مصر الثورة





سوريا نحن معكم




with you syria

[IMG]http://shams-d.net/up//uploads/images/domain-b9caecbbc3.png[/IMG]




السبت، 23 مارس 2013

نخنوخ الثقافة 

 

لأحد 23 سبتمبر 2012





د. حلمي القاعود
 اشتهر الشخص الذى يحمل اسم نخنوخ فى ملاهى شارع الهرم وعالم الليل والجريمة، وصار له أتباع وأنصار يخيفون المسالمين والآمنين ومَن لا يخضعون لإراداتهم وسطوتهم، ووصل صيته إلى السلطة الفاسدة، فباتت تعتمد عليه فى تزوير الانتخابات وتصفية الخصوم السياسيين، وتدبير الفخاخ لاصطياد مَن يستعصى على السلطة الغشوم، حتى تحول إلى واحدٍ من أبرز رجال السلطة لا يقل أهمية عن الوزراء والكبار المتنفذين، وقد أخفق أكثر من مسئول كبير فى تقديمه إلى القضاء بحكم علاقاته بمن هو أكبر من هذا المسئول.. ثم صار الرجل بعدئذ نجمًا من نجوم المجتمع الناعم؛ يذهب إليه الممثلون والمطربون والموسيقيون وأهلُ الفنِ والمزاج الراقى!
هذا بعض ما ذكرته الصحف القومية والحزبية والخاصة عن السيد نخنوخ، الذى صار علمًا على البلطجة فى أبشع صورها وأشكالها..!
للأسف؛ فإن البلطجة ليست قاصرة على عالم الجريمة والليل، ولكنها امتدت بفضل النظام المستبد الفاشى إلى عالم الأدب والثقافة والفكر؛ فقد رأينا مؤخرًا مَن يقوم بهذا الدور الإجرامى، ويمثل دور البلطجى الذى يقهر خصومه والمسالمين والآمنين فى حقل الثقافة بقوة البلطجة وطول اللسان والاعتماد على قوة النظام البائد التى تقف وراءه ووراء أمثاله ممن صدّرهم ليكونوا عنواناً على المشهد الثقافى فى مصر، الذى وصل إلى أحط مستوى فى عهد المخلوع!
نخنوخ الثقافة ظل طوال ستين عامًا يعمل لحساب القوى الشريرة الحاكمة فى الداخل والخارج، ولا يخجل من تحولاته وعمالته لهذا النظام أو ذاك، يحركه مركّب النقص الذى يشعر به باستمرار نتيجة عدم حصوله على مؤهل عالٍ، فى الوقت الذى تحمل فيه زوجته درجة الدكتوراه!  
نخنوخ الثقافة يحمل دبلوم محو الأمية، ومع ذلك يتطاول على كبار العلماء والمثقفين والأدباء الذين لا يصل إلى مستوى أقدامهم، ويصفهم بالنكرات المجهولين الذين يبحثون عن الشهرة.. ومشكلة نخنوخ الثقافة وأمثاله ممن قصّر بهم المستوى العلمى والثقافى أنهم يظنون أن الشهرة التى صنعها لهم النظام الفاسد فى الإعلام الموجه غير الرشيد وغير المهنى، يمكن أن تعوّض قصورهم العلمى والثقافى، مع أنَّ راقصة بطن درجة ثالثة أو مطرباً رديئاً أو لاعب كرة صغيرًا أكثر شهرة من أحمد شوقى وحافظ إبراهيم والعقاد ومصطفى صادق الرافعى وأحمد حسن الزيات وعزيز أباظة ومحمد فريد أبو حديد ومحمود حسن إسماعيل ومحمد عبد الحليم عبد الله وعبد الحميد جودة السحار ونجيب محفوظ وكبار أدباء مصر ومثقفيها ومفكريها. 
مركّب النقص أو الإحساس بالدونية يدفع حامل شهادة محو الأمية إلى ركوب الصعب حين يسبّ مثقفى الأمة الحقيقيين، ويصفهم بالنكرات المجهولين، وينفى عنهم صفة الثقافة والأدب، ويصورهم بأنهم مجموعة مدرسين ليس إلا! وأعتقد أن هذا السبّ الرخيص لا يثبت مزاعمه وسوء أدبه، فالناس الذين نسميهم الجمهور هم الذين يحكمون على ما يتلقونه من أدب وفكر وثقافة، ويقوّمونه بمدى التقبّل والعمق والإتقان.. ولو أخذنا بمقاييس الشهرة والتعتيم لقلنا مثلا إن العلامة محمود محمد شاكر الذى عاش محاصرًا من أنظمة القمع والاستبداد التى كان يخدمها نخنوخ الثقافة ببلطجته وأكاذيبه وادعاءاته وتقاريره الأمنية، يفوق مئات من مثقفى الحظيرة ومئات من نخانيخ الثقافة، ويكفى أن هذا النخنوخ الثقافى صاحب مركب النقص لا يستطيع أن ينظم بيتاً واحداً من القوس العذراء – ولابد أنه يعرفها – التى نظمها شاكر فى غمرة أبحاثه وتحقيقاته، ولقد ضربت مثلاً بالشعر لأن النخنوخ يدعى أنه شاعر كبير ومجدد فى الشعر العربى.. لا أريد أن أقارنه بما بذله شاكر فى ميدان التحقيق العلمى والأدبى، لأن النخنوخ لا يستطيع ولا يقدر – مهما أوتى من بجاحة وادعاء – أن يحقّق صفحة واحدة مثله، لسبب بسيط وهو أنه فسل من الأفسال الذين ابتليت بهم مصر فى زمن العار والشنار والكنز الاستراتيجى للغزاة اليهود!  
وقد خطر لى – ولست متخصصًا فى علم النفس – أن أحلل تحولات نخنوخ الثقافة المشينة منذ خرج من قريته فى أعماق الدلتا، وترك أسرته المتواضعة، وعمله معلمًا للأطفال وفقاً لشهادته البسيطة، ثم التحاقه بالصحافة، وتركه للإخوان المسلمين الذين لم يجد عندهم فى أوائل الخمسينيات ما يشبع طموحه لينضم إلى الماركسيين، ثم يغادرهم إلى البيادة البعثية فى دمشق ومنها إلى البيادة البعثية العراقية التى كانت أكثر سخاء فى عهد صدام، وأتاحت له فرصة الذهاب إلى باريس ليضرب عصفورين بحجر، حيث صار معلمًا للأجانب هواة تعلم العربية فى السوربون بمؤهله المتواضع، وكاتب تقارير عن رفاقه الشيوعيين الذى كانوا يسمون أنفسهم بالطيور المهاجرة، وهو ما جعل السادات يستقبله فى استراحة القناطر الخيرية مرتين..
وبعد السادات صار النخنوخ مقربًا من الرئيس المخلوع ومدعوًا إلى احتفالاته ومناسباته الثقافية وغير الثقافية، وكان آخر من قابلهم المخلوع فى 30/9/2010 م قبيل انهيار نظامه المستبد الفاشى ، ضمن الأحد عشر كوكبًا من الحظائريين الذين مازالوا يشكلون الحظيرة الثقافية،  ويغرفون منها مرتبات ومكافآت وجوائز ومناصب وشهرة ودعاية.
لاشك أن النخنوخ الثقافى طعِم وسمن وبشم فى عهد بيادة المخلوع، فقد استحوذ وكوّش وسيطر وهيمن، وأعطاه فاروق حسنى ما لم يحلم به حامل مؤهل متواضع لا يصلح إلا لمحو الأمية أو تعليم الأطفال، وجعله بالصفاقة والتبجح يصف المثقفين الإسلاميين بأنهم نكرات مجهولون لا يعرفهم أحد، وأنهم يبحثون عن مغانم لدى النظام الجديد الذى لا مستقبل له كما يزعم. 
وأعتقد أن النظام الجديد للأسف الشديد منحه وأمثاله من أصحاب المؤهلات المتواضعة ويتصدرون المشهد الثقافى قبلة الحياة حين دعاهم إلى لقاء الرئيس، وإعادة إنتاج المشهد الأخير لالتفافهم حول حسنى مبارك ليلتفوا حول الرئيس مرسى، ويثبتوا للناس أن وزارة الثقافة وعناصر الحظيرة أقوى من الثورة والثوار، ولله الأمر من قبل ومن بعد!

د. حلمي القاعود

 

ليست هناك تعليقات: