مصر الثورة





سوريا نحن معكم




with you syria

[IMG]http://shams-d.net/up//uploads/images/domain-b9caecbbc3.png[/IMG]




الثلاثاء، 22 نوفمبر 2011

د. رفيق حبيب يكتب: عندما تشتعل النيران من جديد

 

 

 

بقلم: د.رفيق حبيب - 2011-11-22 16:02:22

تكرر مشهد اشتعال النيران عدة مرات، وفي كل مرة يبدأ المشهد بمظاهرة أو اعتصام ، ثم يتحول إلأي صدام مع قوات الشرطة أو الجيش ، وبعد كل حادثة تبدو الأسباب غامضة، وتختلف الروايات، خاصة بين الرواية الرسمية والرواية الشعبية، والصدام بين الروتين يعيدنا مرة أخري للمواجهة بين الشعب والدولة ، ولا نستطيع القول إلي المواجهة بين الشعب والنظام الحاكم لأنه سقط، ولم تبق إلا الدولة، أو بقايا النظام الدولة، والمشهد في كل مرة ، بعيداً عن أٍبابه التفصيلية، يكشف عن الوضع الهش الذي تعيشه مصر بعد الثورة، والذي يتطلب نظرا جاداً : لمعرفة طبيعة المرحلة التي تمر بها مصر.
وكل المشاهد أكدت الثقة مفقودة بين الدولة والشعب، وأن كل طرف لا يثق في أهداف الطرف الأخر ، فالدولة تتحدث عن محاولات لهدم الاستقرار، ولدي أجهزتها معلومات ما، ولكنها لا تستطيع تحديد نطاق المؤامرة، أو فصل ما قد يحدث من تآمر عن الأحداث التي يشارك فيها المواطن العادي، وتبدو رواية الدولة في النهاية كأنها محاولة للبحث عن اعذار. ورواية الناس غالباً ما تتحدث عن بقاء النظام السابق حياً رغم الثورة، ممثلاً في أداء الشرطة، التي تعيد إنتاج ممارسات النظام السابق، أو ممارساتها في عهد النظام السابق. ومن الواضح أن إصلاح جهاز الشرطة يحتاج لفترة طويلة، ولكن من الواضح أيضاً أن أي جهاز شرطة تكون عليه مسئولية فرض النظام، حيث لا يكون الشارع رهناً لقرار المتظاهرين أو المعتصمين. وكل تصرفات جهاز الشرطة تنتقد، إذا فض الاعتصام بالقوة، وإذا ترك الاعتصامات حتى تتعطل الحياة العامة، فكل اعتصام في ميدان التحرير ينتهي بغلق الميدان ، وجهاز الشرطة إما أن يفض الاعتصام بالقوة ويلام، وإما يتركه فيلام أيضاً . ولم تنجح أي محاولة لفض اعتصام بالتفاوض، ودون صدام، ولا يبدو أن أي طرف مستعد للتفاوض أصلاً . وهذا ما يحدث في المظاهرات السياسية، أو المظاهرات الفئوية، ففي كل حالة تتداعي الأحداث بصورة تضر بالمصلحة العامة،ـ وتلحق الضرر بالجميع.
فالمجموعات التي تتظاهر وتندفع نحو الاعتصام وربما غلق ميدان التحرير، تنظر لكل تصرف من الشرطة باعتباره عودة للوراء، لذا تواجه الشرطة وتدخل في صدام معها، ولا تتراجع . فحين يحدث فض للاعتصام بالقوة يفترض أن ينتهي الاعتصام، وتبدأ مرحلة من التفاوض، ثم يمكن أن تعاد محاولة الاعتصام مرة أخري. ولكن الملاحظ ، أن هناك اندفاعاً نحو الصدام من قبل الطرفين، وكأن أي حادثة تتحول إلي حالة ثأر بين الطرفين، وكل طرف يحاول أخذ ثأره. وهنا تندفع كرة اللهب، وتخلف وراءها القتلي والمصابين .
وهناك حالات تندفع فيها مجموعات لديها تصور سياسي معين خاصة المجموعات التي تريد تسليم السلطة لمجلس رئاسي معين، ووضع الدستور من خلال لجنة معينة. وهي مجموعات تريد إدارة المرحلة الانتقالية بعيداً عن الانتخابات وهذه المجموعات تلتقي مع مجموعات شعبية، لديها حقوق مهدرة أو لديها حالة غضب، ولا تعرف مسار تغيير أحوالها. وبهذا تتجمع مجموعات مختلفة ومتباينة، في لحظة الغضب، ولكنها كلها تتحرك في الشارع، وكأنها لا تعرف مكاناً آخر للحركة والعمل والفعل المؤثر. فأصبحنا بصدد حركة في الشارع تتداعي  دون أي كوابح، وفي الوقت نفسه أصبحنا أمام حالة من التوتر بين الشعب والدول،وحالة من فقدان الثقة توتر الموقف العام، وتزيد من عدم وضوح الرؤية، كما تزيد من حالة عدم اليقين. ورغم أن البعض يتحرك بدافع رؤية سياسية معينة، خاصة فريق الدستور أولاً، إلا أن حركته في الشارع تعكس حالة من التوتر المجتمعي وتعبر عنه، بصورة تجعل حركته نوعاً من تفجير شحنات الغضب المخزونة داخل الوعي الجمعي.
وتبدو مشاهد العنف المتكرر أنها تسير في منحي متقطع وصاعد في الوقت نفسه، وكأنها تعبر عن حالة قلق من المستقبل، وكأنها أيضاً محاولة لوقف عجلة الزمن. وكأن ما يحدث يمثل حالة من حالات الخوف من الدخول في المستقبل، أو الخوف من الدخول في مرحلة العمل والبناء، ولهذا تعدد الفئات التي تشارك في تلك الحالة، بل تختلف اختلافاً جذرياً في مواقفها ورؤيتها: لهذا أصبحت حالات الاشتباك في الشارع هي لحظات التوقف عن التقدم للأمام، حيث تنفجر موجات غضب ممزوجة بحالة عدم يقين، وربما يكون عدم اليقين هو المفجر الأساسي للغضب، ولهذا يندفع البعض للمواجهات، سواء من طرف الدولة أو المتظاهرين وكأنها محاولة للعودة مرة أخري للمربع الأول أو أيام الثورة الأولي ، بحثاً عن يقين. ولأن الدولة تبدو هشة فجهاز الشرطة يتحرك لاستعادة دوره في ظل حالة ملتبسة عليه، لأنها ليست الحالة القديمة وهي أيضاً حالة لم تتضح بعد، لهذا تتناوب حالة الكر والفر علي أداء جهاز الشرطة، فيحضر أحياناً ثم يعود للغياب.
لذا يبدو مشهد ما بعد الثورة، معبراً عن حالة سيولة عشوائية، وحالة عدم يقين، أي حالة عدم تأكد مما سيحدث في المستقبل. وحالة السيولة وعدم اليقين أصبحت تحرك الشارع نحو أوضاع متفجرة، في محاولة لمنع الرجوع للوراء، ولكن بأسلوب يعرقل الحركة إلي الأمام، حتى بات الخوف من العودة إلي الوراء يؤدي بالفعل إلي عودة نسبية للوراء. وبات ظاهرا أن المجموعات المهمشة سياسياً والمجموعات المهمشة اقتصادياً، والمجموعات القلقة، كلها تتحرك في حركة يحكمها التداعي الحر، وبالتالي لا يستطيع أحد السيطرة علي نتائج هذه الحركة، فتندفع الأحداث وتشتعل النيران. 

 

ليست هناك تعليقات: