مصر الثورة





سوريا نحن معكم




with you syria

[IMG]http://shams-d.net/up//uploads/images/domain-b9caecbbc3.png[/IMG]




الأحد، 27 مايو 2012

الاعتصام بحبل الله




الأحد 6 رجب 1433 هـ - 27 مايو 2012م
جريدة الحرية والعدالة  
أ .د. يوسف القرضاوي 

هذه الآيات الكريمة اشتملت على هذا النداء الإلهي العظيم للجماعة المؤمنة { يا أيُّها الذينَ آمنُوا اتَّقُوا اللهَ حقَّ تُقَاته ولا تَموتُنَّ وإلا وأنتم مُسلمون َ واعتصموا بِحبل الله جَميعا ً ولا تفَرَّقُوا } نزلت هذه الآيات في أعقاب تلك الفتنة التي أراد بها بعض اليهود أن يفرقوا كلمة المسلمين , وأن يثيروا نعرة جاهلية بين الأوس والخزرج بعضهم ببعض , بعد أن جمع الله كلمة الجميع على الاسلام , وألف قلوبهم على التقى , جاءت هذا الآيات بعد التحذير من طاعة اولئك القوم في الآيات السابقة { يا أيُّها الذين آمنوا إن تُطيعوا فريقا مِنَ الذين اوتوا الِكتاب يَرُدُّوكم بعد إيمانكم كافرين َ } أي بعد أخوتكم متعادين , وبعد وحدتكم متفرقين .
التقوي أساس الوحدة :
ثم جاءت هذه الآية الكريمة , { يا أيُّها الذين آمنوا اتَّقوا الله َ حَقَّ تُقاته } فالتقوى هي المنهج الجامع الذي يجمع المؤمنين على كلمة سواء , وأساس التقوى في القلب , كما أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى صدره وقال : ( التقوى ها هنا , التقوى ها هنا , التقوى ها هنا ) [ رواه مسلم وأحمد والبيهقي ] , أي أساسها خشية الله عز وجل , ثم ثمرتها عمل الصالحات , واجتناب السيئات ( ألا يراك الله حيث نهاك , ولا يفتقدك حيث أمرك ) التقوى هي وصية الله للأولين والآخرين { ولقَد وصَّينا الذين اوتوا الكِتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله } [ النساء : 131 ] ولم تأمر الآية الكريمة بمجرد التقوى أي تقوى , ولكن قال الله عز وجل : { اتَّقوا الله حقَّ تُقاته } أي ابذلوا جهدكم وما استطعتم في تنفيذ أمر الله واجتناب نهيه .
وليست هذه الآية منسوخة – كما قال بعض المفسرين – بالآية الأخرى : { فاتَّقوا الله ما استطعتم } [ التغابن : 16 ] , لا , فلا تنافى بين الآيتين ؛ لأن تقوى الله حق تقاته إنما هي في حدود الاستطاعة أيضا , ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ) , اتقوا الله حق تقاته , كما قال في الآية الأخرى : { وجاهدوا في الله حق جِهاده } [ الحج : 78 ] , ليس الأمر عبثا ولا لعبا , لابد أن يعمل الانسان المؤمن قدر ما يستطيع من تقوى الله .
{ ولا تمُوتن إلا وأنتم مُسلمون } أي : عيشوا على الاسلام , لتموتوا على الاسلام , فقد جرت سنة الله تعالي أن من عاش على شئ مات عليه , ومن مات على شئ بُعِث عليه , اثبتوا على الاسلام { ولا تَموتن إلا وأنتم مسلمون }
الاعتصام بالقرآن الكريم
ثم يأمر الله تعالى المؤمنين بقوله :  { واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا }حبل الله هو القرآن  , هو الإسلام , فالقرآن هو حبل الله المتين , وهو النور المبين , وهو الذكر الحكيم , والصراط المستقيم , فتمسكوا بهذا الحبل , واعتصموا به , فهو الذي يجمعكم ؛ لأن المؤمنين تجمعهم وحدة العقيدة , وتجمعهم وحدة الشريعة , وحدة المنهج , وحدة الطريق ؛ ولهذا قال الله تعالى في سورة الأنعام في الوصايا العشر : { وَ إنَّ هذا صراطي مستقيما فاتبعوهُ ولا تتبعُّوا السبل َ فتفرق بكم عن سبيله } [ الأنعام : 153 ] فاعتصموا بحبل الله , فهو الذي يجمعكم العمل به .
{ واذْكُروا نِعمت َ الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بِنعمَتِهِ إخواناً وكنتم على شفا حُفرة من النار فأنقذكم منها } نعمتان يذكرنا الله سبحانه وتعالى بهما , ليس هناك نعمة أفضل منهما .
النعمة الأولى في الآية : هي نعمة الاخوة في الله , والاجتماع على كلمته وعلى طاعته وعلى دين الله { وألف بين قلوبهم لوْ أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفَّت بين قلوبهم ِ ولكنَ الله ألف بينهم إنه عزيز ٌ حكيم ٌ } [ الأنفال : 63 ]
والنعمة الثانية في هذه الآية ؛ نعمة الهداية , الهداية الى الايمان { يَمُنُّون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا عليّ إسلامكم بل الله يَمُنُّ عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين } [ الحجرات : 17 ]
ولهذا قال : { وكنتم على شفا حُفرة من النار فأنقذكم منها } هداكم الله للإيمان بعد أن كنتم على طرف الوقوع في النار , نار الجاهلية والكفر والشرك , ولكن أنقذكم بمحمد عليه الصلاة والسلام , فهداكم من ضلالة , وعلمكم من جهالة , وأخرجكم من الظلمات إلى النور , ثم جمعكم إخوانا على هذا الدين , بعد أن ظلت الحروب بينكم من قبل خاصة بين الأوس والخزرج مئة وعشرين سنة , { شفا حُفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يُبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون } . أي تعرفون الطريق , وتسلكونه على هدى من الله وبصيرة .
الدعوة إلى الخير :
ثم يقول الله تعالى : { ولتكن منكم أمة ٌ يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون } , وهذا أيضا من الوشائج الجامعة , أن تنشغل الأمة برسالتها ودعوتها , بدل أن تتفرق وتختلف فيما بينها , وتثور بينها الدعوات الجاهلية , إنها أمة صاحبة رسالة , أمة دعوة , أمة هداية .
{ ولتَّكُن منكم أمةٌ } اختلف المفسرون في ( مِن ) هنا , هل هي تبعيضية ؟ فالذي يجب أن يكون من المسلمين طائفة تتخصص في الدعوة , والأمر والنهي , أم مِنْ بيانية ؟ والمعنى كونوا جميعا أمة داعية آمرة ناهية , كما تقول : ( ليكن لي منك الصديق الوفيّ ) , أي : كن أنت الصديق الوفيّ, وأنا أرى في الحقيقة أن الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , واجب على المسلمين جميعا , كل بحسب حاله , إنه فريضة الأمة , إنه ميزة الأمة , { كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتُؤمنون بالله } [ آل عمران : 110 ] , وصف الله المؤمنين بقوله ؛ { التائبون العابدون الحامدون السَّائحون الرَّاكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله } [ التوبة : 112 ] فهذه من الخصال الأساسية في أوصاف المؤمنين , الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , وفي الحديث : ( من رأى منكم منكر ٌ فليغيره بيده , فمن لم يستطع فبلسانه , فمن لم يستطع فبقلبه |, وذلك أضعف الايمان ) [ رواه مسلم ] وفي حديث آخر بعد ذكر القلب , ( وليس وراء ذلك حبة خردل من ايمان ) [ رواه مسلم ] , الأمة كلها مطالبة بالدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإرشاد قومهم , ولا مانع أن يكون فيها طائفة متخصصة قادرة على الدعوة بالتفصيل وبالعلم وبالعناية اللازمة , ولكن كل الأمة عليها أن تساند هذه الطائفة , وأن تشد أزرها , وأن تقف بجوارها , وأن تمدها بكل ما تستطيع من مال , ومن قوة مادية أو أدبية , { ولتكن منكم أمة ٌ يدعون إلى الخير } لا يكتفي الاسلام من المسلم أن يفعل الخير , كما قال الله في آية أخرى : { وافعلوا الخير لعلكم تفلحون } [ الحج : 77 ], ولكن يريد منه أن يفعل الخير ويدعو إليه , أن يدل عليه  , والدال على الخير كفاعله , هذه أمة دعوة , تدعو إلى الخير وخير الخير .
أعظم الخير الدعوة إلى الاسلام :
وأعظم الخير هو الاسلام ؛ ولهذا كان على هذه الأمة أن تدعو إلى الاسلام , بتبليغ دعوة الله للعالمين , وبإيصال هذه الرحمة للعالم كله { وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين } [ الأنبياء : 107 ] , لابد أن ينال الناس من هذه الرحمة , وأن يخرجوا من شقوة الجاهلية إلى سعادة الاسلام , من ظلمات الشرك والكفر بألوانه وأنواعه وأسمائه إلى نور الايمان والتوحيد , هذه مهمة هذه الأمة , { ولْتَكُن منكم أمة يدعون إلى الخير } عسى المسلمون في هذا العصر وقد أفاء الله عليهم أن يدركوا ما عليهم من أمانة التبليغ  , وواجب الدعوة إلى الله , يبلغوا هذا الخير , ويبلغوا هذه الدعوة إلى العالم .
{ ولْتَكُن منكم أمة ٌ يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر } والمعروف ما تعرفه الفطر السليمة , وما جاء به الشرع الشريف , والمنكر ما أنكره الشرع والعقل , { وأولئك هم المفلحون } الداعون |إلى الخير , الآمرون بالمعروف , الناهون عن المنكر , هم الذين كتب لهم الفلاح , والفلاح : هو الفوز بما يحب الانسان , والهروب مما يكره , وخير ما يحب الانسان الفوز بالجنة والنجاة من النار , { فمن زحزح عن النار وأدخِل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور } [ آل عمران : 185]
التحذير من الفرقة و الاختلاف :
ثم تذكر الآيات بعد ذلك التحذير من الفرقة والاختلاف : { ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات واولئك لهم عذابٌ عظيم } لا تفعلوا كما فعل أهل الكتاب من قبلكم , حيث اختلفوا على فرق شتى , سبعين أو أكثر من سبعين , ( لا تختلفوا فإن من قبلكم اختلفوا فهلكوا ) [ رواه البخاري ] , ممكن أن تختلف آراؤكم وأفهامكم في فروع الدين ولكن لا يكون هذا الاختلاف سببا في التفرق , سببا في تمزيق الصف , سببا في تشتيت الكلمة , لا تكونوا سببا في أن يعادي بعضكم بعضا , كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ؛ ( لاترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم وجوه بعض ) [ متفق عليه ] , { لا تَكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات ُ } , كان من المفروض أن تجمعهم البينات ولا تفرقهم , كان من المفروض أن يجمعهم العلم ويوحدهم فلا يختلفون , ولكن للأسف ما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم , البغي والحسد , وحب الدنيا , فقد اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا , هذا هو الذي فرقهم , وشتت شملهم , هو الذي جعلهم أمما , بعد أن كانوا أمة واحدة , ولهذا حذرنا القرآن من أن نسير وراءهم , ونتبع سننهم شبرا بشبر , وذراعا بذراع , فعن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم , قال : ( لتتبعن سنن من كان قبلكم , شبرا شبرا وذراعا بذراع , حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم ) , قلنا : يا رسول الله , اليهود والنصارى ؟ قال : ( فمن ) [ رواه البخاري ]
وأنتم أيضا جاءتكم البينات , فهذه الآيات كلها تدعوكم إلى الوحدة والقوة , تذكركم بالوشائج الجامعة لهذه الأحكام ,  التي تجعل منكم أمة واحدة , على كتاب واحد , وعلى رسول واحد , وعلى قبلة واحدة , وعلى عقيدة واحدة , وعلى شريعة واحدة , على الايمان برب واحد , فلماذا تختلفون من بعد ما جاءتكم البينات ؟ فإيَّاكم |أن تصنعوا ما صنع الذين من قبلكم , احذروهم , |إن الله جعل لكم فيهم عظة وعبرة , والعاقل من يتعظ بالتاريخ , ومن ينتفع بما حدث فيه , إنها سنن , فيجب أن نعرف هذه السنن , وألا نقع فيما وقع فيه الذين من قبلنا .
{ وأولئكَ لهم عذاب عظيم ٌ } وأي عذاب ؟! إنه عذاب ٌفي الدنيا وعذاب ٌ في الآخرة , { يومَ تبيض وجوهٌ وتسودُ وجوهٌ فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد ايمانكم فذوقوا العذاب َ بما كنتم تكفرون وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون } 
وصلى اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه , والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

ليست هناك تعليقات: