مصر الثورة





سوريا نحن معكم




with you syria

[IMG]http://shams-d.net/up//uploads/images/domain-b9caecbbc3.png[/IMG]




الثلاثاء، 16 أبريل 2013

رؤية الغزالي للاعتدال الاسلامي ..بين الشيوعية والرأسمالية 5



رؤية الغزالي للاعتدال الاسلامي  ..بين الشيوعية والرأسمالية 5

حركات العمال :

توطدت مراكز النقابات في البلاد المتحضرة حتى أصبحت تملي شروطها على أصحاب العمل . وأصحاب اتحادات العمال تحسب الدولة حسابها فيما تضع أو تدع من قوانين !
وهذا إن صح في بلاد أخرى لم تعرف حقيقة أحوالها فلامحل له في بلادنا .
إن العمال هنا -  زراعيين وصناعيين – يسعون لأستكمال ضرورات الحياة أما هناك فيسعون لأستكمال زينتها وبصحبتها .

** وقد ألف العمال في الغرب أحزابا تولت الحكم , وأبدت في ادارته كفاية رائعة . أما في مصر وغيرها من شعوب الشرق فقد ألفت أحزابا هزيلة للعمال , وتولى رياستها نفر درجوا منذ نعومة أظفارهم على وضع أيديهم في قفازات الحرير !
فما لهؤلاء ومشاكل العمل وحقوق العُمال ؟؟.

وفي مصر كثيرا مايسلب الرجل حقه , فإذا أحدث بينه وبين خصمه جدال كان صوت السالب عنيفا قويا . وصوت المسلوب خفيضا محرجا .
ومن ثم تستباح حقوق وتغلق مصانع , أو تؤكل أجور , ويطرد فلاحون . ويولد الاحتجاج على ذلك ضعيفا ميتا , لأن العِزة بالإثم شائعة فينا .

إن الإعتزاز بالنفس قد يكون أمرا مفهوما ومقبولاً عندما يؤدي الرجل واجبه , ويفرغ ذمته , ويستوي سره وعلنه في الاخلاص لعمله , والقيام بحقه وحقوق الناس عنده .

أما التاجر الذي يغشك ثم تحمر عينه غضبا بدل أن يحمر وجهه خجلاَ اذا كشفت أمره .

وأما الموظف الذي يخونك ثم تنتفخ أوداجه كِبرا بدل أن يتوارى شخصه خزيا اذا فُضِح .
فهؤلاء جميعا  معتزون بالإثم مستكبرون بالباطل وينبغي ألا تأخذنا هوادة في رغم أنوفهم وكسر نفوسهم .

العلاقات بين العُمال وأصحاب العمل من المنظور الاسلامي :

للصلات القائمة بين الناس جميعا حدود ينبغي أن نلتزمها , وأن تشرب قلوبنا احترامها , وأن نعلم الصغار والكبار الوقوف عندها .
هذه الحدود تدور حول مبدأ تبادل الواجبات والحقوق !

يؤدي المرء ماعليه من الواجبات ويأخذ ماله من حقوق ..

(( فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت : جاء رجل فقعد بين يدي رسول الله وقال : إن لي مملوكين يكذبونني ويخونونني , ويعصونني , وأشتمهم وأضربهم , فكيف أنا منهم ؟

فقال له الرسول – صلوات الله عليه وسلامه : " إذا كان يوم القيامة يحسب ماخانوك وعصوك وكذبوك , وعقابك إياهم . فإن كان عقابك إياهم على قدر ذنوبهم كان كفافا لك ولاعليك .

وإذا كان عقابك إياهم فوق ذنوبهم اقتص لهم منك للفضل ! "

فتنحى الرجل وجعل يهتف ويبكي , فقال له الرسول : " أما تقرأ قول الله عز وجّل : { ونَضَعُ الموازين القِسط َ ليوم القيامة فلاتُظلم نفسٌ شيئا وإن كان مثقال حبةٍ من خردل ٍ أتينا بها وكفى بنا حاسبين }
فقال الرجل : يارسول الله , ما أجد لي ولهؤلاء بُدا من مفارقتهم . أشهدك أنهم كلهم أحرار ))
[ رواه الترمذي وأحمد ابن حنبل ]

فليس العمال خدما قط لأحد من الناس بخصوصه , وإنما هم خدم لوظائفهم ومعايشهم وأمتهم وبلادهم , وفي هذا الميدان لاتخدش كرامة ولايلحق عار . بل أن أصحاب العمل يشاركونهم هذه الصفقة ويعملون معهم في هذا المضمار .

وقد شاء الإسلام أن يعطي حقوق العمال والخدم الأحرار وحتى الخدم الأرقاء العبيد فقد أراد الإسلام أن يمنحهم الحقوق حتى في ظل رقهم وعبوديتهم حتى يملكون حريتهم الكاملة .

وفي هذا يقول الرسول – صلوات الله عليه : (( للملوك طعامه وشرابه وكسوته , ولايكلف إلا مايطيق . فإن كلفتموهم فأعينوهم . ولاتعذبوا عباد الله خلقا أمثالكم )) [ حديث حسن صحيح رواه ابن حبان عن أبي هريرة ]

ويقول كذلك : (( أكرموهم ككرامة أولادكم وأطعموهم مما تأكلون ))
[رواه ابن ماجة عن أبي بكر ]

ثم يرغب تيسير أشغاله وتخفيف أعبائه (( ماخففت عن خادمك من عمله كان أجرا لك في موازينك )) [ رواه ابن حبان في صحيحه والبيهقي في شعب الإيمان ]

يقول الغزالي : لكن هذه التعاليم المثالية وكلت الى الذمم والضمائر وأبعدت عن سلطة الدولة وقوانينها . فما هي إلا سنين حتى تبخرت من الرؤوس وتسربت من المجتمع واقترن بهذا الرق من الأسى واللؤم ماحمل العالم على استئصال شأفته وقطع دابره .

وتم هذا العمل بعيدا عن رجال الدين فكان أرضى لرب الدين رب العالمين والعبرة المستفادة من هذا الدرس الفريد أن العلاقات بين العمال ورؤسائهم لايجوز أن تترك بعيدا عن هيمنة القانون الصارمة . بل لابد  أن تخضع لرقابة الدولة وسلطتها , وعلى الدولة أن تجعل الصلة بين هؤلاء وأولئك صلة الزمالة بين رجال أحرار جمعتهم ال الحياة على عمل واحد .

حقوق العمال :
للعمال الزراعيين أو الصناعيين حقوق كثيرة تكافئ الواجبات المرتبطة بأعناقهم وقد وصلت بعض طوائف العمال إلى تقرير مرتبات سخية لها وبقيت الجمهرة الكبرى تعاني كآبة الحاضر وقلق المستقبل وتنتظر مايبت في أمرها , والطبقات العاملة على اختلاف أفرادها وتنوع مهنهم بحاجة إلى ضمانات مادية وأدبية عديدة نذكر في مقدمتها مايتصل بجسم الإنسان والمحافظة على صحته وحمايته من الآفات والعوادي .

1 – المسكن الصحيح :

وإشعار الناس بهذه الحقيقة لم يكن بحاجة إلى تنصيص ديني !
فهو من شئون الدنيا التي يعرفونها بطبيعتهم ويسعون إليها بسجيتهم ولكن الإسلام خشي أن يأتي قوم فيسكنوا الخرائب – باسم الدين .

ويهملون تأسيس بيوتهم وتأثيثها – باسم الإقبال على الآخرة .
فقال النبي – صلوات الله عليه وسلامه - , في ذلك (( ثلاثٌ من السعادة : المرأة تراها فتعجبك وتغيب عنها فتأمنها على نفسك ومالك . والدابة تكون وطيئة فتلحقق بأصحابك . والدار تكون واسعة كثيرو المرافق .

وثلاثٌ من الشقاء : المرأة تراها فتسوءك , وإن غبت عنها لم تأمنها على نفسها ومالك . والدابة تكون قطوفا فإن ضربتها أتعبتك , وإن تركتها لم تلحقك بأصحابك . والدار تكون ضيقة قليلة المرافق .))

[ حديث حسن مستدرك الحاكم عن سعد ]

وقد قيل في ذلك أنه بالأماني يمكن توفير أماكن للسكن للقوى العاملة ولكن هذه المتطلبات لاتحقق , ويقال : أن الحكومة ستبني للفلاحين قرى نموذجية , وهذه الرغبات الطيبة تبدو وتختفي كفقاعات الهواء في البحر المائج ولانجد من يعين على تنفيذها لأنها تولد في محيط مصطخب الشهوات من أهواء الرأسماليين والاقطعايين , ومظهري الحنان الكاذب من الدجالين والجلادين .

2 – الأجر الكافي :

انتهاء العامل من أداء مهمته يجعل أجره أمانة في عنق صاحبه يبقى وديعة لديه إلى آخر الدهر . فإن عزله على حدة بقى له على حالته , وإن أداره في العمل واستغله في جر أرباح زائدة فإن الأجر وأرباحه المضاعفة من حق العامل , وليس لصاحب العمل منه إلا أجر عمله هو فيه , إن شاء أخذه عدلا ً , وإن شاء تركه فضلا ً .

ولذلك يوصي الرسول بحسم هذا الشعور المرير : (( أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه )) [ حديث حسن رواه ابن ماجة عن ابن عمرو ]

ويبقى أن تعرف الأساس الذي تقوم به أجور العمل تقويما لابخس فيه ولاجور .. أيترك ذلك لأريحية أصحاب العمل ؟ لا !.

أيترك ذلك للعامل نفسه ؟ لا !

فتلك أسس تعمل الأثرة فيها عملها وتترك مجال النزاع قائما بين الفريقين لاتهدأ له حدة . وخير الحلول لهذه المشكلة أن يربط أجر العامل بحالة المعيشة العامة من غلاء أو رخص  , وحالة الأرباح الأخيرة من قلة أو كثرة وحالة الفرد نفسه من نشاط وبلادة .
فقد اتضح أن بعض الشركات تربح القناطير المقنطرة من الذهب والفضة وتضمن على موظفها بثمن بخس دراهم معدودة .
فمن المبادئ المعقولة , بل التي يحتضنها الدين احتضانا , أن تراعي الأمور الثلاثة الآنفة في تقدير الأجر الكافي للعامل .

3 – تحديد ساعات العمل :

والله سبحانه يبين للرسول العظيم منهاج حياته – ولنا فيه أسوة حسنة – فيقول له : { ماأنزَلنا عَليكَ القرُآنَ لِتَشقَىَ } [ سورة طه : آية 2 ]
والرسول كذلك يزيد الأمور وضوحا للناس : (( روحوا القلوب ساعة بعد ساعة فإن القلوب إذا كلت عميت ))

ونصوص الدين إذا استهديناها , وروحه اذا إستوحيناها , تشير إلى أن الإستمرار في الأعمال إلى حد الإرهاق أمر لايأذن به الشرع ولايرضى عنه الله سبحانه .

ومن هنا نعرف حكمة المطالبة بتحديد ساعات العمل وسبب استمساك العمال بها – في الأحوال المعتادة فإن الطبقات الكادحة لاتتكون من قردة وشياطين , بل من أناس لهم مشاعر وعواطف تستحق الاحترام .

على أن تحديد ساعات العمل تشريع يناسب أوقات السِلم خاصة . أما أزمنة الحرب وما يشبهها من الفترات التي تحتاج الأمة فيها إلى أن يضاعف أبناؤها جهودهم , وأن ينتموا جميعا في كتائب العمل المتواصل ليلا ونهارا فإن لاريب لها قوانينها المؤقتة !

لكن الواجب أن يوزع هذا التعب على طبقات الأمة بنسبة عادلة حتى لاتستريح طبقة على حساب الأخرى ! فإذا عادت للسلم لم يبق مسوغ للإرهاق والحرج ولقد كانت نقابات العمال في أقطار الغرب تطالب بأن يكون أسبوع العمل أربعين ساعة . وبذلك يعطى العامل نفسا عميقا في راحته الطيبة .

أما لدينا فقد سمعت من أفواه العمال , ومن الفلاحين المحرومين أن هذه الدنيا ( أشغال شاقة وآخرها الإعدام ) وهذا تعبير يقطر أسى وقنوطا!!!

وعلته أن العامل زراعيا كان أو صناعيا يعتبر آلة من آلات الانتاج الصماء لايزال يستغل حتى يستهلك . فإذا اعتصر خيره وجفف عوده وأصبح لايصلح لشئ رمي به إلى الخارج ليتسول بقية حياته .

العلاقات بين الملاك والفلاحين :

تستخدم الدوائر الزراعية طوائف الأحداث في شتى المناسبات للعمل فيها وأبرك هذه المناسبات وأحللها بالبر والخير تلك التي تهجم فيها أسراب من الدود على الثمار والمحاصيل تحاول الفتك بها فتلجأ هذه الدوائر إلى استيراد الأولاد من القرى الصغيرة .

ومن مواسم هذه الآفات يرتزق جمهور كبير من الفلاحين وأولادهم , بل هي أيام أفراحهم وأعيادهم !! والأجور التي تصرف لأولئك الصغار تافهة يباع فيها الجهد الإنساني بأقل الأثمان .. ومع ذلك لاتصل هذه الأجور إلى مستحقيها كاملة .
فإن السماسرة يفرضون عليها ضرائبهم ويسرقون منها مايمكن الاستيلاء عليه . وهذا حرام لاشك فيه , ونص الرسول على حرمته : (( إياكم والقسامة )) قلنا : وما القِسامة ؟ قال : (( الرجل يكون على الفئام من الناس فيأخذ من حظ هذا وحظ هذا )) [ جديث ضعيف عن أبي داود عن عطاء بن يسار مرسلا ] .

فهل تدري مكاتب العمل الحكومية شيئا عن هذه الأحوال ؟
إن هؤلاء الأولاد يقضون أيام عملهم ولياليها يطعمون شر مطعم ويبيتون شر مبيت ! .

وقد كان عثمان بن عفان يقول :
(( لاتكلفوا الصبيان الكسب , فإنكم متى كلفتموهم الكسب سرقوا ولاتكلفوا المرأة غير ذات الصنعة الكسب , فإنكم متى كلفتموها كسبت بعرضها , وأعفوا إذا أعفكم الله , وعليكم من المطاعم بما طاب منها )) .

ليست هناك تعليقات: