مصر الثورة





سوريا نحن معكم




with you syria

[IMG]http://shams-d.net/up//uploads/images/domain-b9caecbbc3.png[/IMG]




الاثنين، 21 نوفمبر 2011





من يصنع الأزمات في طريق الثورة؟


21-11-2011

د. محمد البلتاجي
بقلم: د. محمد البلتاجي
حين تتساءل: لماذا هجمت الشرطة بجنودها وعتادها على عشرات من المعتصمين السلميين العزل في ميدان التحرير يومي السبت والأحد على هذا النحو الذي فجَّر المشهد السياسي وتسبَّب في سقوط شهداء جدد ومئات من الجرحى والمصابين، وكأننا يوم 28 يناير ليعود العداء ويستحكم بين الشعب والشرطة من جديد؟!
حين تتساءل: ما الذي دفع لهذه الخطوة الحمقاء من قبل الأجهزة الأمنية ومن الذي تسبب فيها؟!

حين تتساءل: لماذا هذا التوقيت لتفجير المشهد السياسي ونحن كنا على بُعد أيام من انتخابات برلمانية كان يجب أن تكون عرسًا ديمقراطيًّا نبدأ من خلاله أولى خطوات انتقال السلطة من المجلس العسكري إلى سلطة مدنية منتخبة (هي السلطة التشريعية والرقابية)؟!

أقول لك إن هذه الأسئلة المشروعة سبقتها عشرات الأسئلة في أحداث سابقة ليس لها من جواب سوى أن هناك أجهزة ذات إمكانات ضخمة تستخدم كل الأدوات من صنعها هي (ومن خلال توريطنا نحن أحيانًا) لصناعة الأزمات وتفجير المواقف، هي تبدأ في إلقاء عود الثقاب وتترك الحرائق تشتعل بشكل طبيعي بينما تتوارى هي عن الأنظار.

هي تستغل أحيانًا عواطف دينية ساذجة (ليس من المهم أن تكون إسلامية أو مسيحية)، وأحيانًا عواطف قومية ووطنية ساذجة كذلك، وأحيانًا عواطف قبلية وعائلية وجغرافية ساذجة كذلك، وأحيانًا ترتدي قميص عثمان في طلب القصاص من قاتليه والانتقام لدمه الزكي.

إنهم فريق عمل يتبادلون الأدوار؛ فتجد فريقًا منهم مع علي وفي صفوفه وفي شيعته، وفريقًا مع معاوية وفي صفوفه يستثيرون حماس طلحة والزبير، وفريقًا ثالثًا يخرج على عليٍّ: كيف يرتضي الاحتكام للرجال حتى يكفرونه ويقتلونه؟ والقضية ليست عليًّا ولا معاوية؛ لكنها فن صناعة الأزمات وإلهاب المواقف وإشعال الحرائق.

أعود إلى سلسلة أزمات ما بعد الثورة المجيدة، وقد صدمت تلك الأجهزة وأذهلها وحدة المشهد الثوري وقوته، ذلك المشهد الذي اضطروا إلى الخضوع له وإظهار الاستسلام له في بدء الأمر، حتى أعادوا ترتيب أوراقهم وتوزيع أدوارهم، فرأيناهم يشعلون الموقف في قنا مستغلين عاطفة إسلامية ساذجة ضد تعيين محافظ مسيحي، وفي أطفيح حين دفعوا شبابًا ساذجًا إلى حرق كنيسة صول، وفي إمبابة حين حشدوا الآلاف دفاعًا عن مسيحية أسلمت، وقالوا: اختطفتها الكنيسة(!)، وأمام ماسبيرو ضد حرق وإتلاف كنيسة أسوان مستغلين في هذه المرة عواطف مسيحية وليست إسلامية، رأيناهم عقب مليونية 9 مارس يصنعون لنا الأزمات دفاعًا عن رجال الجيش الشرفاء الذين انضموا إلى الثورة ضد المجلس العسكري(!)، ورأيناهم عقب مليونية 9 سبتمبر يختلقون الأزمات مستغلين العواطف الوطنية والقومية ضد السفارة الصهيونية، رأيناهم في أحداث مسرح البالون يلهبون العواطف النبيلة المتضامنة مع أسر الشهداء، رأيناهم في كفرالشيخ أخيرًا يشعلون الحرائق بين أهل القرى والمدن في معارك مناطقية، ورأيناهم في رأس البر يخربون بيوتنا دفاعًا عن البيئة النظيفة.

في بعض هذه المواقف كانت العواطف النبيلة تحرك الجماهير، وفي بعضها كانت العواطف الساذجة تورط الجماهير، وفي كل المرات كانت تتوزع الأدوار لمشعلي الحرائق وسط الجماهير وبين صفوف من يعتدي على الجماهير، وفي صفوف قيادات أمنية أعطت الأوامر لإلهاب مشاعر الجماهير، في كثير من هذه الأزمات وقفت الشرطة المدنية والعسكرية موقف المتفرج في بداية المشهد، ثم تدخلت على نحو وحشي مستفز لا أظنه غباءً في طريقة الأداء بقدر ما أراه نهجًا مقصودًا، بشكل واضح لا أستطيع أن أرى كل هذه الحرائق طبيعية ولا عشوائية، لكني أتهم قوى وأجهزة وأموالاً جبارة تخطط وترتب لهذه الحرائق، على أمل أن تنجح في تهيئة الأجواء لحالة من الفوضى الواسعة تبرر تعطيل مسيرة الثورة، وتجعل قطاعات عريضة من المجتمع تنقلب على الثورة والثوار؛ بحجة أنهم فشلوا في تحقيق الأمن والاستقرار للناس، وهي الخطة التي اعتمدها حسني مبارك وحبيب العادلي يوم 28 يناير؛ حين أعطى كل منهما التعليمات لحرق أقسام الشرطة ومديريات الأمن وإطلاق المساجبن من السجون ليقول لنا في خطابه يوم الثلاثاء 1 فبراير: (أنا أو الفوضى من بعدي).

لماذا قدم المجلس العسكري وثيقة د. علي السلمي في هذا التوقيت بعد أن بدأت إجراءات الانتخابات البرلمانية، وبعد أن توقف الجدل حول المبادئ فوق الدستورية قرابة شهرين؟ هل هي مساومة على الانتخابات؟ هل هو تفجير للمشهد قبل الانتخابات؟ هل هي مقايضة لتمرير وضعية خاصة للمجلس العسكري مقابل تمرير الانتخابات؟.

لماذا تمت مداهمة المعتصمين السلميين العزل في الميدان على هذا النحو الوحشي في هذا التوقيت؟ هل هو تغطية على رسالة المليونية الحاشدة التي أكدت أن الثورة لا تزال حية في القلوب، وأننا لا زلنا قادرين على حشد الملايين دفاعًا عن مطالب الثورة وأن أحدًا لن يستطيع أن يفرض وصايته على هذا الشعب؟ أم هو تفجير للانتخابات التي كنا على بُعد أيام منها، والتي يجب أن تكون أول خطوة في انتقال السلطة إلى سلطة مدنية منتخبة (السلطة التشريعية والرقابية) ليعقبها مباشرة كما أكدت المليونية إتمام تسليم السلطة من خلال الانتخابات الرئاسية في أبريل القادم؟

عقب صلاة الجمعة في الميدان يوم 18 نوفمبر جاءتنا مجموعة من مصابي الثورة يرتدون أوشحة بيضاء (مثل الأكفان) كتبت عليها عبارات التنديد بالحكومة وبالداخلية وبالمجلس العسكري، وطلبوا أن يصعدوا على المنصة؛ ليلقوا بيانًا باسم مصابي الثورة (نفس مشهد وطريقة ضباط الجيش الذين جاءوا يوم 9مارس)، رحبت إدارة المنصة بهم وخرجوا على الجماهير في مشهد بالغ التأثير.. تحدثوا عن معاناتهم (وهم على حق فيها) التي تفاعلت الجماهير معها بشكل واضح، لكنهم حين أعلنوا توصياتهم فوجئنا بهم يطالبون: بمقاطعة الانتخابات البرلمانية، وحل الحكومة، وإسقاط المجلس العسكري، وتشكيل مجلس رئاسي مدني الآن، ثم أعلنوا أنهم سيدخلون في اعتصام مفتوح بالميدان حتى تتحقق مطالبهم، لم تتفاعل الجماهير مع هذه التوصيات؛ رغم المشهد المؤثر لهذه المجموعة، انتهت المليونية المهيبة وانصرف معظم الحضور وبقي العشرات، ومنهم هؤلاء المصابون، وكان ما كان.

يوم الأربعاء 2 فبراير (يوم موقعة الجمل) دخل علينا فجأة في مكتب شركة سفير للسياحة بميدان التحرير لواء مخابرات، عرَّفنا بنفسه وطلب مقابلتنا من أجل إقناعنا بضرورة إخلاء الميدان في تلك الساعة؛ تجنبًا لإراقة الدماء الواسعة التي سوف تحدث إذا لم نغادر الميدان، قلت للرجل: ولم إراقة الدماء ونحن معتصمون سلميون لم نغادر الميدان والأمور داخل الميدان هادئة؛ حيث الجميع في وئام وحب ووفاق؟، فقال: لأن أنصار حسني مبارك سيدخلون الآن إلى الميدان، قلت للرجل: ولم يدخلون للميدان؟ قال: من أجل التعبير عن موقفهم مثلكم، قلت للرجل: بفرض أن هناك أنصارًا حقيقيين لمبارك وليسوا مرتزقة مأجورين فأعدادهم ليست كبيرة، ولم يضق بهم ميدان مصطفى محمود بعد، وإذا ضاق بهم ميدان مصطفى محمود فلتفتحوا لهم استاد القاهرة، وعمومًا لديهم كل ميادين القاهرة فلم الدخول إلى ميدان التحرير إذا كنتم غير راغبين في إراقة الدماء؟ قال الرجل: هم مصريون مثلكم، ومن حقهم أن يأتوا إلى ميدان التحرير، ولن نستطيع أن نمنعهم؛ فالميدان ليس حكرًا عليكم (!) وعليكم أن تحقنوا دماء الشعب وإلا تحملتم المسئولية، ضقت بالرجل ذرعًا؛ ولكني أردت أن أجاريه فقلت له: هب أننا قررنا الخروج الآن من الميدان، وأنت تعلم أنهم يحاصروننا الآن من كل مداخل الميدان، فمن الذي يضمن لنا خروجًا آمنًا من الميدان وعودة آمنة إلى بيوتنا؟ فقال الرجل: نحن نضمن لكم هذا، فقمت واقفًا وقلت للرجل: لقد انتهى اللقاء سيدي اللواء؛ لأنكم إذا كنتم تستطيعون أن تؤمنوا خروجنا من الميدان فمن الأوجب عليكم أن تؤمنوا بقاءنا في الميدان ونحن عزل نعبر تعبيرًا سلميًّا عن مطالبنا.

ظننت أني كنت عنيفًا مع الرجل؛ إذ أنهيت اللقاء من طرفي والرجل ضيف علينا في مقر إقامتنا، إلا أن الرجل لم يغادر غرفتنا، وبقي ساعات طوالاً في ركن الغرفة دون ترحيب ولا رغبة منا، بقي طوال الساعات يراقب مواقفنا ويتابع تحركات الميدان واستعدادات الهجوم علينا بالتليفون الذي لم يتوقف لحظة حتى بدأ الهجوم الكاسح علينا، بحثت عن الرجل فلم أجده!.

ما زلت تسألني عن أي الجهات والأجهزة وراء تلك الأحداث التي تتكرر علينا بنفس الطريقة والمنهاج؟ قلت في مقال سابق لي تعقيبًا على أحداث ماسبيرو: إنها (ليست فتنة طائفية، وإنما فوضى مصنوعة).
أخيرًا: أعتقد أن الجريمة التي تكررت من الأجهزة الأمنية والعسكرية في اليومين الماضيين في حق معتصمين عزل على النحو الذي كان يصنعه عمر سليمان وحبيب العادلي يجب ألا تمر.

وأرى أن المعتصمين الشرفاء الذين أرادوا أن يقولوا للمجلس العسكري لن نتراجع عن حقنا في الاعتصام السلمي، ولا عن مطالبنا المشروعة (وفي مقدمتها جدول زمني لتسليم السلطة) يسطرون صفحات جديدة في كتاب الثورة، أدين جريمة فض الاعتصام السلمي بالقوة (أيًّا كانت دوافع المعتصمين ما داموا قد التزموا سلمية التعبير)، وأؤكد على ضرورة حفاظنا على مشروعية الاعتصام السلمي للتعبير عن المطالب المشروعة؛ فهذا أعظم إنجازات الثورة المجيدة، أطالب بمحاسبة سياسية وقانونية لمن تسبب في إشعال هذه الأحداث وضرورة معرفة من وراءها، وأطالب بالإفراج الفوري عمن تم اعتقالهم بغير جريمة في هذه الأحداث، غير أني أطالب المعتصمين (رغم تقديري الكامل لدوافع الغضب في صدورهم) ألا يعطوا الفرصة لتشويه قضايانا العادلة، وألا يتورطوا في تصعيد يؤدي إلى حالة من الفوضى والضرر، وألا يعطوا الفرصة لمن يسعى إلى تبرير تعطيل استحقاقاتنا في انتقال كامل للسلطة إلى سلطة مدنية منتخبة كاملة الصلاحيات (برلمانًا وحكومة ورئيسًا) لنستكمل مسيرة ثورتنا المجيدة.

——-
* عضو المكتب التنفيذي لحزب “الحرية والعدالة” وأمينه بالقاهرة.


ليست هناك تعليقات: