقد بلغ كلاهما من موقفه أقصى طرفيْه وأبْعدَ غايتيْه. فانتصر الحسين بأشرف ما فى النفس الإنسانية من غيرة على الحق وكراهة للنفاق والمداراة، وانتصر يزيدُ بأرذل ما فى النفس الإنسانية من جشع ومراء وخنوع لصغار المُتَع والأهواء" (ص 9).
ويدل النظر المتبصر على أن الصراع بين أنصار الثورة والشرعية وبين أنصار الاستبداد والثورة المضادة فى مصر اليوم لا يخرج عن هذه المعادلة، معادلة الصراع بين النفعية والغرائز المنحطة وبين النبل والدوافع الكريمة.
فرابعة هى كربلاء عصرنا، إذ فيها وقف الحق الناصع المجرَّد من كل قوة سوى قوة الإيمان والمبدأ، فى مواجهة الباطل الصُّراح المتسلح بكثافة القوة المادية والبطش الدموى والمال الحرام والتواطؤ المخزى. وإذا كان صحيحا ما لاحظه العقاد أنه "ما مِن رجل فاز حيث ينبغى أن يخيب كما فاز يزيد بن معاوية فى حربه للحسين، وما اختصم رجلان كان أحدهما أوضحَ حقا وأظهرَ فضلاً من الحسين فى خصومته ليزيد بن معاوية" (ص 23)، فما من فائز فى عصرنا فاز حيث كان ينبغى أن يخيب مثل قادة الانقلاب الدموى فى خصومتهم مع السلطة الشرعية فى مصر، ولا كان رجلٌ فى عصرنا أوضح حقا من مرسى فى خصومته مع الانقلابيين.
والوجه الثانى من أوجه الشبه بين كربلاء ورابعة وجود بعض الأخطاء السياسية فى الطرف المُحقِّ، مقابل وجود الخطايا الجسام فى الطرف المُبْطل.
لكن المفاصلة بين النُّبْل والنذالة التى حكمت الموقف ابتداء وانتهاء تجعل الحديث عن أخطاء التقدير السياسى والعسكرى أمرا ثانويا، بل تجعل خطأ المُحق أصْوبَ من صواب المُبطل.
وقد عبَّر العقاد عن ذلك ببلاغته الآسرة، فلاحظ أن بعض الصواب السياسى والعسكرى فى معسكر يزيد "صوابٌ سهلٌ يستطيعه كثيرون" (ص 11) ومنه استباحة الدماء الزكيَّة، وشراءُ ضمائر من لا ضمائر لهم، ومنع الأطفال والنساء العطشَى من الوصول إلى الماء.
كما لاحظ أن بعض الخطأ السياسى والعسكرى الذى ظهر فى معسكر الحسين من "الخطأ الصَّعْب الذى لا يستطيعه إلا القليلون" (ص 11).
ومنه مواجهة جيش من أربعة آلاف مقاتل ببضع عشرات من المقاتلين، والتشبث بالحق والعدل مع تحقُّق الموت فى سبيلهما.
فإذا أنت رأيْت اليوم منشغلا بأخطاء المظلوم عن خطايا الظالم فى مصر، فاعلم أنه جاهل لا يفقه ما يقول، أو طامع باع ضميره بثمن بخس، أو جبانٌ يتستَّـر وراء التفلسف وطول اللسان.
أما الوجه الثالث من أوجه الشبه بين كربلاء ورابعة فهو ما لاحظه العقاد من فرْق بين جيل معاوية من بُناة الدولة الأموية، وجيل يزيد من الجلاَّدين الذين لا يحملون -وراء أطماعهم الوضيعة- أى مشروع سياسى يستحق هذا الوصف.
لقد كتب العقاد عن ذلك يقول: "كان لمعاوية مُشيرون من ذوى الرأى، كعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، وزياد بن أبيه، وأضرابِهم من أولئك الدُّهاة الذين يُسمِّيهم التاريخُ أنصارَ دولٍ وبُناةَ عروشٍ، وكان لهم من سمعة معاوية شعارٌ يُدارون به المطامع، ويتحللون من التأثيم.
لكن هؤلاء بادُوا جميعا فى حياة معاوية، ولم يبق ليزيد مشيرٌ واحدٌ ممن نسمِّيهم بأنصار وبُناة العروش، وإنما بقيتْ له شرذمة على غِراره، أصدقُ ما توصف به أنها شرذمة جلاَّدين، يقتُلون من أُمِروا بقتله ويقبضون الأجر فَرِحين.
فكان أعوانُ معاوية ساسةً وذوى مشورةٍ، وكان أعوانُ يزيد جلادين.. أولئك الذين تمتلئ صدورُهم بالحقد على أبناء آدم، ولا سيما من كان منهم على سواء الخُلُق وحُسْن الأحدوثة، فإذا بهم يُفرغون حقدهم فى عدائه.. وشرُّ هؤلاء جميعا هم شمَّر بن ذى الجوشن، ومسلم بن عقبة، وعبيد الله بن زياد، ويلحق بزمرتهم على مثال قريب من مثالهم عمر بن سعد بن أبى وقاص" (ص 44-45).
والذى يقارن السيسى مع سلفه من حكام مصر العسكريين خلال العقود الستة الماضية سيجد فرقا بين جيليْن يشبه الفرق بين الجيلين الذى شرَّحه العقاد.
لقد تمكَّن العساكر منذ العام 1952 من اغتيال التطور الديمقراطى المصرى، وفرْض منطق الاستبداد والفساد الذى أنهك هذه الدولة العظيمة وأخرجها من التاريخ، وبناء "جمهورية الضباط فى مصر" التى وصف الباحث يزيد الصايغ فى دراسته المعنونة بهذا العنوان عمقَ فسادها وترهُّلها، لكنَّ أيًّا منهم لم يظهر منه من الجدْب فى كفاءة القيادة ومنطق الدولة مثلما ظهر من السيسي.
فعبد الناصر على نرجسيته وتهوُّره، والسادات على تعلُّقه الوثنى بأمريكا، ومبارك على بلادة حِسِّه وفساده، لم يصلْ أى منهم مستوى من الحضيض الأخلاقى والغباء السياسى جعله يقتل آلاف المصريين المدنيِّين بدم بارد، فى يوم واحد، وفى قلب القاهرة، وتحت سمع وبصر العالم.
لكن قائد الانقلابيين الجاثمين على صدْر مصر اليوم فعل ذلك، لأنه يتصرف بمنطق الجلاَّد الذى لا يحمل مشروعا سياسيا، بقدر ما يحمل حقدا على كل روح نبيلة وكل نزوع إلى الحرية والكرامة الإنسانية فى مصر.
فهؤلاء الانقلابيون يدركون جدْبهم الأخلاقى، وهم يمقتون كل من يبدو منه موقفٌ مبدئى لصالح الحق والعدل والحرية.
وقد وجدوا فى ميدانى رابعة والنهضة رجالا ونساء من أبناء وبنات مصر يؤمنون بحق شعبهم فى الحرية والعدل والكرامة الإنسانية، وهم مستعدُّون لبذل المُهَج، والتضحية بالأنفس وبفلذات الأكباد فى سبيل تحقيق هذه الرسالة النبيلة.
لذلك كان الحقدُ لدى الجلادين عميقا، والبطشُ بأيديهم رهيبا، يُعبِّر عن أنْفُس سادية إجرامية، وعن ذات مهزوزة فقدت الثقة بذاتها.
وحينما تواجه الشعوب الحرة جلادين، فلا وجود لمنطق السياسة وفقه الدولة، فالجلاد لا يعرف التفكير السياسى ولا الموازنات السياسية.
ولم تغبْ تلك الحقيقة عن قلم المراقب الذكى عباس محمود العقاد، فكتب: "منذ قُضى على يزيد أن يكون هؤلاء وأمثالُهم أعوانا له فى ملكه، قُضى من ساعتها أن يكون علاجُه لمسألة الحسين علاجَ الجلادين الذى لا يعرفون غير سفك الدماء.. وهكذا كان ليزيد أعوانٌ إذا بلغ أحدهم حدَّه فى معونته فهو جلادٌ مبذول السيف والسوط فى سبيل المال، وكان للحسين أعوانٌ إذا بلغ أحدهم حدَّه فى معونته فهو شهيدٌ يبذل الدنيا كلها فى سبيل الروح. وهى إذنْ حربُ جلاَّدين وشهداء" (ص 48).
وفى ضوء أوْجه الشَّبَه الثلاثة بين كربلاء ورابعة، لن يكون من المستحيل التنبُّؤ بمصير السلطة الانقلابية الدموية فى مصر.
لقد حاق بمرتكبى مذبحة كربلاء ما حدَّثنا عنه التاريخ: هلك يزيدُ بعد المذبحة بثلاثة أعوام، وهلك قائدُه مسلم بن عقبة بعد استباحته المدينة المنوَّرة بثلاثة أيام، "ولم تنقض ستُّ سنوات على مصرع الحسين حتى حاق الجزاء بكل رجل أصابه فى كربلاء، فلم يكدْ يَسْلمُ منهم أحدٌ من القتل والتنكيل، مع سوء السُّمعة ووسواس الضمير" (ص 71).
وظلت لعنة كربلاء تلاحق الدولة الأموية حتى هدَّتْ أركانها، "وكان مصرع الحسين هو الداء القاتل الذى سكن فى جثمانها حتى قضى عليها" (ص 71) فقُتل الأمويون أحياء، وحُرِّقوا أمواتا.
وإذا كان لدى جلادى الماضى مهلة أحيانا يستمتعون فيها بثمرات إجرامهم بضعَ سنين، فإن عمْق وعْى الشعوب بحقوقها اليوم، وتسارُعَ حركة التاريخ فى عصرنا، لا يُمهلان الجلادين كثيرا.
فلا تسألْ عن مصير سلطةٍ تحوَّل قادتُها إلى حفنة من الجلادين غلاظِ الأكباد.
حقا إنها حرب الجلادين والشهداء، كما وصفها العقَّاد، بدأتْ فى كربلاء، ولم تنته فى رابعة.. ولن تكون لها نهاية إلا نهاية الاستبداد والهمجية التى تُساسُ به أمَّتُنا اليوم.

ليست هناك تعليقات: