مصر الثورة





سوريا نحن معكم




with you syria

[IMG]http://shams-d.net/up//uploads/images/domain-b9caecbbc3.png[/IMG]




الاثنين، 13 فبراير 2012

مصــــــر ودروس الثــــورة التركيــــــة “الصـــــامتة”



13/02/2012
جريدة الحرية والعدالة

بقلم: د. إبراهيم البيومى غانم
 
"الدولة العميقة" فى مصر كما هى فى تركيا؛ يظهر أعضاؤها فى زى مسئولين حكوميين أو حزبيين أو مفكرين أو فنانين وأساتذة جامعات أو رجال أعمال أو إعلاميين وكبار كتاب، وجميعهم يعملون لحساب قوى الفساد والاستبداد فى الداخل، وقوى طامعة فى الخارج
بين الثورة الصامتة فى تركيا والثورة الهادرة فى مصر أوجه اختلاف وأجه شبه كثيرة، ولكن الأهم من ذلك أن هناك كثيرا من الدروس والعبر التى يمكننا الإفادة منها بكل تأكيد.

تركيا بعد عشر سنوات على ثورتها الصامتة التى بدأت بانتخابات حرة ونزيهة فى سنة 2002، تمكنت من إعادة بناء أغلب مؤسسات دولة القانون والمواطنة والعدالة والتنمية، وأضحت اليوم على وشك التخلص من «دولة المنظمات السرية العميقة» وشلل الفساد وعصب الاستبداد والفشل. وخلال العقد المنصرم مشت تركيا مشوارا طويلا على درب المواجهات الأمنية الشائكة، والإنجازات السياسية والاقتصادية المبهرة، أما مصرنا الغالية فهى لا تزال تحاول الإمساك بطرف الخيط الأول لمواجهة أخطبوط دولة الفساد والاستبداد والفشل الذى تحكَّم عملاؤه من أصحاب المصالح فى مقدرات البلاد لعقود طويلة.
«الدولة العميقة» فى مصر كما هى فى تركيا؛ يظهر أعضاؤها فى زى مسئولين حكوميين، أو حزبيين، أو مفكرين أو فنانين وأساتذة جامعات، ورجال أعمال، وإعلاميين وكبار كتاب، وجميعهم يعملون لحساب قوى الفساد والاستبداد فى الداخل، وقوى طامعة فى الخارج، ولنا فى التجربة التركية أكثر من درس.
أول الدروس وأكبرها يتمثل فى أن شرط النجاح فى مواجهة شبكة المصالح والفساد والاستبداد (الدولة العميقة) هو التئام «الشرعية الشعبية» مع «الشرعية الرسمية القانونية». هذا الالتئام بين الشرعيتين حدث عندما وصل حزب العدالة والتنمية للحكم بانتخابات حرة جرت سنة 2002. أما قبل ذلك فقد كان «الانفصال» هو السمة السائدة بين الشرعيتين منذ بداية تأسيس الجمهورية، وتلخص هذا الانفصال فى وجود نخبة مستأثرة بالسلطة والثروة، وكانت تمارس استئثارها باستعلاء وفوقية لخصها شعارها: «للشعب بالرغم من الشعب» الذى رفعه حزب مصطفى كمال أتاتورك ليحتكر به السلطة وخلفاؤه من بعده لمدة ثلاثة أرباع القرن الماضى؛ انتهت بوصول تركيا إلى حافة الإفلاس التام فى نهاية سنة 2001.
فى مصر: حدث شىء يشبه ما حدث فى تركيا. فقد انفصلت الشرعية الشعبية عن الرسمية أيضا منذ وقوع انقلاب الضباط الأحرار فى يوليو 1952. ولملء الفراغ الناجم عن ذلك الانفصال أسس عبد الناصر هيئة التحرير، فالاتحاد القومى، ثم الاتحاد الاشتراكى، وأقصى التنظيمات الشعبية مثل الإخوان المسلمين، والحزبية الكبيرة مثل حزب الوفد. وكان الاتحاد الاشتراكى عبارة عن تنظيم حزبى واحد وشمولى لا فرق بينه وبين الدولة، ويدعى أنه يعمل «للشعب بالرغم من الشعب» أيضا!!. وخلف عبد الناصر والاتحاد الاشتراكى الرئيسُ السادات والحزب الوطنى، وبدوره ورثه مبارك وأراد أن يورثه لابنه ولكن الله سلم، وأزاحته ثورة يناير المجيدة. وبعد أكثر من نصف قرن اكتشفنا أن لدينا فى مصر قوى مجرمة تربطها شبكة قوية من المصالح والصلات غير المشروعة. وفى الوقت نفسه هى تحتل مواقع رسمية وتتحكم فى صنع واتخاذ القرار وخاصة فى القضايا الأمنية والاقتصادية والثقافية والإعلامية. وقد وصلت بمصر إلى الحضيض، وقزمت دورها الإقليمى وجعلتها رهينة القوى الغربية.
بفضل ثورة يناير المجيدة، وبمساندة القوات المسلحة الباسلة لهذه الثورة، وبعد أقل من عام على الثورة، أضحى لدى مصر برلمان منتخب التأمت فيه الشرعية الشعبية بالشرعية الرسمية لأول مرة فى تاريخ الحياة السياسية المصرية. وليس أدل على ذلك من أنك إذا تفرست فى وجوه أعضاء المجلس ستجد أنه صورة مصغرة للمصريين بمختلف جماعاتهم وأطيافهم؛ وتستطيع بيسر وسهولة أن تقول هذا النائب يشبهنى ويفكر مثلى ويتكلم بلسانى ويلبس مثل ملابسى، أو يشبه أناسا أعرفهم ويتكلم بلسانهم ويفكر مثلهم ويلبس مثل ملابسهم؛ ولن تخطئ عينك أيضا فى رؤية أعضاء يمثلون الزمر الفوضوية والبهلوانية التى تسعى لإثارة القلاقل وإشاعة الفوضى والمزايدة بدماء الشهداء فى هذا الميدان أو ذاك، أو فى محيط وزارة الداخلية وأمام مقرها فى لاظوغلى، ستجد لأمثال هؤلاء أشباه ونظائر داخل برلمان الثورة نفسه، وهذا أكبر دليل على أنه برلمان طبيعى غير مصطنع كالبرلمانات والمجالس الصورية التى كانت تصطنعها قوى الدولة العميقة عبر تزوير مفضوح لإرادة الشعب.
ولكن إذا كان الدرس التركى يقول: إن التئام الشرعية الشعبية بالشرعية الرسمية هو العتبة الأولى للانطلاق منها بقوة على طريق التخلص من عملاء الدولة العميقة وثقافتها الرديئة؛ إلا أن الدرس التركى نفسه يقول: إن الوصول إلى هذه العتبة وحده لا يكفى، وإن هناك خطوات أخرى وعملا شاقا يقوم على ركنين: الأول هو التدرج فى تفتيت ولاءات القوى التى كانت موالية للنظام السابق وربطت مصالحها معه. والثانى هو تقديم رءوس الدولة العميقة لمحاكمات عادلة وناجزة دون هوادة.
هذا هو الدرس الثانى الكبير الذى نستخلصه من التجربة التركية: ضرورة التدرج فى تفتيت ولاء قوى النظام السابق بحكمة وعزيمة ماضية، ذلك لأن رد فعل هذه القوى التى أسميناها «الدولة العميقة» سيكون عنيفا وبالغ القسوة فى حق المجتمع والدولة الرسمية ومؤسساتها النيابية المنتخبة إذا كانت المواجهة ضدها شاملة وخاطفة وجذرية، فمثل هذه المواجهة من شأنها أن توفر أفضل مناخ لتحرك عملاء الدولة العميقة كى يوجهوا ضرباتهم القاسية؛ فالجذرية تستفز كل طاقاتهم، والشمول يجمع شتاتهم، والسرعة تفقدهم صوابهم فى ردود أفعالهم، والنتيجة هى ارتكابهم جرائم بشعة مثلما حدث فى استاد بورسعيد مثلا.
فى تركيا كانت أركان الفساد والاستبداد تتشكل من مركب ولاءات «رجال أعمال»، و«مؤسسات إعلامية»، و«أصحاب مناصب رفيعة فى الإدارة المدنية والأمنية»، وبعض «قيادات المؤسسة العسكرية». ولم تقرر «الثورة الديمقراطية الصامتة» التى قادتها حكومة أردوغان شن هجوم كاسح وشامل وخاطف لضرب كل تلك الولاءات دفعة واحدة؛ وإنما بدأت بتجفيف منابع الفساد ومحاكمة رموزه أولا بأول، ثم اجتذبت أغلبية جمعيات رجال الأعمال الوطنيين وكسبت ثقتهم بضمان مصالحهم فى إطار القانون، ثم أفسحت المجال أمام القوى الإسلامية والوطنية الصاعدة للمنافسة فى قطاع الأعمال الخاص وفى السوق الإعلامية بكل وسائلها وكسرت احتكار وكالات الأنباء والصحف والمحطات الفضائية ودور النشر التى كانت تغطى على سياسات الفساد والاستبداد والفشل، واتبعت الحكومة سياسة «الإحلال ثم الإزاحة»؛ خطوة خطوة، من أجل إصلاح المؤسسات الأمنية والعسكرية، ولم تتبع سياسة الصدمات الكهربائية الرعناء؛ لأنها وجدت أن ضررها أكبر من نفعها، وبهذه السياسة الحكيمة تقدمت الديمقراطية التركية بثبات، وتراجع الفساد وانكمش الاستبداد باستمرار.
علينا فى هذه المرحلة الحرجة التى تمر بها ثورتنا المصرية أن نتأمل طويلا فى تلك الدروس التركية، وأن نأخذ منها ما يلائمنا، وأن نبتكر ما هو أفضل منها. ولنعلم أن أقصر الطرق للعودة إلى أوضاع ما قبل 25 يناير 2011 هو أن تنجح الجماعات الفوضوية والقوى الكارهة للمؤسسات النيابية فى العودة إلى فصل الشرعية الرسمية عن الشرعية الشعبية، وأن تصر على هدم هيبة الدولة وإسقاط مؤسساتها الأمنية والعسكرية.
هذا الفصل بين الشرعيتين كان حجر الأساس الذى قام عليه نظام الرئيس المخلوع، وكل من يسهم فى تحطيم التئام الشرعيتين مرة أخرى فهو يسهم فى إعادة إنتاج نظام المخلوع.
الذين يعملون لهدم برلمان الثورة وقطع الطريق على استكمال أهدافها بالدعوة إلى عصيان «عبثى» هذه الأيام، يخدمون أغراض القوى الهادفة لتقسيم مصر وإغراقها فى بحر الفتنة والفوضى. وهناك كثير من مراكز التدريب والتأهيل ومصادر التمويل والدعم التى لا تخفى أهدافها فى نشر الفوضى وتمكين قوى غير شعبية تنتسب لثورتنا المصرية وتأمل فى القفز على السلطة لتكبح الإرادة الشعبية الحرة عن استكمال تحقيق أهداف الثورة، من أشهر هذه المراكز: مركز ألبرت أينشتاين ومركز كانفاس لدراسات اللاعنف فى جمهورية صربيا، وأكاديمية التغيير القطرية، وكلها تعمل تحت إشراف خبراء أمريكان ويمولها رجال أعمال صهاينة من أجل تدريب الذين يخرجون علينا فى الفضائيات ويسمون أنفسهم «نشطاء سياسيين» على كيفية نشر تكتيكات العصيان والفوضى تحت ستار التغيير والإصلاح.
المعلومات المنشورة على مواقع تلك المؤسسات وغيرها من الهيئات البحثية تؤكد أن مركز ألبرت أينشتاين فى صربيا مرتبط بالكولنيل روبرت هالفى وهو خبير سابق بالجيش الأمريكى، ومرتبط مع بيتر أكيرمان المليادير الصهيونى صاحب الاستثمارات الهائلة فى وول ستريت، وهو الممول الرئيسى للنشاطات التى يقوم بها «جين شارب»، وهو أحد أكبر الخبراء الأمريكيين فيما يسمونه الأعمال القذرة (Dirty Works) ومنها تدريب مجموعات من الشباب المتمرد على أعمال العصيان ونشر الفوضى، وجين شارب هذا نفسه الذى أشرف فى سنة 2002 على تكوين ما سمى «المجلس الوطنى العراقى» الذى عاد للعراق على ظهر دبابات الغزو الأمريكى فى إبريل سنة 2003.
وثمة علاقات وثيقة مع كل هؤلاء والملياردير جورج سورس الصهيونى، وهو الممول مؤسسة فريدم هاوس المقدمة للقضاء فى قضية التمويل الأجنبى فى مصر حاليا.
أنا واثق من أن السواد الأعظم من المصريين ضد نداءات التخريب والفوضى والعصيان «العبثى»، و»مصر لن تركع ولن تخضع»، وسنصل وسننتصر بإذنه الله.

ليست هناك تعليقات: