مصر الثورة





سوريا نحن معكم




with you syria

[IMG]http://shams-d.net/up//uploads/images/domain-b9caecbbc3.png[/IMG]




الاثنين، 23 يناير 2012

مـن هـــم دعــــاة الفتنـــة..؟ 

 

23/01/2012
حرية دوت كوم

 د . يوسف القرضاوى
دعاة الفتنة كذلك هم علماء السوء، علماء الدنيا الذين رضوا بأن يمشوا فى ركاب الظلمة، ويحرقوا البخور بين أيدى الطغاة، ويحرفوا الكلم عن مواضعه، ويطوّعوا القرآن لأهواء الحكام

 
حدثنى أحد جلسائى قائلا: سمعتُ أحد المشايخ المشهورين يتحدث فى مجمع من المجامع الحافلة، فى إحدى الذكريات الإسلامية، فكان مما ذكره: أن يلقى المسلمُ اللهَ مقصرا فى نصيحة، أو رازحا تحت ذنب، أهون من أن يلقى الله داعيا إلى فتنة، فإن الفتنة مجْلبة الخراب، والفرقة على المسلمين.

 
وكان الشيخ يُعرِّض فى حديثه هذا ببعض الفئات الإسلامية، التى تدعو لإقامة دين الله فى الأرض، والعودة به إلى قيادة الحياة والمجتمع، وقد انقسم الناس فى شأن هذه الفئة، وقاومها بعض الحكام.

 
فهل أطمع منك أن تحدثنى عن الفتنة ما هى حتى لا أهوِى فى حضيضها من حيث لا أدرى، فقد فهمت من هذا الكلام أن كلَّ دعوة تسبب اختلاف الناس عليها، وخصومة بعضهم لها، ولا تجتمع عليها الكلمةُ، وتتحد الصفوفُ، إنما هى فتنة يُستعاذ بالله من شرها؟

 
فكان مما قلتُه له: لو كانت الفتنة كما فهمتَ، وكما خطر فى بالك، لكان رسُل الله عليهم الصلاة والسلام هم أول دعاة الفتنة، ومؤججى نيرانها.. فقد كانوا يواجهون مجتمعات راكدة، متّحدة على الباطل، مؤتلفة على الضلال، متعاونة على الإثم، تعبد آلهة اصطلحت عليها ورضيت بها، وشب على تقديسها الصغير، وهرم عليها الكبير، وورثها الخلف عن السلف، والأبناء عن الآباء، حتى يُبعث فيهم رسول من عند الله، فإذا هو يسفه أحلامهم، ويعيب آلهتهم، ويستحمق آباءهم وأجدادهم، ويرميهم بالضلال والفسوق، والصمم والعمى.. وإذا فى القوم من يؤمن بالدعوة الجديدة، ويفديها بروحه ومهجته، ويحميها بنفسه وما ملكت يداه، وإذا آخرون يصرون على عقائدهم الموروثة وآلهتهم المزعومة، لا يبغون عنها حولا، ولا يرضون بها بدلا، وإذا الفريقان يختصمون، بل يتقاتلون.

 
وهكذا حدثنا الله تعالى عن صالح فقال: «وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ» (النمل:45)، فهل كان نبى الله صالحا عليه السلام داعيا إلى فتنة حين جعل قومه فريقين يختصمون بعد أن كانوا فريقا واحدا على الباطل؟
وقال الله تعالى: ((لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ)) «المجادلة:22».

 
ولقد قال مشركو قريش عن محمد إنه ساحر، أما رأيته يفرق بين المرء وزوجه، والمرء وأبيه، والمرء وأخيه، والمرء وولده، فهل كان محمد صلى الله عليه وسلم داعية إلى الفتنة يوم هزَّ المجتمع المتحد على الوثنية، فجعل منهم مسلمين ومنهم كافرين؟ خصمان اختصما فى ربهم، عادى بعضهم بعضا، وقاتل بعضهم بعضا، حتى كان الأخ يقاتل أخاه، بل الولد أباه.

 
ويبقى السؤال: ما الفتنة إذن؟؟

 
الفتنة كما ذُكِرتْ فى كتاب الله –هى الاختبار والابتلاء، وأصلها من (فتن الذهب) إذا وضعه على النار، ليعرف زيفه من صحيحه، ثم استعملت فى الابتلاء والاضطهاد والتعذيب بصفة عامة، كما قال تعالى فى أصحاب الأخدود: ((إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ)) (البروج:10)، وقد جعل القرآن فتنة المرء عن دينه أشد وأكبر من قتله، لهذا رد على الذين استنكروا وقوع القتال فى الشهر الحرام بأنهم اقترفوا ما هو أشنع منه وأعظم: «يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ» «البقرة:217»، فجعل الاعتداء على عقيدة الإنسان أكبر من الاعتداء على نفسه.

 
كما جعل القرآن فتنة المؤمن فى دينه، وابتلاءه من أجل عقيدته سنة مطردة لا تتخلف ((سُنَّةَ اللَّهِ فِى الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا)) «الأحزاب: 62».

 
وفى ذلك يقول الله تعالى معزيا للمؤمنين عما نزل بهم من البلاء، وما أصابهم من الباس والضراء: ((الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ)) «العنكبوت: 1-3».

 
وأنكر على الذين تزلزلهم الفتن، فتخور قواهم، وتنهار عزائمهم، فقال تعالى: ((وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِى فِى اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِى صُدُورِ الْعَالَمِينَ)) «العنكبوت: 10».
أصحاب الفتنة إذن هم الذين يعذبون المؤمنين والمؤمنات، ويضطهدون الدعاة إلى الله، لا إلى الطاغوت، وإلى الإسلام لا إلى الجاهلية، وإلى النجاة لا إلى النار.

 
أصحاب الفتنة هم موردو العقائد الدخيلة، والمبادئ الهدامة، لديار الإسلام، وهم صانعو الفتن الظالمة المظلمة، التى تنبأ بها وحذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: «بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنا ويمسى كافرا، ويمسى مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع دينه بعرض من الدنيا».

 
أليس أولى ما ينطبق عليه الفتنة المذكورة فى هذا الحديث هى (موجة الإلحاد) المضللة الكافرة التى تزعم أن الدين أفيون الشعوب، وأن المادة هى كل شىء فى الوجود؟ ودعاة «العلمانية» التى توجب عزل الدين عن الحياة والمجتمع، أليس أصحاب هذه الدعوات هم دعاة الفتنة الواقفين على أبواب جهنم يجرون الناس إليها جرا، كما ورد ذلك فى حديث حذيفة رضى الله عنه.

 
وأخيرا أقول: دعاة الفتنة أيضا هم علماء السوء، علماء الدنيا الذين رضوا بأن يمشوا فى ركاب الظلمة، ويحرقوا البخور بين أيدى الطغاة، ويحرفوا الكلم عن مواضعه، ويطوّعوا القرآن لأهواء الحكام، ونسوا قول الله العظيم: ((وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ)) (هود: 113).

 
ورحم الله الحسن البصرى الذى قال: من دعا لظالم بطول البقاء فقد أحب أن يُعصى الله فى أرضه!.

 
فإن قلت وما علاج هذه الفتن ما ظهر منها وما بطن؟

 
قلت: سأل هذا السؤال قديما سيدنا على بن أبى طالب رضى الله تعالى عنه، فقد روى الترمذى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «سيكون بعدى فتن كقطع الليل المظلم». قال علىّ: قلتُ: وما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: «كتاب الله؛ فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، وهو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى فى غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، ونوره المبين، والذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذى لا يزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا تتشعب معه الآراء، ولا يشبع منه العلماء، ولا يمله الأتقياء، ولا يَخْلق على كثرة الرد، ولا تنقضى عجائبه، وهو الذى لم تنتهِ الجن إذ سمعته أن قالوا: إنا سمعنا قرآنا عجبا، من علِم علمَه سبق، ومن قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن عمل به أُجر، ومن دعا إليه هُدى إلى صراط مستقيم».


 

ليست هناك تعليقات: