مصر الثورة





سوريا نحن معكم




with you syria

[IMG]http://shams-d.net/up//uploads/images/domain-b9caecbbc3.png[/IMG]




الخميس، 17 نوفمبر 2011

“فلول” الفكر.. و”فلول” الحكم!


17-11-2011

بقلم: شعبان عبد الرحمن


 “الفلول” ليسوا بقايا النظام السابق فقط، ولا هم فقط “كراكيب” الحزب الوطني الذين اكتظت بهم الساحة السياسية يومًا حتى تعفَّنت، وإنما تكتظ الساحة اليوم بـ”فلول” أكثر إزعاجًا وخطورة؛ هم “فلول الفكر المسيطر” الذين اعتادوا أن يتصدروا المشهد السياسي منذ أكثر من نصف قرن، وألا يسمحوا لأحد غيرهم بالاقتراب منه، واعتادوا أن يكونوا في بلاط السلطة بأي شكل وبأي ثمن، وأدمنوا ملء الفراغ الإعلامي، وقد انضم إلى هؤلاء فريق آخر من نفس الفكر والمدرسة؛ فريق ناضل- ضمن المناضلين- ضد نظام الحكم المخلوع، ولكنهم قرروا أن يقفزوا مكانه فور خلعه وسط “هوجة” من ضجيج الحديث عن الحياة المدنية؛ حرصًا على “الشعب المسكين” الذي يستعد الإسلاميون لالتهامه، في زعمهم!.

وقد التقى الفريقان وأجمعا كل قواهما؛ سعيًا لاقتناص وضع خاص، بعيدًا عن كل السبل القانونية والدستورية والطبيعية التي تسلكها الشعوب لبناء دولها وإدارتها؛ فإذا كان الوضع الطبيعي هو أن تختار الشعوب دستورها ونوَّابها وحكامها، فإنهم يصرُّون على تصنيع حالة خاصة بهم فوق الدستور وفوق الشعب وفوق كل شيء.

نعم.. هم طبقة من أهل الفكر، لكنَّ غرورهم صوَّر لهم أنهم وحدهم أهل الحكمة والرأي الصائب دائمًا.. إنهم النخبة العجيبة التي بدلاً من أن تصطفَّ مع الجميع لبناء نظام جديد على أسس طبيعية وقوية تتجاوب مع رغبات وقرار الشعب؛ فإذا بها تستغلُّ رجالها داخل الحكومة التي تضمُّ فريقًا لا بأس به من العلمانيين؛ لتصنع لنفسها وضعًا فوق البرلمان قبل أن يتشكَّل، وفوق الدستور قبل أن يولد، وفوق الحكومة قبل أن ترى النور، بل وفوق الشعب بصفتهم الأوصياء الجدد عليه!.

إنها حالة نفسية تتلبَّس هؤلاء، ومن الصعب أن تنفك عنهم، وذلك هو سر إصرار تلك الطبقة العلمانية- باختلاف ألوانها اليسارية والليبرالية والناصرية- على انتزاع خصوصية لنفسها من دون الشعب المصري.

لقد أصبحت كلمات “الانتخاب”، و”الاستفتاء”، و”رأي الشعب”، و”قرار الأمة” من أصعب الكلمات على آذانهم، مع أنهم صدَّعوا رءوسنا بها قبل زوال النظام السابق، لم تعد لتلك الكلمات قيمة في قاموسهم، بل أصبحت من المنغِّصات لبطونهم، ومن يتابع الحوارات الدائرة معهم عبر الفضائيات، ويتفرَّس في وجوه معظمهم؛ يكتشف أن “مائة عفريت يركبهم” عندما يذكِّرهم مَنْ يناظرهم بالشعب والانتخاب والتصويت؛ لأنهم يوقنون بأن غالبية الشعب لا تتوافق مع فكرهم العلماني، وبدلاً من أن ينصاعوا لرأي الشعب ويرضوا بما سيحصلون عليه، فكروا وقرروا ودبَّروا ونفَّذوا “وثيقة فوق الدستور”، تختطف لهم الهيمنة فوق الدستور، وبالتالي فوق الشعب!.

المسألة بلا لفٍّ ولا دوران أنهم لا يريدون تمكين الإسلاميين من إدارة البلاد إن منحهم الشعب ثقته وأعطاهم أغلبية مقاعد مجلس الشعب؛ ليس لأنهم يرفضون الإسلاميين فقط، ولكن لأنهم يرفضون أن تدير “الفكرة الإسلامية” البلاد، وأن يسود المشروع الإسلامي، وحججهم وتحليلاتهم السمجة في هذا الصدد لا تنقضي.. دعك من حكاية “الدولة المدنية” وأخواتها، فهؤلاء لو كانوا يؤمنون بمدنية الدولة بحق لاحترموا قرار الشعب، وإلا فالدولة المدنية التي يريدونها ستكون لمن بالضبط؟! “للعفاريت” أم “للشعب”؟.

لو كانوا يحترمون مدنيتهم لاحترموا قرار الشعب- وهو غير معروف حتى الآن- في صندوق الانتخاب، لكنهم- كما قلنا سلفًا- يقيمون جنازة لميت ما زال حيًّا.. يقيمون جنازة على خسارتهم للانتخابات وفوز الإسلاميين بها، ولذلك يريدون السطو على حكم البلاد بأي طريقة، بوثيقة فوق دستورية تارةً، وبدعوة المجلس العسكري للبقاء في الحكم تارةً أخرى.. وهكذا.

كنت أتمنَّى على هؤلاء ممن يسمون أنفسهم “نخبة” أن يدقِّقوا في انقلاب الموقف الغربي- والأمريكي بالذات- من التيار الإسلامي من العداء والاستعداء إلى الرضا والتسليم بالتعامل معه على مضض بالطبع، وليس ذلك- كما يروِّجون- وليد صفقة ولا هو وليد صداقة جديدة، فالغرب لا يعرف الصداقات، ولا يعرف سوى مصلحته، لكنه يصوغ مواقفه وفق دراسات وقراءات علمية واستبيانات واقعية لا عوطف فيها، واعترف لنفسه بأن حربه الشاملة في العصر الحديث التي شنَّها على الإسلام والإسلاميين، طوال أكثر من نصف قرن، مستخدمًا فيها كل ما أوتي من فكر وتخطيط وقوة وحكام عملاء؛ تمَّ خلالها الزجّ بالإسلاميين خلف القضبان بعد ممارسة كل ألوان العنت والتضييق عليهم، وتمَّ خلالها أيضًا الترويج لثقافات غريبة علينا، حتى وصلت الجرأة إلى وضع قرآن جديد لنا في “الفرقان الحق”، لكنهم فوجئوا بعد كل ذلك بالشعوب العربية تهتف: “الشعب يريد إسقاط النظام”، ثم فوجئوا بها تعلن: “الشعب يريد الإسلاميين”، وانتخابات تونس مثال، والبقية تأتي.

فلم يكن بد أمام الغرب من تعديل نفسه مع ما تريد الشعوب العربية التي استعصت على الانخلاع من دينها؛ فاعترف بالإسلاميين، ولم يمانع في التعامل معهم إن جاءوا للحكم.

ألم يكن أَولى بـ”فلول الفكر المتسلِّط” من الطبقة العلمانية في بلادنا أن تلتفت إلى ذلك الانقلاب في الموقف الغربي، وتعدل نفسها وتعتدل مع شعوبها، وتحفظ لنفسها قدرًا من الاحترام والمكانة؟!

لكنهم يصرُّون على الاستعلاء على الشعب.. يصرون على الانتحار!.

———-
*shaban1212@Gmail.com

ليست هناك تعليقات: