مصر الثورة





سوريا نحن معكم




with you syria

[IMG]http://shams-d.net/up//uploads/images/domain-b9caecbbc3.png[/IMG]




الخميس، 4 أغسطس 2011

الشهيد أحمد سمير.. فراق أعز الناس

04-08-2011

- والدته: كان يُعدُّ لنا السحور بنفسه ويصنع لي أشهى أطباق الحلويات
- أصدقاؤه: عاش حياته كلها مطيعًا لربه ولم يكن يضيع لحظة في رمضان

كتبت- سارة محمد علي:
"مش عارفة هافطر إزاي من غيره".. هكذا عبّرت والدة الشهيد أحمد سمير عن مدى فجاعة أول رمضان يمرُّ عليها من دون ولدها، مؤكدةً أنه ترك فراغًا كبيرًا؛ لأنه كان دائمًا له وضع خاص معها في رمضان.

(إخوان أون لاين) زار أسرة الشهيد، والتقى عددًا من أقرانه المحيطين به؛ للتعرف عليه عن قرب، وتروي والدته بدموع الفراق عن حاله في شهر رمضان قائلة: لم يكن يجد مجالاً لراحتها في هذا الشهر إلا وكان يفعل؛ حيث كان يُعد لها السحور بنفسه وأحيانًا الإفطار، ويصنع لها أشهى أطباق الحلويات التي تحبها؛ حتى يراها سعيدةً، وهو يطعمها بيديه في فمها؛ لتأكل ما أعده لها وقلبها راضٍ عنه، وتختم الطعام بدعاء له يسر قلبه، ويثلج صدره بسماعه، ويعطيه طاقةً دافعةً للعمل في طريق الله.

توقفت الأم عن الحديث بشلال من الدموع، ليستطرد إيهاب شقيقه عنها، ويحكي أن أحمد لم يكن ليترك فرضًا دون أن يصليه في المسجد، لكنه كان يأبى أن يصليه وحيدًا، فلا بدَّ أن يأخذ معه أصدقاءه، وإن رفضوا أن يذهبوا معه يظل معهم حتى يقنعهم بأهمية الصلاة في المسجد، حتى إنه كان دائمًا يخرج من بيته قبل موعد الصلاة بوقتٍ كافٍ؛ حتى يستطيع أن يمر عليهم واحدًا واحدًا، ويتناقش معهم ويقنعهم ويأخذهم معه إلى المسجد.

كما تعوَّد معهم طوال شهر رمضان أن يصلُّوا الفجر معًا، ثم يذهبوا إلى شاطئ النيل ويظلوا يسبحوا الله ويذكروه حتى طلوع الشمس، وهم يشاهدون شروقها على النيل ولسانهم يردد أذكار الصباح.

ثم يتفرقون ليذهب كل منهم إلى عمله؛ ليعودوا، ويتجمعوا على الإفطار في بيت أحمد الذي كان يستضيفهم في بيته أغلب أيام الشهر الكريم، ويتعمد أن يريهم معاملته الطيبة لوالدته؛ حتى يفعلوا مثله، ويبرُّوا أمهاتهم؛ خاصة أنه كان يسمع منهم دائمًا مشكلاتهم مع أهليهم، وكان يحاول دائمًا مساعدتهم في حلِّها، ويوصيهم ببر والديهم خاصة خلال شهر رمضان.

أصدقاؤه يصفونه بأنه خير مثال لتجسيد الإسلام؛ لأنه كان قدوة في كلِّ شيء، وكان يحث غيره دائمًا على فعل الصواب، ويسعى دائمًا إلى تعليم الناس الخير، وعلى رأسهم أخوه الذي طالما كان يحثه على اغتنام الوقت والمواظبة على الصلاة في المسجد وختم القرآن أكثر من مرة في رمضان، مثلما كان يفعل هو، ولا يضيع دقيقة من وقته طوال هذا الشهر المبارك بلا طاعة، ولم يكن فقط يكتفي بذلك، بل كان يقرأ بِنَهمٍ وشغفٍ عن كل ما يخص الصيام وأحكامه وفضائله وفضائل الطاعة في رمضان؛ حتى لا يضيع على نفسه أي أجر أو ثواب من عند الله يستطيع اغتنامه.

كما لم يكن أبدًا ينسى صلة رحمه والسفر دائمًا؛ لبر أقاربه، وأهله رغم طول المسافة التي تبعده عنهم، والمشقة الكبيرة التي كان يتكبدها حتى يستطيع زيارتهم وودهم.

أحمد في رمضان لا يختلف كثيرًا في أفعاله عن بقية شهور العام؛ فقد كان شعاره أن "رب رمضان هو رب كل زمان ومكان"، هكذا يراه أصدقاؤه المقربون منه، ولذلك عاش حياته كلها مطيعًا لربه، داعيًا إليه، حتى إن زملاءه في كلية أصول الدين بجامعة الأزهر التي تخرج فيها يقولون عنه: إنه كان الداعية رقم واحد في الجامعة، واستطاع أن يساعد الكثير من الشباب على العودة إلى طريق الله، وجعل حياتهم لها معنى، وكان يضع معهم أهدافًا نبيلةً ويساعدهم على تحقيقها.

كما كان دائمًا حاملاً لهمومهم وهموم وطنه، وكثيرًا ما شارك في توعية الناس من حوله؛ لرفض الظلم وعمل الفعل الصحيح أيًّا كانت نتائجه.

وعُرف أحمد بِوَلعه الشديد بالقضية الفلسطينية، وبأهل غزة المحاصرين، والذين كثيرًا ما دعا لهم بالنصرة، وحث مَن حوله على الدعاء لهم ونصرتهم ومساعدتهم في كسر الحصار عنهم، وحين فُتح معبر رفح لم يهدأ حتى ذهب إلى هناك وأخذ معه أصدقاءه؛ ليحاولوا تخفيف الحمل عن أهلهم هناك ويدعموهم ويبلغوهم أنهم معهم بقلوبهم ودعائهم، وكل ما يستطيعون فعله لهم.

وفي غزة أُصيب بجرح في رأسه توجَّب إجراء عشر "غُرَز"؛ حتى يلتئم، لكن رغم الألم عاد من هناك مفعمًا بالحماس لنصرة القضية الفلسطينية أكثر، وأخذ يحدث كل من حوله عما رآه في غزة من مآسٍ وجراحٍ تريد من يطبِّبها، ويحثهم على تقديم كل ما يتمكنون من تقديمه لأهل فلسطين.

أحمد، بشهادة والدته وأخته وأصدقائه وأقاربه وكل من عرفه، كان إنسانًا رقيقًا رحيمًا طيب القلب، حنونًا على كل من حوله فاعلاً للخير، واصلاً لرحمه، حاملاً لهموم وطنه.

وعاش كذلك حتى جاء اليوم الموعود يوم جمعة الغضب 28 يناير، والذي استيقظ فيه بصعوبة على غير عادته، وتناول إفطاره مع والدته وأخيه وأخته ثم ذهب لأداء صلاة الجمعة، وعاد بعدها إلى المنزل؛ ليتناول آخر وجبة غداء له وسط أهله، وظل ينظر إلى والدته نظرات طويلة وغريبة لم تكن تعهدها منه من قبل، ثم همَّ بالخروج من المنزل، ولكن قبل خروجه اتصل بشركة المحمول وهو غاضب من قطع الشبكة، وقال لهم: "أنا وغيري من المصريين اللي بنشغل الشركة مش الحكومة، والمفروض تكونوا معانا مش ضدنا"، وأنهى المكالمة وسلم على والدته والفرحة تملأ عينيه؛ لاستشعاره باقتراب الحرية التي طالما انتظرها.

ثم سلم على أخته وهمس في أذنها قائلاً: "لو مت يا سلمى ما تزعليش"، ثم خرج هو وأخوه محمد؛ لينضموا إلى صفوف الثوار، وعند أذان العشاء أقنع أخاه محمد بأن يعود إلى البيت؛ ليبقى مع والدته ويرعاها، واتصل بوالدته يطمئنها عليه ويبلغها أنه أقنع محمد بالعودة إليها؛ ففرحت وطلبت منه أن يحافظ على نفسه.

وظلَّ مع الثوار حتى وصلوا عند قسم شرطة دار السلام، وهم في مسيرتهم للذهاب إلى ميدان التحرير، وهناك فتحت الشرطة النار عليهم، واخترقت جسده رصاصة غادرة دخلت من قلبه وخرجت من ظهره، فسقط على الأرض فاقدًا وعيه، ونقله رفاقه إلى مستشفى القوات المسلحة؛ حيث فشل الأطباء في إنقاذه، وهناك لفظ أنفاسه الأخيرة، وفارق الحياة وهو في ريعان شبابه، تاركًا خلفه سيرة طيبة وسمعة حسنة يذكره بها كل من عرفه طوال حياته القصيرة.

ليست هناك تعليقات: