مصر الثورة





سوريا نحن معكم




with you syria

[IMG]http://shams-d.net/up//uploads/images/domain-b9caecbbc3.png[/IMG]




الثلاثاء، 19 مارس 2013

د.ياسر على يكتب: فلسفة الملوك 

 

19 مارس 2013

عندما لخص الفيلسوف اليوناني أفلاطون لصديقه الأهمية العظمي لدور المعرفة والعلم والعقلانية في عالم السياسة وفي التجارب السياسية الناجحة والمثمرة والمفيدة قال قولته المأثورة‏’‏ يا عزيزي جلوكون‏,‏

لا يمكن زوال تعاسة الدول,وشقاء النوع الإنساني ما لم يملك الفلاسفة أو يتفلسف الملوك والحكام’.. أي ما لم تجتمع القوتان السياسية والعلمية الفلسفية في شخص واحد, وما لم يتراجع عن دوائر الحكم الأشخاص الذين يقتصرون علي إحدي هاتين القوتين..

وإلي جانب البعد الفلسفي الأخلاقي لهذه الحكمة الخالدة فإن البعد السياسي يحتم علي من يدير أمر دولة أو مؤسسة من مؤسساتها أن يجمع بين الاثنين حتي يحصد أسباب النجاح والاستمرار ويبقي قادرا علي الحصول علي ثقة شعبه.

وحيث أصبحت السياسة الداخلية والخارجية للدولة الحديثة المعاصرة اليوم عملية معقدة وذات جوانب عديدة متداخلة, وأصبحت مسألة بناء سياسة ناجحة, وانفاذ القرار السياسي المرتبط بخطة استراتيجية مرنة أمرا ليس هينا ويتجاوز القدرة المنفردة المستقلة باتت الحاجة ملحة إلي وجود ما يسمي بمراكز التفكير ومؤسسات دعم اتخاذ القرار.

ويمكننا أن نعرف مراكز التفكير علي أنها تلك المنظمات التي تقوم بأنشطة بحثية سياسية واقتصادية وأمنية تحت مظلة المجتمع بشكل عام,وتقديم النصيحة والمعلومات لصناع القرار بشكل خاص, كما يعرفها البعض بأنها عبارة عن’ مراكز للبحث والتعليم, ولا تشبه الجامعات أو الكليات, كما أنها لا تقدم مناهج دراسية; بل هي مؤسسات غير ربحية وإن كانت تملك مخرجات وهي المعلومات والأبحاث,هدفها الرئيسي البحث في السياسات العامة للدولة ولها تأثير فعال في مناقشة تلك السياسات, كما أنها تركز اهتمامها علي التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسة العامة,والدفاع والأمن والخارجية, حيث تحاول تقديم معرفة مستفيضة لتلك المسائل بقدر المستطاع والبحث فيها بشكل عميق, ولفت انتباه الجمهور لها’.. كما أن هذه المراكز, هي’ مؤسسات بحثية هدفها الأساسي توفير البحوث والدراسات التطبيقية المتعلقة بالمجتمع والسياسات العامة,والتأثير في القضايا الساخنة التي تهم الناس’.

أما عن نوع القضايا والسياسات المتعلقة بمراكز التفكير فهي متعددة فبعضها يركز علي قضايا السياسات الخارجية والقضايا العالمية, والبعض الآخر يتبني الأبحاث المعنية بالسياسات المحلية بما فيها القضايا الاقتصادية والاجتماعية بأنواعها المختلفة, وسياسات البيئة والطاقة والزراعة, ونجد أحيانا مراكز بحثية تتعامل مع أكثر من إطار من الإطارات السالفة الذكر مثل معهد بروكينجز.

ومنذ عقود طويلة ومع استقرار الديمقراطيات الغربية وتجذرها بدأت هذه المراكز في لعب ادوار هامة وكبيرة في نجاح ونمو تلك الدول.

وبالرغم من حدوث تغيرات في أشخاص صانعي القرار في تلك الدول نزولا علي مبدأ التداول السلمي للسلطة وأدوات العملية الديمقراطية إلا أننا نلاحظ مقدارا كبيرا من الثبات النسبي والاستمرارية للأفكار والعناصر الأساسية المكونة لتلك السياسات والتي نجدها تتميز في الغالب بقدر كبير من العمق والسعة والوضوح والقدرة علي استشراف المستقبل مما يثير التساؤل حول السر وراء ذلك الثبات النسبي والحكمة في سياسات تلك الدول المتقدمة, وخصوصا في سياساتها الخارجية, بالرغم من كون تلك الدول هي دول ديمقراطية حقيقية تتغير فيها الأحزاب والشخصيات الحاكمة باستمرار؟

فما الذي يبقيها في سياسة ذات ثبات نسبي تجاه قضايا ومتغيرات دولية بالرغم من تغير الأكثرية في الكونجرس والمجالس النيابية أو تغير رئيس الدولة ورئيس الوزراء.. نعم بالتأكيد تكون هناك تغيرات لكن الجميع يتفق أنها يجب ألا تكون من النوع الحاد الذي نراه دائما يترافق مع تغيير النخب الحاكمة في عالمنا العربي.

لقد أصبحت قضية الاستمرار والاستقرار النسبي عملية لها ادوات مؤثرة ومداخل مشتركة وجهود منسقة ومتراكمة لأكثر من جهة و طرف وتلعب مراكز التفكير دورا هاما في تلك القضية, لان هذه المراكز ومن فيها من النخب الاكاديمية والخبرات الميدانية تجمع بين ميزتين هامتين هما توافر العلم والخبرة العملية المتراكمة من جهة, ومن جهة أخري وفرة الإمكانيات والمستلزمات المادية والوقت لأعمال الفكر والدراسة والتحليل والاستنتاج لبناء النظرة الاستشرافية التي تعد أساسا لأي استراتيجية مستقرة قادرة وسياسة خارجية ناجحة.

ويمكن تصنيف مراكز التفكير والرأي التي قامت بدور بارز في صياغة السياستين والخارجية للدول المتقدمة وفق عدة معايير منها استقلاليتها أو تبعيتها إلي الأجهزة الحكومية أو إلي إحدي المؤسسات التعليمية مثل الجامعات, وأيضا تخصصها أو مجالات اهتمامها, فهناك مراكز متخصصة في مجال بعينه, بينما توجد مراكز أخري ذات اهتمامات واختصاصات متنوعة ومتعددة.

فعلي سبيل المثال تعتبر مؤسسة راند وهي مؤسسة مستقلة غير حكومية منذ عام1948 بتمويل خاص كمؤسسة غير ربحية متخصصة بالتعامل مع القضايا ذات الطبيعة العسكرية والمخابراتية والإستراتيجية, وتستعين بها المؤسسة العسكرية الأمريكية في الدراسات المتعلقة بكيفية مواجهة التحديات المختلفة, خصوصا قضايا الإرهاب والأمن القومي. والمثال الآخر مؤسسة أمريكا انتربرايز المعروفة بميولها اليمينية ذات الاهتمام بالسياسة الاقتصادية للحكومة, وتقدم لها افكارا ودراسات متخصصة في الجوانب الاقتصادية بمختلف أبعادها..

ويمكن القول إن صناعة الفكر ومراكزه أصبحت من الصناعات الثقيلة والتي أصبحت شديدة التأثير والتخصص في الجوانب المختلفة, سواء ما يتعلق منها بالسياسة الخارجية والعلاقات والشئون الدولية أو بالشئون الداخلية والسياسات والموضوعات المحلية في هذه المجتمعات.

وفي الولايات المتحدة الامريكية علي سبيل المثال قامت هذه المؤسسات ـ التي تعتبر معظمها بمثابة مراكز بحثية مستقلة ـ بصياغة وتشكيل التعاطي الأمريكي مع العالم لفترة تقارب مئة عام,ولأنها تقوم بمعظم وظائفها نسبيا بعيدا عن وسائل الإعلام, مما يجعل البعض لا يعطيها نفس الاهتمام الذي يوليه لمؤسسات اخري تابعة للسياسة الخارجية الأمريكية, وعلي الرغم من ذلك فإن مؤسسات الفكر والرأي هي أحد أهم المؤثرات علي صانعي السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية من خلال عدة جوانب وأدوات ووسائل مختلفة..

وللحديث بقية.



ليست هناك تعليقات: