مصر الثورة





سوريا نحن معكم




with you syria

[IMG]http://shams-d.net/up//uploads/images/domain-b9caecbbc3.png[/IMG]




الثلاثاء، 21 يونيو 2011

المواد و المبادئ فوق الدستورية


د. أدهم عزت رجب - 2011-06-21
مع نهاية الحكم الشمولى لمصر و مع اقتراب الاستحقاق الديمقراطى و حصول الشعب على حقه فى اختيار حكامه لأول مرة منذ عام 1952 إنتشرت على لسان العديد من الشخصيات السياسية و الإعلامية و الثقافية مقولات مثل " المواد فوق الدستورية " أو " المبادئ  فوق الدستورية " أو " المبادئ الحاكمة للدستور". فما هو المعنى الحقيقى و المجازى لهذه التعبيرات ؟ و ماذا يقصد بها من يرددها؟ و هل يوجد مثيل لهذه المواد أو المبادئ فى دول أخرى؟ أم نكون نحن المصريين أول من ينادى بمثل هذا؟ فى هذا البحث يحاول الباحث الإجابة عن هذه الأسئلة بطريقة علمية مبسطة قد تساعد الكثيرين – كما ساعدت كاتب البحث شخصياً - على فهم ما يدور حولهم و على إتخاذ القرار المناسب حينما تُعرض أمامهم هذه الأقوال و أمثالها.
مقدمة
من المؤكد لمتابعى الشأن السياسى المصرى بجميع وسائل الإعلام أن النقاشات التى تتعلق بالدستور و الجمعية التأسيسية التى ستتولى وضعه، و أُحجية الدستور أولاً أم الإنتخابات البرلمانية أولاً هى المواضيع الغالبة على النقاش فى جميع الصحف و البرامج الحوارية و الندوات و المؤتمرات و غيرها من وسائل الإتصال الجماهيرى. و أنقسم المشاركون فى هذه المناقشات إلى طائفتين رئيسيتين: الطائفة الأولى و شملت الإسلاميين بمختلف تجمعاتهم – و كاتب البحث منهم - و تُصر على إتباع الإعلان الدستورى و الترتيب الذى ورد به فى إجراء الإنتخابات البرلمانية أولاً و قيام البرلمان المنتخب بإختيار الجمعية التأسيسية التى تتولى وضع الدستور الأهم فى تاريخ مصر و حجتهم الرئيسية فى ذلك أن هذا الترتيب قد أُعلن قبل الإستتفتاء على الدستور فى التاسع عشر من مارس عام 2011 مما يعنى أن من قالوا نعم فى الإستفتاء – وهم الأغلبية المطلقة - قد قالوا نعم لهذا الترتيب. الطائفة الثانية و تشمل العلمانيين بمختلف مشاربهم و تبذل كل جهودها لوضع الدستور أولاً قبل إجراء الإنتخابات البرلمانية و حجتهم الرئيسية فى ذلك أن هناك ثورة قد حدثت فى مصر و يطمح المصريون على إثرها إلى الإنتقال من نظام حكم كان قائماً إلى نظام حكم مختلف ضمانته الوحيدة هى دستور جديد. طائفة ثالثة محدودة العدد – لعل أبرزهم الدكتور عمرو حمزاوى – تقترح حلاً وسطاً يتمثل فى تأجيل الإنتخابات البرلمانية لمدة ثلاثة أشهر مع الحفاظ على حق البرلمان المنتخب فى إختيار الجمعية التأسيسية لوضع الدستور، و حجتهم الرئيسية فى ذلك عدم إستعداد البلاد من الناحية الأمنية للدخول فى عملية إنتخابية شديدة التعقيد و الإستقطاب، بالإضافة إلى التأخر الواضح فى إصدار قانون مجلس الشعب و عدم إصدار قانون مجلس الشورى حتى الآن، و كذلك عدم إستطاعة الكثير من الأحزاب الناشئة التكيف مع قانون الأحزاب الجديد الذى لم ييسر إنشاء الأحزاب بالصورة المتوقعة.
الإتجاه الأول – الإنتخابات البرلمانية أولاً - مدعوم من المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى يصر على الإلتزام بالإعلان الدستورى و على تسليم السلطة لحكومة منتخبة قبل نهاية العام، و نقطة الضعف الرئيسية فى هذا الإتجاه هى الوضع الأمنى المنفلت مع عجز رئيس الوزراء و وزير داخليته عن إحداث نقلة نوعية فى هذا الملف. الإتجاه الثانى – الدستور أولاً – مدعوم بآلة إعلامية هائلة تتكون من وسائل الإعلام المرئية و المسموعة و المقروءة، الحكومية منها و الخاصة، و لكن نقطة الضعف الرئيسية لهذا الإتجاه هى عجزه عن التواجد فى الشارع بين الجماهير و إعتماده فى نقل أفكاره على البرامج الحوارية و مواقع الإنترنت، و كذلك عدم قدرته على تقديم مقترحات تفصيلية حول كيفية إختيار اللجنة التأسيسية و من سيقوم بإختيارها. و يرفض الإسلاميون – و من بينهم الباحث - هذا الإتجاه جملةً و تفصيلاً ؛ لإيمانهم أنَّه سيتم إقصاؤهم – أو تمثيلهم بنسبة أقل كثيراً من حجمهم الحقيقى [1] – فى أى لجنة تأسيسية يتم تشكيلها الآن. 
مع إستمرار و نمو حالة الإستقطاب الحادة بدا أن ميدان "الدستور" لم يعد كافياً للصراع فقرر المتصارعون الخروج إلى ميدان أرحب و هو ميدان "ما فوق الدستور"  و انتشرت مقولات من قبيل "المواد فوق الدستورية" و "المبادئ فوق الدستورية" و بدأ كل فريق فى تفسير هذه المسميات على الوجه الذى يراه. و يتبين من تتبع هذه الفكرة فى وسائل الإعلام أن الأراء حولها تنقسم إلى ثلاث إتجاهات، الإتجاه الأول يرفض الفكرة تماماً و لا يقبل بوجود هذه التسمية حيث أنها غير موجودة فى أى دولة أو دستور آخر، الإتجاه الثانى يؤكد على هذه الفكرة و يصف بعضهم عدداً من المواد الموجودة فى الدستور بالفعل أنها مواد "فوق دستورية"[2]، و يرى بعضهم الآخر أن النخبة المثقفة و مؤسسات المجتمع المدنى هى التى لها حق تقرير هذه المبادئ و إلزام الجهة المسئولة عن وضع الدستور بها، و عدم الحاجة إلى عرضها على الجماهير فى الإستفتاء على الدستور لأنها تأتى فى مرتبة أعلى منه. الإتجاه الثالث يرى أن المبادئ فوق الدستورية ليست إلا الإتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان و التى ترعاها المؤسسات الدولية و على رأسها الأمم المتحدة، و أن المبادئ الواردة فى هذه الإتفاقيات تعلو على الدساتير و القوانين المحلية. و فى الأجزاء الباقية من البحث يناقش الباحث هذه الإتجاهات و مدى قربها أو بعدها عن الحقيقة.
  المواد فوق الدستورية
لم  يستطع الباحث الحصول على أى تعريف لمصطلح "المبادئ فوق الدستورية" أو "المواد فوق الدستورية" على شبكة الإنترنت سواءً باللغة العربية أو بأى ترجمة محتملة باللغة الإنجليزية، فالباحث على الشبكة العنكبوتية يكتشف سريعاً أن هذا المصطلح حديث جداً و ليس له سوابق قديمة فى الظهور فى أىٍ من المواد المنشورة على الشبكة مما يُعزز الرأى القائل – وهو بالمناسبة نفس رأى الباحث - بأن هذا المصطلح ليس له وجود و إنَّما تم نحته للإستخدام السياسى دون أن يكون له وجود حقيقى من قبل.
بالرغم مما ذُكر فى الفقرة السابقة فإنه يوجد مصطلحٌ قريبٌ بعض الشئ من "المواد فوق الدستورية" وهو "المواد المحصَنة" ( entrenched clause أوentrenchment clause ) و هى مواد دستورية تُوضع شروط لتغييرها أصعب من المواد الأخرى أو يُنص فى الدستور على عدم إمكانية تغييرها تحت أى ظرف من الظروف و فى هذه الحالة لا تستطيع الشعوب تغييرها إلا بثورة تطيح بالدستور القديم و تضع بدلاً منه دستوراً جديداً. والمواد المحصنة متواجدة فى عدد محدود من دساتير العالم بالرغم من رفض الكثير من الباحثين لها على أساس أنها مواد تعارض الديمقراطية، و تمنع الشعب الذى هو مصدر السلطات من  تعديلها حسب رغبته مع تغير الزمن. و نعرض هنا بعض الأمثلة على هذه المواد[3].
الدستور الفرنسى الذى تم إقراره فى الرابع من أكتوبر عام 1958 و المسمى بدستور الجمهورية الخامسة ينص فى البند السادس عشر، المادة التاسعة و الثمانين على الآتى:
 " The republican form of government shall not be the object of any amendment " و هو ما يعنى أن نظام الحكم الجمهورى – المذكور فى المادة الأولى من الدستور - لا يمكن تغييره مما يعنى عدم إمكانية عودة الملكية مرةً أخرى إلى فرنسا.
الدستور الألمانى الفيدرالى الذى تم إقراره بصورة نهائية فى الثانى عشر من مايو عام 1949 ينص فى المادة التاسعة و السبعين، المقطع الثالث على أن أى تعديل فى الدستور يكون مرفوضاً إذا تضمن القضاء على فكرة تقسيم ألمانيا إلى ولايات (بمعنى القضاء على الفيدرالية) أو منع الولايات من المشاركة فى وضع القوانين الفيدرالية أو إنتقص من حقوق الإنسان، …. إلخ .
الدستور الماليزى الذى بدأ العمل به فى السابع و العشرين من أغسطس لم يكن يحتوى على أى مواد محصنة حتى كانت أحداث العنف العرقية التى بدأت فى الثالث عشر من مايو من العام 1969 و سقط فيها أعداد كبيرة من القتلى، و هو ما دفع المسئولين فى ماليزيا لتعديل الدستور فى العام 1971 بحيث ينص على منع و تجريم أى محاولة لتعديل مواد الهوية فى الدستور و التى تمنح سكان البلاد الأصليين من الملايو بعض المزايا مثل أن لغتهم هى اللغة الرسمية للدولة بالإضافة إلى بعض المميزات الأخرى فى الحكم.
كذلك الدستور التركى الذى تم وضعه فى العام 1982 أثناء حكم العسكر ينص فى مادته الرابعة على تحصين المواد الثلاث السابقة  عليها من التغيير و هى المواد الخاصة بهوية الدولة (دولة جمهورية علمانية ديمقراطية تستمد سلطاتها من الشعب).
يتضح من الوصف السابق لما يُسمى ب "المواد المحصَنة" الفارق بينها و بين "المواد فوق الدستورية" السابق الإشارة إليها، فالمواد المحصَنة هى مواد موجودة فى الدستور، تم تحصينها بمادة أخرى من الدستور نفسه، و هذه المواد جميعها "المحصَنة و المحصِنة" قد مرت على جميع مراحل إعداد الدستور سواءً كانت موافقة البرلمان أو موافقة الشعب فى إستفتاء عام أو الإثنين معاً، و لم ينفرد بوضعها و تحصينها عددٌ من الأفراد أو المنظمات أو المؤتمرات كبر أم صغر.
 الدستور و المعاهدات و الإتفاقيات الدولية
العلاقة بين القوانين الوطنية - وعلى رأسها الدستور – و بين المعاهدات و الإتفاقيات الدولية هى مثار جدل قانونى دائم يدور فى الأوساط الأكاديمية القانونية و فى أروقة المحاكم المختصة، و يساعد على هذا الجدل الزيادة الهائلة فى أعداد الإتفاقيات الدولية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، فعلى سبيل المثال قدر رجل القانون و السياسى الأسترالى "Sir. Ninian Stephen" عدد الإتفاقيات التى وقعتها أستراليا بعد الحرب العالمية الثانية بأكثر من خمسين ألف إتفاقية [1]. و يستعرض هذا البحث بعض النقاط الرئيسية التى تقود إلى معرفة ترتيب القوة بين الدستور و الإتفاقيات الدولية و أيهم له كلمة الفصل عند التشريع.
تنقسم عادة الإتفاقيات الدولية إلى قسمين: القسم الأول هو الإتفاقيات التى تصبح سارية بمجرد التوقيع عليها ولا تتطلب تعديلات قانونية داخل الدولة نتيجةً لهذه الإتفاقية؛ و ذلك لتناغمها مع القوانين الموجودة (كإتفاقية مبارك-كول مثلاً بين مصر و ألمانيا لتطوير التعليم الفنى)، و القسم الثانى هو الإتفاقيات التى تتطلب تعديلات قانونية داخل الدولة لعدم وجود قوانين خاصة بما تتطلبه الإتفاقية، أو لنقصٍ أو تعارضٍ فى تلك القوانين حال وجودها (كإتفاقية تحديد حد أدنى للأجور التى أصدرتها منظمة العمل الدولية فى العام 1970) فهذه الإتفاقية تستلزم قيام الدولة الموقعة عليها بوضع قانون لتحديد الحد الأدنى للأجور، أو تعديل القانون – فى حالة وجوده – ليناسب الحد الأدنى الذى حددته الإتفاقية.
هذا و يختلف تعامل الدول مع الإتفاقيات الدولية من القسم الأول و لكن يتماثل كثيراً فى التعامل مع القسم الثانى[4]. ففى الحالة الأولى عادةً ما يكون من حق السلطة التنفيذية دستورياً إبرام الإتفاقيات و التوقيع عليها أو قد يقوم البرلمان بتفويض السلطة التنفيذية فى هذا الأمر[5]، و يُعد هذا كافياً فى دولة مثل الهند، و لكن فى دولة مثل الولايات المتحدة لا يُعد كافياً حيث يجب على مجلس الشيوخ إقرار الإتفاقية الدولية بأغلبية الثلثين بعد توقيع الرئيس عليها و إلا تُعتبر لاغية، و فى دولة مثل بريطانيا يتم إرسال الإتفاقية إلى البرلمان بعد التوقيع عليها من الحكومة لمدة واحد و عشرين يوماً فإن لم يعترض البرلمان عليها تكون الإتفاقية نافذة، أما فى إستراليا – و رغم أن الدستور يمنح السلطة التنفيذية حق التوقيع على الإتفاقيات الدولية دون حاجة للرجوع إلى البرلمان – فإنه فى العام 1961 ألزم رئيس الوزراء حكومته بعرض أى إتفاقية بعد التوقيع عليها على البرلمان الأسترالى بمجلسيه لمدة لا تقل عن 12 يوماً قبل إعتبارها نافذة، و قد زيدت هذه المدة إلى 15 يوماً فى العام 1990.
القسم الثانى من الإتفاقيات الذى يتطلب تعديلات قانونية ؛ يستلزم تدخل البرلمان بإعتباره الجهة التشريعية لإصدار القوانين المناسبة أو تعديلها أو إلغائها، و إذا رفض البرلمان هذه التعديلات القانونية تكون الإتفاقية قد سقطت و ليس لها قيمة، و بما أن البرلمان فى جميع الأحوال لا يستطيع إصدار قوانين مخالفة للدستور؛ فإن أى إتفاقية مخالفة لدستور الدولة تُعد لاغية و لا قيمة لها و لا ينتج عنها أى تأثير قانونى. و الأدلة على ذلك كثيرة، فالدستور المصرى (دستور 1971) ينص فى مادته رقم 151 على التالى: " رئيس الجمهورية يبرم المعاهدات، ويبلغها مجلس الشعب مشفوعة بما يناسب من البيان، وتكون لها قوة القانون بعد إبرامها والتصديق عليها ونشرها وفقا للأوضاع المقررة.
على أن معاهدات الصلح والتحالف والتجارة والملاحة وجميع المعاهدات التى يترتب عليها تعديل فى أراضى الدولة أو التى تتعلق بحقوق السيادة أو التى تحمل خزانة الدولة شيئا من النفقات غير الواردة فى الموازنة، تجب موافقة مجلس العشب عليها. " و تشمل الفقرة الثانية من المادة السابقة جميع المعاهدات التى تستلزم تعديلات قانونية لأنها "تتعلق بحقوق السيادة" التى منها إصدار القوانين.

فى الإمبراطورية البريطانية كانت السلطة التنفيذية تبرم الإتفاقيات و توقع عليها إلا إذا إستلزم ذلك إجراءً قانونياً، فيجب إحالة الإتفاقية إلى البرلمان لإقرارها مع التعديلات القانونية المطلوبة أو رفضها و فى الحالتين – الإقرار أو الرفض – فإن البرلمان ملتزم بالدستور لا يستطيع أن يحيد عنه بصرف النظر عن مضمون الإتفاقية المنظورة. و قد نطق بهذا المضمون حكمٌ شهيرٌ للَّجنة القضائية بالمجلس الإستشارى الخاص لملكة بريطانيا فى القضية التى رفعتها الحكومة الفيدرالية الكندية على مقاطعة أونتاريو و المنشورة تحت إسم:
 “ATTORNEY GENERAL FOR CANADA V. ATTORNEY GENERAL FOR ONTARIO AND OTHERS”
و ترجع فصول القضية إلى أن الحكومة الكندية الفيدرالية قد وقَّعت فى العام 1935 على عدة إتفاقيات أصدرتها منظمة العمل الدولية تحدد فيها الحد الأدنى للأجور، و عدد ساعات العمل القصوى فى الأسبوع، و الراحة الأسبوعية للعمال. و أقر البرلمان الكندى الفيدرالى الإتفاقية و أصدر بها القوانين الملزمة، فكان أن رفضت مقاطعة أونتاريو تنفيذ هذه القوانين بحجة أن الدستور الكندى لا يسمح للحكومة الفيدرالية بالتدخل فى أمور مثل تنظيم قواعد العمل فى المقاطعات، فرفعت الحكومة الفيدرالية الأمر إلى المحكمة الدستورية العليا فى كندا فحكمت لصالح الحكومة الفيدرالية، فكان أن رفعت مقاطعة أونتاريو الأمر إلى جهة قضائية أعلى – فى ذلك الوقت – و هى اللجنة القضائية بالمجلس الإستشارى الخاص لملكة بريطانيا فأصدر حكمه السابق فى العام 1937 لصالح مقاطعة أونتاريو و أثبت فى الحكم عدم أحقية الجهات الفيدرالية فى تجاوز سلطاتها الدستورية بحجة المعاهدات الدولية [1، 2].
فى الهند، و بموجب المادة 73 من الدستور، فإن السلطة التنفيذية – فى غيبة التشريعات البرلمانية المناسبة – تستطيع أن تُمدد نفوذها - عند الحاجة - إلى الأمور التى يستطيع البرلمان التشريع فيها فى حدود الدستور[1]. مما يعنى ببساطة أن أى إتفاقية تعارض أى جزء من الدستور سوف تكون فاقدة الأهلية و غير ذات تأثير[1].
الدستور الفرنسى فى المادة 52 يمنح رئيس الدولة الحق فى التفاوض على الإتفاقيات و إقرارها. و فى المادة 53 يقيد هذا الحق فيما يخص بعض أنواع الإتفاقيات كإتفاقيات السلام و التجارة و الإتفاقيات مع المنظمات الدولية و الإتفاقيات التى تضع إلتزامات مالية على الدولة، و تلك التى تتطلب تعديلات تشريعية، … إلخ، ففى هذه الحالات لا تصبح الإتفاقية سارية إلا بموافقة البرلمان[3]. و فى المادة 54 يقرر الدستور الفرنسى أنه فى حالة قرر المجلس الدستورى مخالفة أى إتفاقية للدستور الفرنسى – بناءً على إحالتها إليه من الجهات المخولة بذلك – فإنه لا يمكن إقرار الإتفاقية إلا بعد تعديل الدستور. و فى المادة 55 ينص الدستور على أن أى إتفاقية يتم توقيعها فإنها تكون لها سلطة أقوى من القوانين المحلية حتى لو صدرت هذه القوانين بعد توقيع الإتفاقية [3].
الوضع فى بريطانيا قائم على قرار المجلس الإستشارى الخاص سابق الذكر، و الذى يؤكد أنه فى حالة التعارض بين بنود أية إتفاقية دولية و التشريع المحلى فإن التشريع المحلى له الغلبة فى المحاكم. و أن مسئولية تعديل القوانين لتناسب الإتفاقيات الدولية تقع على عاتق البرلمان و حتى يتم هذا الأمر فإن المحاكم ملزمة بتطبيق القوانين المحلية دون النظر إلى الإتفاقية محل النزاع [1].
فى الولايات المتحدة تستمد الإتفاقيات و المعاهدات الدولية سلطاتها من المادة السادسة من الدستور الأمريكى و التى تنص على أن الدستور الأمريكى و القوانين الصادرة بناءً عليه و الإتفاقيات الدولية التى يتم إقرارها سوف تكون القانون الأعلى فى البلاد فوق جميع دساتير و قوانين جميع الولايات المكونة للدولة[6]. فوضَع الدستور الأمريكى الإتفاقيات و المعاهدات الدولية فوق قوانين الولايات و دساتيرها و ليس فوق الدستور الأمريكى. و فى حكم شهير فى القضية المعروفة بإسم "Reid v. Covert" بتاريخ العاشر من يونيو 1957 قطعت المحكمة العليا الأمريكية بعلو الدستور فوق أى إتفاقية أو معاهدة دولية، و أنكرت حق الكونجرس فى إقرار أية إتفاقية تخالف الدستور الأمريكى. و أنكرت كذلك حق أى جهة داخل الولايات المتحدة فى الحصول على سلطات بالمخالفة للدستور بناءً على أى إتفاقية دولية تم إقرارها. و أقرت بأن الدستور يُبطل أى إتفاقية تخالفه [4].
 و قد ذكر الناشط مجدى خليل – كما ذُكر فى مقدمة البحث – "وقد أقرت المحكمة الدستورية العليا في أمريكا بأنها لا تكتفى بالرقابة على مطابقة القوانين للدستور، ولكن أيضا تحقق فوق ذلك في عدم مخالفة التشريعات لإعلانات الحقوق" و هو صحيح تماماً و إستخدمته المحكمة العليا الأمركية فى إلغاء عدة قوانين لمخالفتها إعلانات الحقوق. ولكن هذا الشاهد من الكاتب لا يؤدى للنتيجة التى أرادها و هى أن الإتفاقيات الدولية ترتفع فوق دساتيرالدول و إنما هى فى الولايات المتحدة ترتفع فوق دساتير و قوانين الولايات و ليس فوق الدستور الأمريكى و القوانين الصادرة عنه. و للتأكيد على ذلك فإن الرئيس الأمريكى الثالث و أحد الأباء المؤسسين للولايات المتحدة "توماس جيفرسون" يقول:
“I say the same as to the opinion of those who consider the grant of treaty-making power to be boundless.  If it is, then we have no Constitution.”
أى أن السلطة اللا محدودة للإتفاقيات تعنى عدم وجود الدستور.
و عليه فإن جميع الدول التى ذكرناها (الإمبراطورية البريطانية (قديماً)، بريطانيا، فرنسا، الهند و الولايات المتحدة) لا تسمح لأى إتفاقية أو معاهدة أو مواثيق دولية بأن تعلوا دستورها الوطنى، و لا يستطيع البرلمان فى أىٍ من هذه الدول إقرار أية إتفاقية تخالف الدستور القائم فى بلده.
 خاتمة البحث
يخلص الباحث من خلال هذا البحث الموجز إلى عدة نقاط رئيسية:
1-     لا يوجد  فى الواقع ما يُسمى ب "المواد فوق الدستورية" أو "المبادئ فوق الدستورية" و هما التعبيران المنتشران بكثرة فى وسائل الإعلام فى الوقت الحاضر.
2-     المضمون القريب من "المواد فوق الدستورية" هو ما يُعرف ب "المواد المحصنة"، و هى مواد فى الدستور يتم تحصينها من التغيير، و لتغييرها لابد من إسقاط الدستور بالكامل و إنشاء دستور جديد. هذه المواد موجودة فى عدد محدود من الدساتير و تشمل عادةً مواد الهوية منها. و المواد المحصنة يتم تحصينها بمواد أخرى من داخل الدستور نفسه بعد جميع الإجراءات القانونية اللازمة سواءً موافقة البرلمان أو الإستفتاء الشعبى أو الأمرين معاً. و لا يوجد فى الدستور المصرى لعام 1971 أى مواد محصنة.
3-     جميع الدول ذات النظم الديمقراطية الراسخة تقدم مواد الدستور على الإتفاقيات و المعاهدات الدولية أياً كان مضمونها. و لا حجة إطلاقاً لمن يدعى أن الإتفاقيات أو المعاهدات أو المواثيق الدولية لها سلطة تعلو فوق سلطة الدستور أو أنها تمثل "مبادئ فوق دستورية". و فى حال إستلزمت الإتفاقية تعديلاً تشريعياً فإن البرلمان – و ليس السلطة التنفيذية - هو الجهة المنوط بها القيام بتلك التعديلات، ولا يستطيع البرلمان تشريع أى قانون يخالف دستور البلاد، و إذا إستلزمت الإتفاقية أو المعاهدة تشريعاً يخالف الدستور فأمام البرلمان خياران لا ثالث لهما: إما رفض الإتفاقية و إعتبارها كأن لم تكن – حتى و لو أقرتها السلطة التنفيذية - أو تعديل الدستور بما يتطلبه ذلك من إجراءات تكون مشمولة فى بنود الدستور نفسه.

المراجع

1.    Justice Shri B.P. Jeevan Reddy, Justice Shri H.R. Khanna, "A consultation Paper on TREATY-MAKING POWER UNDER OUR CONSTITUTION”, ATIONAL COMMISSION TO REVIEW THE WORKING OF THE CONSTITUTION, January 2001.
2.    http://www.jstor.org/pss/2190538
3.    http://www.assemblee-nationale.fr/english/8ab.asp#VI
4.    http://www.mikenew.com/treaties.html
[1]  عندما إقترح الإخوان المسلمون الإتفاق مع القوى السياسية على قائمة موحدة لدخول الإنتخابات – و هو بالمناسبة مرفوض من الباحث تماماً – فقد إقترح الدكتور ضياء الدين رشوان أن يكون للإسلاميين بجميع إتجهاتهم نسبة 25% ، و يكون لكلٍ من الليبراليين و اليساريين و القوميين نسبة مماثلة!!
 الدكتور عصام العريان كان أول من وصف المادة الثانية من الدستور بأنها مادة فوق دستورية فى حديث مع هيئة الإذاعة البريطانية.[2]

ليست هناك تعليقات: