مصر الثورة





سوريا نحن معكم




with you syria

[IMG]http://shams-d.net/up//uploads/images/domain-b9caecbbc3.png[/IMG]




الثلاثاء، 28 أغسطس 2012

عن منطقية وتشكيل “المجلس الوطني للإعلام” 

 

 28 اغسطس 2012


أ.د صلاح عز 


حرص يوميا على قراءة صحيفة (المصري اليوم)، حيث أراها الصحيفة الأقوى تعبيرا عن أحقاد وأهداف أتباع الثورة المضادة . ولهذا يجتمع فيها عدد من ألد أعداء الشعب ، وأشدهم حقدا على الثورة ، وعلى رأسهم مجموعة من الفلول ، أحصيت منهم سبعة كتاب. أحد هؤلاء كان تلميذا نجيبا لصفوت الشريف وأنس الفقي ، قلبه محروق من الإخوان نتيجة لبأسهم وجهادهم في الثورة ، وخلع أسياده من السلطة . ولذا نراه يستغل المساحة المملوكة له لتسويدها بأي هراء يستطيع من خلاله الولولة من الإخوان والتنفيس عن غـيظه منهم . أحد زملائه في الصحيفة لا يخفي حزنه على رحيل العسكر، فيقول : "أدهشنى استسلام قادة الجيش. الأمل فى جمعة ٢٤ أغسطس.. هل تكون الفرصة الأخيرة لمدنية الدولة؟". من الطرائف الأخرى المسلية في الصحيفة ، التحريض الذي مارسه حمدي رزق على الجمعية التأسيسية ، حيث حكم هذا الجهبذ ببطلان تشكيل الجمعية ، وبالتالي فعلى شيخ الأزهر الانسحاب منها لإسقاطها. هي محاولة يائسة ، لتفجير الجمعية من خلال الوقيعة بين الأزهر الإخوان ، تستهدف منع وضع دستور يستند إلى شرعية إستفتاء 19 مارس. ولا يخفي رزق هدفه من ذلك ، وهو إعادة مصر إلى "سيرتها الأولى" ، أي قبل الثورة. وكما أكدت في مقالي السابق ، فهم لن يموتوا بغيظهم ولن يسكتوا ولن يتوقفوا عن الدس للثورة. ودعونا لا ننسى أن علمنة الدستور وانتزاع صياغته من نواب الشعب ، كان الأصل وراء كل الكوارث التي قادتنا إليها الطغمة العلمانية المهيمنة على الصحف والفضائيات الخاصة. هذه الكتابات في (المصري اليوم) ومثيلاتها ، تكشف أيضا بوضوح الهدف الذي يسعى إليه من يقفون وراء هذه المنابر من ملاك ومسئولين . فالكتابات تعتمد أساسا على الكذب والافتراء والتضليل .. وكاتبوها ومن يستكتبوهم يعلمون الحقائق ، ولكنهم يكذبون إعتمادا على أن نسبة من القراء لا تعلم الحقائق ، إما لأنهم لا يقرأون سوى هذه النوعية من الصحف التي تجذب القراء بشكلها المنمق وإخراجها الصحفي البديع ، وإما لأنهم لم ينتبهوا إليها في الصحف الأخرى ، أو أنهم إنتبهوا ونسوا نتيجة ما تتعرض له عقولهم من تكرار متعمد للأكاذيب والشائعات والمصطلحات المضللة في الصحف والفضائيات . فإذا أضفنا إلى ما سبق مانشيتات عن الرئيس مرسي تصفه بالبلطجة والفاشية والارهاب ، وأخبار ملفقة من نوعية أنه "علم بجريمة رفح قبل وقوعها" ، وأن "وفد قطري ذهب إلى المقر العام للاخوان المسلمين للترتيب لزيارة أمير قطر لمصر" ، يتبين حجم المشكلة التي تعاني منها مصر.

للأسف جميع الحلول التي طرحت حتى اليوم ، لمواجهة هذا الانهيار الإعلامي والصحفي على المستويين المهني والأخلاقي ، غير عملية أو منطقية .. من نوعية الأفكار التي طرحت بإلحاح في بداية الثورة مثل "المجلس الرئاسي" و"الدستور أولا" .. أفكار غير عملية تطرح بدون آليات قابلة للتنفيذ . فمثلا يرى د. محمد البرادعي أن "الإعلام القومي لا مكان له في النظام الديمقراطي ، واستقلال الصحف القومية يكون بتمليكها للعاملين فيها". وهي رؤية خاطئة ليس فقط لأن الـ BBC، على سبيل المثال ، هي مؤسسة إعلام قومي قائمة في "أم الديمقراطيات" منذ أمد بعيد ، ولكن أيضا لأنه لا يوجد منطق يبرر لي (أنا الشعب) تسليم ملكيتي للصحف القومية لمن يحتقرون إرادتي ويستخفون بنوابي ويعادون ثورتي . تعالوا نتصور لو أن (الأهرام) مثلا تم تمليكها لأمثال أحمد موسى ومكرم محمد أحمد ونبيل عمر وعبده مباشر ومحمد سلماوي وغيرهم من فلول مبارك وأمن الدولة ، فكيف تستتب الديمقراطية في بلد يهيمن أمثال هؤلاء على صحافـته ؟ إن الإعلام بنسختيه الحكومي والخاص جرى هيكلته وتوجيهه خلال عقود حكم مبارك لخدمة التيار العلماني ، مع إقصاء شبه كامل للتيار الإسلامي صاحب الشعبية الأكبر. صحيح أن النسخة الحكومية عمدت إلى المبالغة في خدمة النظام الحاكم ، ولكن في المقابل ترك النظام لرفاقه في العلمانية حرية إنشاء الصحف والفضائيات بمباركة جهاز أمن الدولة ، بعد أن توافق الطرفان على إقصاء عدوهما المشترك. واليوم بعد عام ونصف من خلع مبارك ، ما تزال قيادات الإعلام القومي ، التي صنعها مبارك على عينه ترفض التغيير وتصر على أن تبقي الأوضاع على ما هي عليه . ولذلك ، قبل أي حديث عن تمليك العاملين ، لابد من تطهير هذه الصحف من أبواق مبارك وذيول لجنة السياسات وعملاء أمن الدولة ، إستنادا إلى أرشيفهم المخل بالشرف. لو أن رئيس تحرير واحد كان قد نجح منذ خلع مبارك في إقناعنا بقدرته على ذلك ، لكان ذلك كافيا للتدليل على أن الصحفيين مؤهلين لتحمل مسئولية مؤسساتهم . غيرأن الواقع يقول أن جميع الأبواق والعملاء في الصحف القومية مازالوا يحتلون المساحات التي إحتكروها بنفاق مبارك وفرعنته. ولا أظن أن رؤساء التحرير الجدد سيقدمون جديدا في هذا الصدد ، لأن مجلس الشورى بعد أن أضاع وقتا ثمينا في التغييرات الصحفية ، رضخ لابتزاز الصحفيين بضرورة أن تكون القيادات من داخل المؤسسة ، وهو أمر يتناقض مع القدرة على التغيير ، لأن الشللية والعلاقات الشخصية التي ترسخت على مدار سنوات هما أكبر عائق يحول دون تحقيق أي درجة من التطهير. ولا حل غير أن تكون القيادة من خارج المؤسسة حتى تكون متحررة من أية تحيزات مسبقة ، سلبا أو إيجابا ، ويكون حكمها على الكاتب أو الصحفي موضوعيا ، مستندا إلى ما يحتويه أرشيفه. بتعبير آخر، إذا أردنا إصلاح الإعلام والصحافة ، فلا مجال لمراعاة الخواطر والاعتبارات الشخصية ، ولا مجال لمسك العصا من المنتصف

الحل الآخر الذي يقترحه الأستاذ حمدي قنديل ، هو أن تقيم الدولة "مجلس وطنى للإعلام" يديره الإعلاميون أنفسهم لتنظيم العمل الإعلامى .. من بين مهامه منح التراخيص للمؤسسات الإعلامية ، وحسابها بالإنذار أو الغرامة أو الإيقاف عندما تخطئ فى حق القراء والمشاهدين والمستمعين. ويرى قنديل أن هذا الحل يجب أن يسبق أى جهد آخر، لأن "الخطر ينبع من داخل المهنة ، ممن خانوا رسالة الإعلام وقيمه العليا.. الخطر من خونة الإعلام قبل أن يكون من أخونة الإعلام." ولكن قنديل يناقض نفسه.. فكيف يكون الخطر نابعا من داخل المهنة ، ثم نأمن للإعلاميين بأن يكونوا هم عماد هذا المجلس وصانعو قراراته ؟ إن المشكلة تكمن في أن نسبة كبيرة من الصحفيين والإعلاميين جرت برمجتهم على مدار عقود على خدمة العلمانية. وذلك هو مصدر الخيانة ، لأن خدمة العلمانية لا تتم إلا بالكذب والافتراء والبذاءة وقلة الأدب ، فضلا عن تشويه الخصوم وإقصائهم . ثم ألم نتعلم من تجربة الجمعية التأسيسية والحكومة ؟ إنهم يتهمون الجمعية بالأخونة على الرغم من أن نسبة الإسلاميين فيها لا تتجاوز 45% ، ويصفون الحكومة بالاخوانية ، وعدد الوزراء الإخوان فيها لا يتجاوز الخمسة وزراء. يعني ذلك أنهم لن يرضوا ولن يهدأوا ولن يسكتوا عن أي مجلس أو جمعية إلا إذا تحققت لهم الهيمنة الكاملة عليه ، كما كان الوضع زمن مبارك. هذه هي أكبر عقبة ستواجه "المجلس القومي للإعلام" إذا سُمح لغوغاء الصحافة والإعلام باختطافه وفرض وصايتهم عليه ، لأن مجرد وجود قلة من الإسلاميين في هذا المجلس سيستدعي إتهامه بالأخونة . ولو ترك للإعلاميين والصحفيين المهيمنين الآن على الساحة ، مهمة تشكيل هذا المجلس ، فإن الإقصاء سيستمر، والأكاذيب والافتراءات والأشاعات ستتفاقم ، لأن من شب على شئ شاب عليه. والحل في تقديري هو كالتالي : يتولى مجلس الشورى (أو مجلس الشيوخ) إختيار أعضاء "المجلس القومي للإعلام والصحافة" وتحديد مهامه ، وعلى رأسها الارتقاء بالمستوى المهني والأخلاقي للصحف والفضائيات ، وفرض غرامات باهظة على كل من يسئ الأدب أو ينشر أكذوبة أو يروج لها . فقط نواب الشعب هم الذين يستطيعون إختيار المحترمين المتجردين الموضوعيين من أهل الصحافة والإعلام لعضوية هذا المجلس


 

أنا من المؤمنين بأن الصحافة والإعلام هما أخطر أسلحة هذا العصر بلا مبالغة .. فإما أن يكونا سلاحا للنهضة والدفاع عن الوطن وهويته واستـقلاله وإرادة شعبه ، وإما أن يكونا سلاح دمار شامل للعقل الجمعي والوعي العام . وقد رأيت رأي العين على مدار سنوات ما فعلته منابر الصحافة والاعلام الصهيونية بعقول ووعي الأمريكيين والأوربيين . وبالتالي فإن الجمعية التأسيسية عليها أن تحتاط بشدة حتى يكون المجلس المقترح نعمة لمصر وليس نقمة عليها.

ليست هناك تعليقات: