مصر الثورة





سوريا نحن معكم




with you syria

[IMG]http://shams-d.net/up//uploads/images/domain-b9caecbbc3.png[/IMG]




الأربعاء، 17 أبريل 2013

أ.د. محمد المحمدى الماضى يكتب: القيادة ورؤية إستراتيجية لا تغيب
أ.د. محمد المحمدى الماضى أستاذ الإدارة الإستراتيجي
2013-04-11 20:17:37
 
على الرغم من التحديات الضخمة التى واجهتها الدعوة منذ اللحظة الأولى، إلا أن ذلك لم يمنعه صلى الله عليه وسلم من أن يكون على درجة عالية من وضوح الرؤية الإستراتيجية، واستخدام أفضل الإستراتيجيات المناسبة لكل مرحلة من مراحل الدعوة.
إن ما تعارفنا عليه حديثًا من منهج الإدارة الإستراتيجية Strategic Management، وهو المنهج الذى يجب أن تسير عليه أى إدارة عليا ناضجة، قد تم ممارسته على أفضل ما يكون فى كافة مراحل الدعوة.
يتكون هذا النموذج من ثلاث مراحل أساسية هى: صياغة الإستراتيجية، ثم مرحلة التطبيق، وأخيرا مرحلة الرقابة والتقييم، ودون الدخول فى تفاصيل ومصطلحات؛ فإن أعظم ما يميز أى قائد إستراتيجى هو عظمة رؤيته، ووضوحها، ومدى قدرته على أن يجعل كل أتباعه يعيشونها كحقيقة، والأعظم من كل ذلك نجاحه فى أن يجعل كافة جهودهم وأعمالهم تتحول لوضعها موضع التطبيق مهما طال الزمن.
لقد كانت الرؤية فى الحقيقة واضحة ومحددة للرسول منذ اليوم الأول، وفى كل لحظة من لحظات حياته الدعوية بعد ذلك.
ولعل هذا الموقف يوضح ذلك أشد توضيح؛ حيث روى عن عبد الله خباب بن الأرت -رضى الله عنه- قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو متوسد بردة له فى ظل الكعبة، فقلنا: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو لنا؟ فقال: قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له فى الأرض فيجعل فيها، ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه، ما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون (رواه البخارى)، كان من السهل أن يدعو، ولكنه استخدم أعظم أسلوب قيادى، ليس فقط ليربط على قلبه، ويثبته، بل ليجعله يعيش لحظة النصر العظيم الذى يتحقق، فحلق به إلى الرؤية الإستراتيجية العظيمة التى لا يجب أن تغيب لحظة، ليس فقط عن القيادة، وإنما أيضا عن سائر الأتباع، حتى ولو فى أشد اللحظات صعوبة وتحديا.
بل إن أهم ما كان يدعو المشركين إلى السخرية والاستهزاء منه، ما كانوا يسمعونه، أنهم باتباع هذه الدعوة سيملكون العرب، وتدين لهم بها العجم.
لقد كان ذلك بمثابة ضرب من الجنون أن يفكر فيه أحد من العرب مهما كان عظيما، فما بالك بنبى لا يزال مضطهدا ومطاردا هو وأصحابه من قومه (أى فى قمة الضعف والتهديد) كما صور القرآن الكريم تلك المرحلة فى قوله: "وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِى الأرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ" (الأنفال 26).
رغم كل ذلك إلا أن الرؤية والرسالة لم تغب لحظة عن عينى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذهنه، لدرجة أن قومه اتهموه بالجنون، وهذا يدل على عظمة هذه الرؤية ومدى تميزها وجودتها، فكلما كانت تتجاوز الواقع وتقفز على المعقول، وتخترق الحجب، فإنها تكون أعظم جودة.
لقد أخبر القرآن الكريم عن ذلك فى قوله: "وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِى نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ" (الحجر: 6).
ليس النبى محمد وحده، بل سائر الأنبياء والرسل، وكافة من سوف يسير مسارهم، ويقود التحولات التاريخية الكبرى مثلهم، فإن التهمة المشتركة لهم من جانب أقوامهم هى الجنون، كما يذكرها القرآن فى قوله تعالى: "كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ" (الذاريات)
لقد ظل رسول الله صل الله عليه وسلم يعيش الرؤيا غير الواقعية هذه ويذكر بها أصحابه حتى فى أشد اللحظات حرجا، مثل يوم الأحزاب حيث عرض للمسلمين فى بعض الخندق صخرة عظيمة شديدة لا تأخذ فيها المعاول، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآها أخذ المعول وقال: بسم الله، وضرب ضربة فكسر ثلثها وقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام، فقطع ثلثًا آخر فقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح فارس، والله إنى لأبصر قصر المدائن الأبيض، ثم ضرب الثالثة فقال: بسم الله، فقطع بقية الحجر فقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن والله إنى لأبصر أبواب صنعاء من مكانى الساعة.
ستلاحظ بكل وضوح أنه كلما كانت الظروف أشد ظلمة وصعوبة، كان الرسول أكثر يقينا وتبشيرا بالرؤية التى كانت تبدو حينئذ أمام ضعفاء الإيمان، ومنعدمى اليقين من المنافقين قمة الغرور واللامعقول، تماما كما كان مشركو مكة يقولون جنونًا، فإن منافقى المدينة كانوا يعتبرون ذلك غرورًا، ولعل ما يصوره القرآن عن ذلك الموقف يعد أفضل تعبير، حيث يقول بمناسبة هجوم الأحزاب: "إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا هُنَالِكَ ابْتُلِى الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا" (الأحزاب).
انظر إلى شدة الموقف حتى المؤمنين أنفسهم، ثم يسجل موقف المنافقين المشكك فى بشارته: "وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِى قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا" (الأحزاب 12).
سيظل فى كل زمان ومكان منافقون، ومحبطون ومثبطون، ومعادون لكل من كان له رؤية عظيمة ومختلفة، لكن القيادة العظيمة لا يثنيها عن رؤيتها العظيمة أى صعوبات أو عقوبات مهما كانت عظيمة، كما أنها لا تلتفت لحظة عن هذه الرؤية وتوصيلها وتثبيتها لدى أتباعها مهما كانت آلام الواقع وتحدياته.
ولعل ما نراه الآن فى مصر وهى فى مرحلة غير مسبوقة من مراحل التحولات الكبرى، من تحديات ومشاكل وإشاعات وتضليلات، وإشاعة روح اليأس والإحباط والفزع ليعد قليلاً فى ضوء ما واجه الرسول وأصحابه، انظر مثلا إلى ما أشاعه المنافقون فى المدينة فى غضون غزوة الأحزاب من إشاعة الخوف، وعدم الأمن، والهلع لدرجة أن القرآن يتوعدهم بلهجة شديدة قلما سمعنا مثلها من قبل مثل قوله: "لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِى قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِى الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا" (الأحزاب: 60).
نحتاج بشدة إلى أن نعيش هذه الدروس، قادة وجنودا؛ لنأخذ ونستمد العون للمضى قدما وبثبات؛ لبناء مصر العظمى ما بعد الثورة.
"...كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً  وأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الأمْثَالَ" (الرعد: 17).
لقد كانت رؤيته -صلى الله عليه وسلم- غاية فى اليقين والوضوح، وهى أن الله ناصر هذا الدين ومظهره على الدين كله ليسود على كل من فى الأرض، وقد كان.

ليست هناك تعليقات: