مصر الثورة





سوريا نحن معكم




with you syria

[IMG]http://shams-d.net/up//uploads/images/domain-b9caecbbc3.png[/IMG]




الجمعة، 19 أبريل 2013

الثورية.. قيم وقمم العدالة الاجتماعية ( 1/4 )





· أهمية عدل عمر بن الخطاب
· المساواة وعدل أبي بكر
· التفاوت في عهد عمر
· ثورية عمر بن الخطاب
· النظام الضريبي
· العدل بين الحاكم والمحكوم
· مال الأمة وحد المعيشة
· نصيب الحاكم في المال العام
· نفقات الحكومة
· ثورية علي بن أبي طالب
· شرط الخراج (الضرائب ) معلق على الإصلاح والتعمير
· سياسة جهاز جباية الضرائب
· التكافل الاجتماعي
نسترشد في موضوعنا بفحلين من فحول الفلسفة الاسلامية والفكر الاسلامي للتنظير عن النماذج واللمحات المطلوبة في صفات العدل كقيمة ومبدأ من مبادئ الاسلام التي توضح الرحابة والصدر الواسع كنماذج انسانية تتطلبها الطبائع البشرية , نذكر في موضوعنا أدبيات عربية اسلامية في المقام العام وأدبيات مصرية في المقام الخاص نرجع ونذكر من بينها ماقاله الشيخ الدكتور محمد عمارة ابن الأزهر المحقق وأستاذ الفكر الاسلامي والناقد الأدبي والمفكر الاستاذ الشهيد سيد قطب حول أهمية عدل عمر بن الخطاب الخليفة الراشد والفاروق العادل الحازم الرحيم لتنير ثقافتنا وفكرنا وما نصبو اليه في أهدافنا الثورية ؛ اذ يتساءل الدكتور عمارة لما تجتمع عليه المدارس والمذاهب الفكرية الاسلامية حول اعلاء عدالة ابن الخطاب الفاروق دون اتيان عدالة باقي الخلفاء الراشدين رغم عدلهم الصريح وأمانتهم السامية وخلقهم الرفيع المستمد من المدرسة النبوية هنا نماذج عمرية ونماذج اسلامية ثورية !!
1- أهمية عدل عمر :
يقول الدكتور عمارة : (( ويزيد هذا الأمر أهمية وتميزا أن سفينة العدل الاجتماعي , تلك التي قادها عمر بن الخطاب , قد اكتنفت مسيرتها العديد من الأعاصير والأنواء ..
فأغنياء قريش القدامى وسادة مجتمعها على عهد ماقبل الاسلام أولئك الذين دخلوا الاسلام متأخرين بعد أن لم يكن هناك مفر من الانخراط في المجتمع الجديد ..هؤلاء الأغنياء بدأت تطلعاتهم للتملك والحيازة والاستئثار تبرز في عنف زاد منه إغراء الثروة التي امتلكها المجتمع بعد الفتوحات ..
ونفر من الذين سبقوا الى الاسلام , وفقدوا في سبيل دعوته ودولته ما كان لهم من مال وثراء , لم يجدوا بأسا ولاغضاضة في أن يجتهدوا كل الاجتهاد لتكوين ثروات جديدة تفوق كثيرا ما سبق أن امتلكوا وفقدوا من ثروات ..
وآخرون من المسلمين الذين شبّوا فقراء , أو حتى رقيقا ثم أصبحوا بالاسلام والبلاء والجهاد في سبيله من أعلام المجتمع الجديد , تطلعت نفوسهم إلى حياة الدعة والغني والرفاهية التي تعوض لهم شظف العيش وعناء الجهاد في مجتمع ماقبل الغنى والفتوح ..
وكانت هذه التطلعات , المشروع منها وغير المشروع , تحديات تهدد نهج عمر بن الخطاب في العدل الاجتماعي .. بل لقد تحدث عنها عمر في العديد من المواقفالتي سيأتي حديثنا عنها في مكانها من هذا البحث – حتى لقد رآها معركة وقتالا يدور بينه , كحاكم , وبين الطامعين في موقعه , الطامحين في اختراق الحصار الذي حاصر به هذه التطلعات .. فهو يتحدث , محذرا , عن صعوبة مهمة من سيليه في حكم المسلمين – وكأنه يتنبأ بما حدث في عهد عثمان بن عفان – فيقول : (( … فليعلم من ولي هذا الأمر بعدي أنه سيريده عنه القريب والبعيد ..وأيم الله ما كنت إلا أقاتل الناس عن نفسي قتالا ؟! )) .
[ ابن سعد ( الطبقات الكبرى ) ج3 ق1 ص 206 ]
· وعدل عمر بن الخطاب , الذي تمثل في فكره وتطبيقاته التشريعية والتنفيذية وفي سلوكه , قد تميز عن عدل خلفاء آخرين حكموا فعدلوا هم أيضا , تميز باجتماع القلوب على السكينة إليه والعقول على تأييده , والتيارات الفكرية الأساسية في تاريخنا وتراثنا بالاجماع على سلامته من النقد والتجريح ..
· فأبو بكر الصديق حكم فعدل .. ولكنه قال عن مساواته بين الناس في العطاء ( المعاش ) : إنها ضرورة تحتمها قلة المال كما أن حكمه وخلافته – لاعدلهكانتا موطن نزاع … فعلي بن أبي طالب وفريق من بني هاشم ومن الصحابة قد امتنعوا عن البيعة له نحوا من ستة أشهر , أي قرابة ربع المدة التي حكم فيها .. وسعد بن عبادة , وهو من أكبر زعماء الأنصار وأعظم بناة الدولة الاسلامية , وأحد النقباء الاثني عشر الذين عقدوا مع الرسول عقد تأسيسها في بيعة العقبة .. سعد بن عبادة هذا قد امتنع عن بيعة أبي بكر , بل وعن الصلاة خلفه أو الاقتداء بلوائه في الحج , لأنه كان يريد الخلافة لنفسه وللأنصار .. ومات أبو بكر وخلاف سعد له قائم لم يحدث حوله اتفاق .
· وعثمان بن عفان بلغ اختلاف المسلمين من حول سياسته ونهجه الاجتماعي الى حد الثورة عليه , وهي الثورة التي حاصرته في منزله ومنعت عنه الزاد والماء , حتى تسوّر الثوار داره فقتلوه , رحمه الله وهو يقرأ القرآن !..
· وعلى بن أبي طالب – وهو من قمم العدل في تراثنا العربي وتاريخنا الاسلاميانقسمت الأمة من حوله , وحاربه الأكثرون , وصمد إلى جانب الدفاع عن نهجه الأقلَّون حتى لقي ربه شهيدا !..
· أما عمر .. فإنه يتفرد – مع عدله الاجتماعي – باجتماع الأمة من حوله , والثناء الذي لقيته وتلقاه تجربته السياسية والاجتماعية من التيارات الأساسية في فكر المسلمين وتراثهم عبر تاريخهم الطويل ..
وأكثر من هذا ..فإن عمر ليس بالمشرِّع العادي , حتى تكون تشريعاته في العدل الاجتماعي تشريعات عادية ..فهو أكثر من صحابي .. وأكثر من واحد ممن سبقوا إلى الاسلام ..وأكثر من هذا كله يتميز عمر ويمتاز بعبقرية ملهمة في التشريع , تضفي على تشريعاته في العدل الاجتماعي عبقرية تضعها في مكانٍ عالٍ بين تشريعات غيره من الخلفاء ..
2- المساواة وعدل أبي بكر :
كانت الفتوحات الاسلامية على عهد أبي بكر الصديق تدور أساسا في نطاق شبه الجزيرة العربية , ومن ثم كانت (( الغنائم )) محدودة لاتقارن بتلك التي تحصلت على عهد عمر من فتوحات فارس والشام ومصر .. وكان أبو بكر يوزع هذه الغنائم بالمساواة بين الناس , بصرف النظر عن قرابتهم من الرسول أو بعدهم عنه وبصرف النظر أيضا عن سبقهم إلى الاسلام أو تأخرهم في اعتناق الدين الجديد . ولم تكن هناك نصوص دينية – لافي القرآن ولا في السنة – هي التي حددت لأبي بكر هذه التسوية بين الناس في العطاء ( المعاش ) , وإنما كان اجتهادا من أبي بكر في هذه القضية (( المدنية )) غير الدينية , راعى فيها قلة هذه (( الغنائم )) , ومن ثم فإن المقصود بالتسوية هنا إتاحة حد الكفاف الذي يحفظ للناس الوفاء بضرورات الحياة , فكان العدل يعني في هذا الموقف التسوية بين الناس في العطاء .
3 – التفاوت في عهد عمر :
ولما جاء عمر بن الخطاب , وفتحت في عهده الفتوح , وجاءت الأموال الكثيرة , ودون عمر (( الديوان )) , ألغى نظام المساواة الذي عمل به أبوبكر , ووضع نظاما للعطاء تتفاوت فيه أنصبة الناس , وجعل التدرج قائما على دعامتين :
الأولى مدي القرب أو البعد في النسب , بالنسبة للرسول – عليه السلام - .
الثانية : السبق إلى الاسلام , ومن ثم النضال المبكر في سبيل دولته , أو التأخر في اعتناق الدين الجديد , ومن ثم المساهمة في النضال ضده .
· المصلحة المتناسبة مع مقاصد الشريعة :
وتحكي لنا المصادر الاسلامية التي أرخت لهذا الموقف كيف (( كان أبوبكر الصديق قد سوَّى بين الناس في القِِسَم , فقيل لعمر في ذلك , فقال : لا أجعل من قاتل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كمن قاتل معه ! [ابن سعد ( الطبقات الكبرى ) ج 3 ق 1 ص 213 ].
وكيف قال عمر : (( إن أبا بكر رأي في هذا المال رأياَ ولي فيه رأي آخر )) [ كتاب الخراج , لأبي يوسف ص 43 .]
بل ونفهم من هذه المصادر صراحة ما يؤكد قولنا بأن هذه المواقف إنما كانت من وحي الأوضاع الاقتصادية , ومحكومة بالمصلحة التي تقدرها الدولة , وإنه لم تكن لهذه المسائل علاقة عضوية بأمور الدين – إلا من حيث تحقيقها لمقاصد الشريعة في العدل المحقق لمصلحة مجموع الأمة – يشهد لذلك ويقطع به أن عمر الذي رفض نظام (( التسوية )) في العطاء , واستبدل به نظام التفاوت والتمايز
· العودة لنظام المساواة في العطاء :
عاد في أخريات حياته عندما كثرت الأموال – من جانب – وعندما برزت الفوارق الطبقية وهددت قيمة (( العدل )) التي استهدفها هذا الخليفة العظيم – من جانب آخر – عاد فعزم على الرجوع إلى نظام التسوية في العطاء , فيروي (( أبويوسف )) عن عمر أنه لما رأى المال قد كثر قال : لئن عشت الى هذه الليلة من قابل ( أي من العام القادم ) لألحقن أخرى الناس بأولاهم حتى يكونوا في العطاء سواء )) . [ الخراج لأبي يوسف ص 46] .
يؤكد ذلك رواية اسحق بن حارثة بن مضرب عن عمر قوله : (( لئن عشت حتى يكثر المال لأجعلن عطاء الرجل المسلم ثلاثة آلاف )) [ طبقات ابن سعد ج 3 ق 1 ص 217 ] .
فعمر قد خالف أبا بكر , لأسباب مالية واقتصادية , ثم عزم على العودة الى موقف أبي بكر , لأسباب مالية واقتصادية واجتماعية دون أن يحاول أي منهما الربط بين أي موقف من هذه المواقف الدنيوية المدنية المتغيرة وبين ثوابت الدين إلا من حيث تحقيقها لمقاصد الثوابت الدينية وغاياتها .
د / محمد عمارة – الاسلام والثورة ص 92 – 95
4 – ثورية عمر بن الخطاب :
على أن أخطر المواقف التي واجهت عمر بن الخطاب , وهو يرسي القواعد الاقتصادية والاجتماعية للامبراطورية الجديدة , كان الموقف حيال الأرض الزراعية , الواسعة والغنية , التي فتحتها جيوش العرب المسلمين في المشرق : العراق , وفارس , وفي المغرب : مصر , وفي الشمال : الجزيرة والشام … فلقد أدرك عمر بن الخطاب أن فتوحات دولته لن تمتد في المستقبل القريب إلى ماهو أبعد كثيرا من هذه الحدود التي امتدت إليها , ومن ثم فإن هذه الأرض الخصبة التي ترويها أنهار (( النيل )) و (( بردي )) و (( دجلة )) و (( الفرات )) هي الثروة الرئيسية في هذه الامبراطورية . حاضرا وفي المستقبل المنظور .
ثم نظر الرجل إلى نصوص القرآن , وإلى تطبيقات الرسول ومن بعده أبوبكر , فإذا النصوص والتطبيقات جميعها تعتبر هذه الأرض المفتوحة (( فيئا )) أفاءه الله على الفاتحين , ومن ثم فإن الحكم – حكم القرآن والسنة – هو قسمة هذه الأرض بما عليها ومن فيها من الفلاحين بين الجنود الفاتحين ؟! أي أن القرآن والسنة يقضيان بتمليك هذه الأرض للجنود الفاتحين ملكية خاصة , وبتحويل شعوب هذه البلاد المفتوحة – وبالذات الفلاحون – إلى عبيد أرقاء لهؤلاء الجند الفاتحين ؟!.
ولقد رفض عمر بن الخطاب هذا الموقف رفضا قاطعا … وقرَّر أن الوضع الجديد يطرح قضية جديدة , وأنه لابد من الاجتهاد لاتخاذ موقف جديد يستند إلى تشريع جديد ..وخاض هذا الخليفة العظيم صراعا فكريا عنيفا ضد أغلبية الصحابة وضد الجيوش التي فتحت هذه البلاد حتى انتصر , في النهاية , على كل المعارضين .. وتحولّت إلى جانبه أغلبية هؤلاء المعارضين ! .
· وضع عمر الاجتماعي :
وقبل أن نعرض لوقائع هذا الصراع (( الاجتماعي – الاقتصادي )) , يحسن أن ننبه إلى أن دوافع عمر بن الخطاب إلى اتخاذ موقفه المتقدم هذا لم تكن كلها نابعة من إيمان الرجل بالعدالة الاجتماعية كقيمة مثالية مجردة , فعمر لم يكن الممثل الحقيقي لفقراء القوم , لاقبل إسلامه ولابعد إسلامه , وإنما كان ممثلا للطبقة الوسطى في المجتمع القرشي المتميز في شبه الجزيرة العربية .. وحتى نقطع الطريق على الذين يحلو لهم الجدل في ذلك , نقول : إن عمر نفسه هو الذي يقرِّر لنا هذه الحقيقة الاجتماعية والطبقية , فهو يتحدث عن حقوقه , كأمير للمؤمنين , في بيت مال المسلمين فيقول : إنها حلَّتان : حلَّة في الشتاء , وحلَّة في القيظ , وما أحج عليه وأعتمر من الظهر
( الدواب ) وقوتي وقوت أهلي كرجل من قريش ليس بأغناهم ولا بأفقرهم , ثم أنا بعد رجل من المسلمين يصيبني ما أصابهم ! )) [ طبقات ابن سعد ج 3 ق 1 ص 190 ]
فلا التعلق بقيمة العدالة الاجتماعية بمعناها المجرد والمثالي , ولاكراهة أن تتحول هذه الشعوب الفارسية والشامية والمصرية إلى أرقَّاء , هما كل الأسباب التي وقفت وراء (( ثورة )) عمر بن الخطاب على ماكان يراد بهذه الأرض وهؤلاء الناس من الاقتسام والاسترقاق .. وإنما كانت الضرورات الاقتصادية تلعب دورا هاما في مجموع الأسباب التي جعلت عمر يقرِّر أن تصبح هذه الأرض وأنهارها وقفا على بيت المال , للدولة (( ملكية الرقبة )) فيها – بحكم الاستخلاف عن المالك الحقيقي لها , وهو الله – سبحانه وتعالى – وأن تظل بأيدي فلاحيها , لهم فيها (( ملكية المنفعة )) نظير (( الخراج )) الذي يدفعونه عن مساحتها ( الضرائب ) ..وأن يظل هؤلاء الفلاحون أحرارا يدفعون (( الجزية )) التي تضيف مصدرا من مصادر تمويل بيت المال , مع (( الخراج )) وذلك بدلا من أن تتحول كل هذه الثروة الزراعية والبشرية إلى ملكية خاصة ينفرد بها وبالتمتع بثمراتها الجنود الفاتحون .. رأى عمر ذلك .. ورأى فيه المصدر الرئيسي لمالية الدولة , ولقيامها بنفقاتها المدنية والعسكرية , سواء في عهده أو فيما سيلي عهده من عهود ..
ولقد كان موقف عمر هذا , الذي يمثل تغييرات جذرية في أمر استقرَّت عليه الدولة الاسلامية واستندت فيه إلى نص قرآني ..كان هذا الموقف بمثابة (( الثورة )) في الاجتهاد والتشريع والتطبيق .. ويكفي أن نورد هنا بعض النصوص التي أرخت لهذا الحدث الكبير حتى نعلم ملابساته وما اعترض سبيله .. يقول (( أبويوسف)) : (( ..حدَّثني غير واحد من علماء أهل المدينة قالوا : لما قدم على عمر بن الخطاب جيش العراق , من قبل سعد ابن أبي وقاص شاور أصحاب محمد – صلى الله عليه وسلم – في قسمة الأرضين التي أفاء الله على المسلمين من أرض العراق والشام .. فرأى عامتهم ( أي عامة الناس ) أن يقسمه .. ( وسأل ( بلال بن رباح , الصحابي المشهور ) وأصحابه عمر بن الخطاب قسمة ما أفاء الله عليهم من العراق والشام وقالوا : أقسم الأرضين بين الذين افتتحوها كما تقسم غنيمة العسكر .. وإن أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلّم – وجماعة من المسلمين أرادوا عمر بن الخطاب أن يقسم الشام كما قسم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – خيبر وأنه كان أشد الناس عليه في ذلك الزبير بن العوام وبلال بن رباح .. وكان رأي عبدالرحمن بن عوف أن يقسمه . فما الأرض والعلوج ( الفلاحون الفرس ) إلا ما أفاء الله عليهم . ولما افتتحت أرض مصر بغير عهد , قام الزبير فقال : يا عمرو بن العاص , أقسمتها .. كما قسم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – خيبر .. )) .
وأمام هذه الجبهة العريضة التي ضمت الجند الفاتحين والراغبين في امتلاك أرض مصر والشام والعراق وأنهارها وفلاحيها , كما ضمَّت الصحابة الذين أرادوا التطبيق الحرفي للنص القرآني الذي اعتبر مثل هذه الأرض وأنهارها (( فيئا )) أفاءه الله على الفاتحين لهم أربعة أخماسه تقسم بينهم , كما أرادوا التأسي بما صنع الرسول بأرض خيبر في شبه الجزيرة العربية – غير ملقين بالا إلا تغاير الواقع الجديد .
· أمام هذه الجبهة العريضة وقف عمر ومعه قلة من المهاجرين الأولين فيهم عثمان بن عفان وعلى بن أبي طالب وطلحة وابن عمر .. وتصدَّى عمر لهذه الجبهة العريضة , وقال لهم : (( ماهذا برأي .. ولست أرى ذلك .. والله لايفتح بعدي بلد فيكون فيه كبير نيل ( أي كبير نفع ) , بل عسى أن يكون كلا ً ( عبئا ) على المسلمين فإذا قسمت أرض العراق بعلوجها , وأرض الشام بعلوجها , فما يسد به الثغور ؟ وما يكون للذرية والأرامل بهذا البلد وبغيره من أرض الشام والعراق ؟؟ .. لقد أشرك الله الذين يأتون من بعدكم في هذا الفئ , فلو قسمته لم يبق لمن بعدكم شئ , ولئن بقيت ليبلغن الراعي بصنعاء نصيبه من هذا الفئ ودمه في وجهه ( أي دون أن يطلب ) .. ولو قسمته بينكم إذن أترك من بعدكم من المسلمين لاشئ لهم .. فكيف أقسمه لكم , وأدع من يأتي بغير قسم ؟! .. ))
ولكن هذه الحجج المنطقية والاجتماعية والاقتصادية التي ساقها عمر لم تقنع القوم , فقالوا له : (( أتقف ما أفاء الله علينا بأسيافنا على قوم لم يحضروا ولم يستشهدوا ولأبناء قوم ولأبنائهم ولم يحضروا ؟! ))
· الصراع الاجتماعي يتولد من الاقطاع الاقتصادي – موقف علي الى جانب عمر :
ويقول أيضا الدكتور عمارة تعليقا حصيفا بعد سرد تلك التفاصيل على رؤية السلف الراشدين وبعد نظرهم وفههم لصحيح الدين ومبادئه وعلمهم بمقاصده واجتهادهم في المصالح
(( والأمر الذي يقطع بأن العوامل الاقتصادية والاجتماعية هي التي كانت الأساس في موقف عمر هذا , وفي تشريعه (( الثوري )) الذي (( أمم )) به (( ملكية الرقبة )) لهذه الأرض , هو أن عمر ذاته كان قد فكر في تقسيم هذه الأرض بين فاتحيها , ولكنه بعد دراسة مؤسسة على احصاء عدد الجند ومساحة الأرض وعدد الفلاحين المعرَّضين للرق , عدل عن التقسيم إلى التأميم .. ونحن ننقل هذا الدليل القاطع عن أبي يوسف الذي يروي عن (( محمد بن اسحق عن حارثة ابن مضرب عن عمر بن الخطاب أنه أراد أن يقسم السواد ( أرض العراق ) بين المسلمين , فأمر بهم أن يحصوا , فوجدالرجل يصيب الاثنين والثلاثة من الفلاحين , فشاور أصحاب محمد – صلى الله عليه وسلّم – فقال علي بن أبي طالب : دعهم يكونوا مادة للمسلمين !..))
ودليل آخر يرويه أبو يوسف أيضا عندما يقول : (( بلغنا عن علي بن أبي طالب أنه قال : لولا أن يضرب بعضكم وجوه بعض لقسمت السواد بينكم ! ))
[ كتاب الخراج ص 27 . 36 – مادة للمسلمين أي زيادة متصلة ]
الاسلام والثورة – د/ محمد عمارة ص 102 - 111
* مشكلات زيادة الموارد والثروة واتساع رقعة الأرض الاسلامية :
(1) النهي عن نظام الاقطاع :
فالأرض الزراعية تقرر أن تكون ملكية رقبتها لبيت المال , وأن يكون خراجها مصدرا لمصارف الأمة وجهاز دولتها .. فمنع ذلك التشريع حيازة الجند الفاتح لأودية الأنهار في مصر والشام والعراق وأنقذ الفلاحين في هذه الأرض من وضع الرقيق .
(2) الإقامة الجبرية لأثرياء قريش :
وأشراف قريش , أصحاب التطلعات الطموحة للثراء العريض , حجر عليهم عمر مغادرة العاصمة , فكان الواحد منهم لايغادرها إلا بإذن من الخليفة , ولأجل محدد ! وقال في ذلك عمر قولته الشهيرة : (( لأخذن بحلاقيم قريش لأمنعهم من أن يتجاوزا الحرتين ! ))
(3) إقلال الولايات في العصبيات :
ومن بين ولايات الدولة الاحدى عشرة في الأقاليم , على عهد عمر , لم يكن لقريش إلا ثلاثة ولاة , ولم يكن لبني أمية – الذين تتركز فيهم عصبية قريش – سوى وال ٍ واحد ..
* د. طه حسين ( الفتنة الكبرى ) ج1 ص 73 , 74 , 135 طبعة القاهرة سنة 1970 م.
(4) العودة إلى نظام التسوية في العطاء بعد التفاوت :
وعندما أدرك عمر , أواخر عهده , أن التمييز بين الناس في العطاء قد أحدث – رغم عدله وشدته في الحق ويقظة ضميره كحاكم تؤرقه شئون العدل بين رعيته – تفاوتا في الثراء , عزم على التغيير وأعلن أنه سيعود من العام المالي المقبل إلى سنَّة الرسول وأبي بكر في التسوية بين الناس في العطاء , وقال في ذلك كلماته الشهيرة : (( لو عشت من قابل لسويّت بين الناس في العطاء )) .. بل لقد عزم على جعل هذه التسوية (( بأثر رجعي )) – كما يقول تعبيرنا المعاصرفقال : (( لو عشت من قابل لأخذت فضول – ( زيادات ) – أموال الأغنياء فرددتها على الفقراء )) ولكن عمر اغتيل قبل حلول الموعد الذي ضربه لتنفيذ هذا التغيير !
وبموت عمر , افتقد المجتمع الاسلامي ذلك الحذر وتلك الشدة وهذه الحيطة التي تميز بها ذلك العادل المتفرد .. فاقتحم سادة قريش وأشرافها , خلف بني أمية , الأسوار التي حجزهم عمر ورائها سالكين إلى مطامعهم ثغرات وجدوها في أسلوب الخليفة الجديد عثمان بن عفان ..
الاسلام والثورة – د. محمد عمارة ص 168 , 169.
5 – النظام الضريبي :
فلقد كانت الضرائب على الأرض تعرف لنظمها يومئذ نظامان أساسيان يسمى أحدهما نظام (( المقاسمة )) , ويعتمد على أخذ حصة ونسبة مقررة من المحصول بصرف النظر عن ((المساحة )) المنزرعة وبصرف النظر كذلك عن جودة الإثمار أو عدم جودتها .. ويعرف الثاني بنظام المساحة ويعتمد على تحصيل قدر معين على المساحة المعينة من المحصول المعين ..
وكانت الدولة الفارسية قبل عهد (( كسرى بن قباذ )) ( أنو شروان ) ( 531 – 578 م ) تعتمد نظام المقاسمة , ولما جاء (( كسرى أنو شروان )) أجرى اصلاحات اقتصادية حققت بعض العدالة النسبية , وهي الاصلاحات التي جعلت العرب يصفون هذا الملك بصفة (( العدل )) , وجعلت الرسول – عليه السلام – يقول عن نفسه : (( ولدتُ في زمن الملك العادل كسرى ! )) وكان من أهم إصلاحات كسرى الاقتصادية استبدال نظام (( المساحة )) بنظام (( المقاسمة )) ..
وعندما فتحت الجيوش العربية هذه الأقطار , ودخلت هذه الأرض في تبعية مال المسلمين , كانت تشريعات كسرى أنو شروان , وهي التي عرفت باسم (( وضائع كسرى )) , هي المصدر الذي استلهم منه عمر بن الخطاب تشريعاته الضرائبية على الأرض الزراعية .. فأقر عمر (( وضائع كسرى )) ..
· الماوردي ( الأحكام السلطانية ) ص 148 طبعة القاهر سنة 1973
وظل هذا النظام الذي استعاره عمر بن الخطاب من تشريعات الدولة الفارسية المجوسية معمولا به زمن الخلفاء الراشدين , وبني أمية , وحتى خلافة ((المهدي)) العباسي , الذي عاد بالتشريع الضرائبي للأرض الزراعية الى نظام المقاسمة
· الخراج والنظم المالية للدولة الاسلامية : دكتور محمد ضياء الدين الريس
وفي ختام تلك الجزئية يقول الدكتور محمد عمارة : تؤكد هذه القسمات على الطابع المدني لهذا التنظيم الاقتصادي الذي قام في هذه الامبراطورية , كما تحدد طابع العلاقة بين حركة الاجتهاد والتشريع الاسلاميين وبين الأسس العامة والمبادئ الكلية التي جاء بها القرآن الكريم فيما يتعلق بحياة الناس ودنياهم .. كما تبرز الدور المتميز وغير العادي الذي لعبه الخليفة الثاني عمر بن الخطاب .. ذلك الرجل الذي مازالت عقلانيته – وبخاصة في أمور الدولة والحكم – في حاجة الى من ينفض عنها غبار التاريخ !.
6- العدل بين الحاكم والمحكوم :
لم يؤلف عمر بن الخطاب كتابا يتحدث فيه عن نظريته ومذهبه في العدل الاجتماعي بين الناس .. ولكنه ترك لنا في صفحات التراث كلمات متناثرة , عبّر بها عن آرائه في المواقف المختلفة والمناسبات المتعددة , نستطيع ان نستخلص منها , إذا نحن تأملناها وربطناها بملابساتها ومناسباتها ..
إنه قد حدد لقيام العدل بين الناس وسيادته في مجتمعهم حدا أدنى هو إنصافهم في أمرين :
الأول : الحكم.. أي القضاء وفصل المنازعات ..
الثاني : قسمة العطاء والمال , وما يتعلق بهذا الجانب المادي من شئون المعاش والاقتصاد ..
· نقطة هامة :- هنا نعلم أن العدل عند عمر لايقف عند الإنصاف المعنوي والقضائي والإداري , مما تسميه كثير من الدساتير المعاصرة بالمساواة أمام القانون , وتقف عنده لاتتجاوزه إلى ماعداه من صنوف العدل والمساواة .. وذلك أن عمر يمتد بهذا العدل – بل ويراه نطاق الحد الأدنى منه – إلى الإنصاف في قسمة الثروة والأموال !.
· ولذلك فهو يوصي عماله على الأقاليم بأن يوفروا للناس مايشبع حاجاتهم المعاشية , كبارا كان هؤلاء الناس أم صغارا , فيقول لهؤلاء العمال ( الولاة ) : (( .. وأشبعوا الناس في بيوتهم , واطعموا عيالهم ))..بل ويعتبر إشباع هذه الحاجيات المادية أساسا لابد من توافره كي (( تحسن أخلاق هؤلاء الناس .. )) !
· طبقات ابن سعد ج 3 ق 1 ص 201

ليست هناك تعليقات: