مصر الثورة





سوريا نحن معكم




with you syria

[IMG]http://shams-d.net/up//uploads/images/domain-b9caecbbc3.png[/IMG]




الجمعة، 19 أبريل 2013

الثورية.. قيم وقمم العدالة الاجتماعية (4/4)

الثورية.. قيم وقمم العدالة الاجتماعية (4/4)   




13- التكافل الاجتماعي

لاتستقيم حياة يذهب فيها كل فرد الى الاستمتاع بحريته المطلقة الى غير حد ولامدى , يغذيها شعوره بالتحرر الوجداني المطلق من كل ضغط , والمساواة المطلقة التي لايحدها قيد ولاشرط ؛ فإن الشعور على هذا النحو كفيل بأن يحطم المجتمع كما يحطم الفرد ذاته . فللمجتمع مصلحة عليا لابد أن تنتهي عندها حرية الأفراد ؛ وللفرد ذاته مصلحة خاصة في أن يقف عند حدود معينة في استمتاعه بحريته , لكي لايذهب مع غرائزه وشهواته ولذائذه الى الحد المردي ؛ ثم لكي لاتصطدم حريته بحرية الآخرين , فتقوم المنازعات التي لاتنتهي , وتستحيل الحرية جحيما ونكالا , ويقف نمو الحياة وكمالها عند حدود المصالح الفردية القريبة الآماد . وذلك كالذي حدث في ((حرية )) النظام الرأسمالي , وما صاحبه من نظريات الحرية الحيوانية للشهوات !

والاسلام يمنح الحرية الفردية في أجمل صورها , والمساواة الانسانية في أدق معانيها , ولكنه لايتركها فوضى , فللمجتمع حسابه , وللانسانية اعتبارها , وللاهداف العليا للدين قيمتها . لذلك يقرر مبدأ التبعية الفردية , في مقابل الحرية الفردية , ويقرر الى جانبها التبعية الجماعية التي تشمل الفرد والجماعة بتكاليفها . وهذا ما ندعوه بالتكافل الاجتماعي .والاسلام يقرر مبدأ التكافل في كل صوره وأشكاله . فهناك التكافل بين الفرد وذاته , وبين الفرد وأسرته القريبة , وبين الفرد والجماعة , وبين الأمة والأمم , وبين الجيل والأجيال المتعاقبة أيضا .

الهدف من التكافل القضاء على تضخم الثروة :*

وهناك تكافل بين الفرد وأسرته القريبة : {وبِالوَالدين إحْسانا ً . إما يَبْلُغنَّ عِندك الكِبَرَ أحدهما أو كلاهما , فلاتقل لهما أفٍ , ولاتنهرهما , وقُل لهما قولا كريما , واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وَ قُل لهما قولا كريما , واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربِّ ارحمهما كما ربياني صغيرا } [ سورة الاسراء :23- 24 ]

{ وألوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله } [سورة الأحزاب : 6 ]

وقيمة هذا التكافل في محيط الأسرة أنه قوامها الذي يمسكها ؛ والأسرة هي اللبنة الأولى في بناء المجتمع , ولامفر من الاعتراف بقيمتها ؛ وهي تقوم على الميول الثابتة في الفطرة الانسانية , وعلى عواطف الرحمة والمودة , ومقتضيات الضرورة والمصلحة , كما أنها العش الذي تنشأ فيه وحوله مجموعة الآداب والأخلاق الخاصة بالجنس , وهي في صميمها آداب المجتمع الذي ارتفع عن الإباحية الحيوانية والفوضى الهمجية .

ولقد حاولت الشيوعية أن تقضي على الأسرة بحجة أنها تنمي أحاسيس الأثرة الذاتية , وحب التملك ؛ وتمنع شيوعية الثروة , وشيوعية ملكية الدولة للأفراد …ولكنها فيما يبدو قد فشلت في هذا فشلا تاما , فالشعب الروسي شعب عائلي , وللعائلة مكانها في نفسه وفي تاريخه , فوق أن الأسرة نظام بيولوجي ونفسي لانظام اجتماعي فحسب , فتخصيص امرأة لرجل أصلح بيولوجيا وأفلح لأنجاب الأطفال . وقد لوحظ أن المرأة التي يتداولها عدة رجال تعقم بعد فترة معينة أو لايصح نسلها . أما من الوجهة النفسية فمشاعر المودة والرحمة تنمو في جو الأسرة خيرا مما تنمو في أي نظام آخر

وليست العوامل البيولوجية والنفسية وحدها , فهناك مقتضيات الضرورة والمصلحة التي تربط بين رجل وامرأة لتكوين بيت ورعاية أطفال , ثم العلاقات التي تربط بين أفراد الأسرة الواحدة , وتجعل منهم وحدة اجتماعية متعاونة في الخير والشر , متكافلة في الجهد والجزاء , جيلا بعد جيل .

ومن مظاهر التكافل العائلي في الاسلام ذلك التوارث المادي للثروة المفصل في الآيات التاليات : (( يُوصيكم الله في أولادِكُم للذَّكَرِ مثل حظِّ الأنثيين , فإن كُنَّ نِساءً فوق اثنتين فلهُنََّ ثلثا ما تَرَك , وإن كانت واحدة فلها النصف , ولأبويه لكل واحدٍ منهما السُدُس مما ترك . إن كان له ولد . فإن لم يكن له ولد , وورثه أبواه فلأمه الثلث . فإن كان له إخوةُ فلأمِّه السدس , من بعد وصية يوصي بها أو دين . آباؤكم وأبناؤكم لاتدرون أيهم أقرب لكم نفعا . فريضةً من الله . إن الله كان عليما حكيما . ولكم نصف ُ ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولدٌ , فإن كان لهنَّ ولدٌ فلكم الرُبع مما تركن من بعد وصيةٍ يوصين بها أو دين , ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد , فإن كان لكم ولد فلهن الثُمُن مما تركتم . من بعد وصيةٍ توصون بها أو دين )) .

[ سورة النساء : 11-12 ]

(( يستفتونك . قُل : الله يُفتيكم في الكلالة : إن امرؤٌ هلك ليس له ولد وله أختٌ فلها نصف ماترك , وهو يرثها إن لم يكن لها ولد , فإن كانتا اثنتين فلها الثلثان مما ترك ؛ وإن كانوا إخوة ً رجالا ونساءً فللذكر مثل حظ الأنثيين . يُبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شئ ٍ عليم ٌ )) .

[ سورة النساء : 176 ]

أما الوصية التي أشير إليها في الآيتين الأوليين فهي لاتتجاوز الثلث بعد وفاء الدين ولاتكون لوارث , لحديث : (( ولاوصية لوارث )) . [ رواه صاحب مصابيح السنة وقال : إنه حسن ]

إنما شرعت لتدارك بعض الحالات التي لايرث فيها من توجب الصلة العائلية أن يصله المورّث ويبره , ولتكون مجالا لإنفاق شئ من التركة في وجوه البر والخير .

هذا النظام الذي شرعه الاسلام مظهر من مظاهر التكافل بين أفراد الأسرة الواحدة , وبين الأجيال المتتابعة – فوق أنه وسيلة من وسائل تفتيت الثروة لئلا تتضخم تضخما يؤذي المجتمع أما هنا فنكتفي بالقول بأن في نظام الإرث الاسلامي عدلا بين الجهد والجزاء , وبين المغانم والمغارم في جو الأسرة . فالوالد الذي يعمل – وفي شعوره أن ثمرة جهوده لن تقف عند حياته القصيرة المحدودة , بل ستمتد لينتفع بها أبناؤه وحفدته , وهم امتداده الطبيعي في الحياة – هذا الوالد يبذل أقصى جهده , وينتج أعظم نتاجه ؛ وفي هذا مصلحة له وللدولة وللانسانية , كما أن فيه تعادلا بين الجهد الذي يبذله والجزاء الذي يلقاه . فأبناؤه جزء منه يشعر فيهم بالامتداد والحياة .

أما الأبناء فعدل أن ينتفعوا بجهود آبائهم وأمهاتهم , إذ الصلة بين الوالدين والأبناء لاتنقطع لو قطعت صلة الميراث المالي ؛ فالآباء والأمهات يورثونهم صفات واستعدادات في تكوينهم الجثماني , والعقلي ؛ وهذه الاستعدادات تلازمهم في حياتهم , وتفرض عليهم كثيرا من أوضاع مستقبلهم – إن خيرا وإن شرا – دون أن تكون لهم يد في رد هذه الوراثة أو تعديلها . ومهما جاهدت الدولة أو جاهد المجتمع فلن يهب طفلا وجها جميلا إذا ورّثه أبواه وجها قبيحا ؛ ولن يمنحه سلامة أعصاب , واعتدال مزاج , إذا ورثاه اختلالا واضطرابا ؛ ولن يعطيه عمرا طويلا وصحة موفورة , إذا ورَّثاه استعدادات للبلى السريع والمرض الملازم … فإذا كان عليه أن يرث هذا كله غير مخيَّر

وقد ضرب القرآن مثلا للتكافل بين الآباء والأبناءفي قصة موسى – عليه السلاممع عبدالله الصالح الذي قال الله عنه : (( فوَجدا عبْدا من عِبادنا آتيناه رحمة ً من عندنا وعلَّمناه من لدُنَّا عِلما )) .. (( فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قريةٍ استطعما أهلها فأبوْا أن يُضيفوهما , فوجدا فيها جدارا يُريد أن ينقضَّ فأقامه )) . وقد قال له موسى : (( لوشئتَلأتخذت عليه أجرا )) .

[ سورة الكهف : 77 ]

مادام أهل القرية لم يطعموها . فكشف له عن السر في تقويمه للجدار فقال : (( أمَّا الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة , وكان تحته كَنزٌ لهما , وكان أبوهما صالحا , فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما , رحمة من ربك وما فعلته عن أمري )) .

[سورة الكهف : 82 ]

وهناك تكافل بين الفرد والجماعة , وبين الجماعة والفرد . والاسلام يبلغ في هذا التكافل حد التوحيد بين المصلحتين , وحد الجزاء والعقاب على تقصير أيهما في النهوض بتبعاته في شتى مناحي الحياة المعنوية والمادية على السواء .

فكل فرد مكلف أولا أن يحسن عمله الخاص . وإحسان العمل عبادة لله , لأن ثمرة العمل الخاص ملك للجماعة وعائدة عليها في النهاية : (( وقُل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون )) .

[ سورة التوبة : 105]

وكل فرد مكلف أن يرعى مصالح الجماعة كأنه حارس لها , موكل بها . والحياة سفينة في خضم , والراكبون فيها جميعا مسؤولون عن سلامتها ؛ وليس لأحد منهم أن يخرق موضعه منها باسم الحرية الفردية : (( مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا في سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها , فكان الذين في أسفلها إذا استقوا مرُّوا على من فوقهم , فقالوا : لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا ! فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا , وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا )) .

[ البخاري والترمذي واللفظ للبخاري ]

وهو تصوير بديع لتشابك المصالح وتوحدها , بإزاء التفكير الفردي الذي يأخذ بظاهر المعاني النظرية

والتعاون بين جميع الأفراد واجب لمصلحة الجماعة في حدود البِّر والمعروف : (( وتعاونوا على البِّر والتقوى , ولاتعاونوا على الإثم والعُدوان ))

[ سورة المائدة :2 ]

(( ولتكن منكم أمةٌ يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر )) [ سورة آل عمران : 104 ]

وكل فرد مسؤول بذاته عن الأمر بالمعروف , فإن لم يفعل فهو آثم وهو معاقب بإثمه : (( خُذوه فغُلوه , ثم الجحيم صَّلوه ؛ ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه . إنه كان لايؤمن بالله العظيم , ولايَحُضُّ على طعام المسكين , فليس له اليوم هاهنا حميم , ولاطعام إلا من غِسلين ؛ لايأكله إلا الخاطئون )) .

[ سورة الحاقة : 30 – 37 ]

وكل فرد مكلف أن يزيل المنكر الذي يراه : (( مَن رأى مِنكم مُنكرا فليغيِّره بيده , فمن لم يستطع فبلسانه , فمن لم يستطع فبقلبه وهو أضعف الايمان )) [ رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ]

والأمة كلها تؤاخذ وينالها الأذى والعقاب في الدنيا والآخرة إذا سكتت عن وقوع المنكر فيها من بعض بنيها , فهي مكلفة أن تكون قوّامة على كل فرد فيها : (( وإذا أردنا أن نُهلِك قريةً أمرنا مترفيها ففسقوا فيها , فحقَّ عليها القولُ فدَّمرناها تدميرا )).

[ سورة الاسراء :16]

والأمة مسؤولة عن حماية الضعفاء فيها ؛ ورعاية مصالحهم وصيانتها , فعليها أن تقاتل عند اللزوم لحمايتهم : (( وما لَكم لاتُقاتلون في سبيل الله ِ والمُستضعفين من الرجال ِ والنساءِ والوِلدان ِ ؟ ))

[ سورة النساء : 75]

وهي مسؤولة عن فقرائها ومعوزيها أن ترزقهم بما فيه الكفاية ؛ فتتقاضى أموال الزكاة وتنفقها في مصارفها ؛ فإذا لم تكف فرضت على القادرين بقدر ما يسد عوز المحتاجين , بلاقيدولاشرط إلا هذه الكفاية . فإذا بات فرد واحد جائعا فالأمة كلها تبيت آثمة مالم تتحاض على إطعامه : (( كلأ بل لا تُكرِمون اليتيم , ولاتحاضون على طعام المسكين وتأكلون التراث أكلا لمًّا . وتُحبون المال حبا ًّ جَمًّا . كلأ إذا دُكَّت الأرضُ دَكًّا دَكًّا وجاء ربك والمَلَكُ صفاًّ صفًّا ,وجئ يومئذٍ بِجهنم .. يومئذٍ يتذكر الانسان وأنَّى له الذِكرى , يقول يا ليتني قدَّمت لحياتي ! فيومئذٍ لا يُعَذَّب عذابه أحد ولايوُثق وثاقه أحد ))

[ سورة الفجر : 17- 26 ]

وفي الحديث(( أيما أهل عرصة أصبح فيهم امرؤ جائعا فقد برئت منهم ذمة الله تبارك وتعالى ))

[ المسندللامام أحمد بن حنبل نشر الاستاذ أحمد محمد شاكر حديث رقم 4880 ]

و (( من كان معه فضلُ ظهر فليعد به على من لا ظهر له , ومن كان له فضل زاد فليعد به على من لازاد له )) [ رواه مسلم وأبو داود ]

و (( من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث … وإن أربع فخامس أو سادس)) .

[ حديث متفق عليه ]

والأمة المسلمة كلها جسد واحد , يحس إحساسا واحدا , وما يصيب عضوا منه يشتكي له سائر الأعضاء . وهي صورة جميلة أخاذة يرسمها الرسول الكريم فيقول : (( مثل المؤمنين في توادهم , وتراحمهم وتعاطفهم , كمثل الجسد , إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى )) [ حديث متفق عليه ]

وعلى هذا الأساس وضعت الحدود في الجرائم الاجتماعية , وشددت تشديدا . لأن التعاون لايقوم إلا على أساس صيانة حياة كل فرد في دار الإسلام وماله وحرماته : (( كل المسلم على المسلم حرام : دمه وعرضه وماله )) [ رواه الشيخان ]

لذلك شرع القصاص في القتل والجروح جزاء وفاقا . وجعل جريمة القتل كجريمة الكفر في العقوبة : (( ومن يقتل مؤمنا مُتعَمِّدا فجزاؤه جهَّنم خالدا فيها )) [ سورة النساء : 93]

(( ولاتقتلوا النفس َ التي حرَّم الله إلا بالحق , ومن قُتِلَ مظلوما فقد جعلنا لِوليِّه سلطانا ))

[ سورة الاسراء : 33 ]

(( وكتبنا عليهم فيها أنَّ النَّفس َ بالنفسِ , والعينَ بالعينِ , والأنفَ بالأنفِ , والأذنَ بالأذنِ , والسنَّ بالسِّنِ ,والجروح قِصاصٌ ))

[ سورة المائدة : 45]

وحث على القصاص فجعله حياة للأمة : (( ولكم في القصاص حياة ٌ يا أولي الألباب لعلكم تتقون ))

[ سورة البقرة : 179 ]

وإنه لحياة لما فيه من ضمان الحياة بالكف عن القتل , وبما فيه من حفظ كيان الجماعة وحيويتها وتماسكها بوقف الثأر .

وشدد عقوبة الزنا لما فيه من اعتداء على العرض , وعبص بالحرمة , ونشر للفاحشة في الجماعة , ينشأ عن تفككها بعد فترة ؛ وتدليس في الأنساب , وسرقة لعواطف الآباء بالبنوة المزورة !

شدد هذه العقوبة فجعلها للمحصن والمحصنة الرجم , ولغير المحصنين والمحصنات الجلد , وهو متلف في أحيان كثيرة : (( الزانية والزاني فاجلدوا كلَّ واحد ٍ مِنهما مئة جلدة ٍ ولاتأخذكم بِهما رأفة ٌ في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم ِ الآخر ))

[ سورة النور : 2 ]

وجعل العقوبة ثمانين جلدة للذين يرمون المحصنات المؤمنات الغافلات

وشدد عقوبة السرقة لما فيها من اعتداء على أمن الناس ؛ فجعلها قطع اليد : { والسَّارقُ والسَّارِقَةُ فاقطعوا أيديهما , جزاءً بما كَسَبا نَكالا من اللهِ }

[سورة المائدة : 38 ]

ولقد يستفظع بعضهم هذه العقوبة اليوم حين يقيسها إلى سرقة مال من فرد ؛ ولكن الاسلام إنما نظر فيها إلى أمن الجماعة وسلامتها وتضامنها ؛ كما نظر إلى طبيعة ظروفها وإلى الغرض منها ؛ فهي جريمة تتم في الخفاء , وجرائم الخفاء في حاجة إلى تشديد العقوبة ليعدل عنها مرتكبها ….

أما الذين يهددون أمن الجماعة العام في دار الاسلام المحكومة بشريعة الله – فجزاؤهم التقتيل أو التصليب أو تقطيع الأيدي والأرجل أو النفي من الأرض

وهكذا يفرض الاسلام التكافل الاجتماعي في كل صوره وأشكاله , تمشيا مع نظرته الأساسية إلى وحدة الأهداف الكلية للفرد والجماعة ؛ وفي تناسق الحياة وتكاملها . فيدع للفرد حريته كاملة في الحدود التي لاتؤذيه , ولاتأخذ على الجماعة الطريق ؛ ويجعل للجماعة حقوقها

[ العدالة الاجتماعية في الاسلام – الأستاذ الشهيد / سيد قطب : ص 52- 62 ]

ثم ينتقل في تبيان بليغي وممتع الشهيد الأستاذ سيد قطب الى وسائل العدالة الاجتماعية في الاسلام ونحن نقتبس منه تلك الومضات بأريحية عّلنا نفهم المضمون العام والفلسفي الاسلامي بأسلوب اسلامي ارشادي مليئ بآيات الذكر الحكيم والبيان النبوي والمأثور الصالح الراشد ليعِّلم النفس الانسانية مسار الاستقامة المنشود للعدل الانساني بالهداية الربانية التي اكتملت مع الرسالة الخاتمة :

· وسائل العدالة الاجتماعية:

من داخل النفس يعمل الاسلام , ومن أعماق الضمير يحاول الاصلاح ؛ ولكنه لايغفل أبدا عن الواقع العملي في محيط الحياة ؛ ولاعن حقيقة النفس البشرية , وما يعتورها من ارتفاع وهبوط , وتطلع وانكماش , وأشواق طائرة وضرورات مقيدة , وطاقة محدودة على كل حال , دون الكمال المطلق في جميع الأحوال .

وعلى قدر علمه العميق بأغوار النفس البشرية يشرع ويوجه ؛ ويصوغ أوامره ونواهيه ؛ ويضع حدوده وينفذها , ثم يهتف للضمير البشري أن يتسامى فوق التكاليف المفروضة ما استطاع ..

فالتوجيه الوجداني في هذا الدين هو الجزء المكمل للتكليف المفروض فيه ؛ ثم هو الكفيل بتنفيذ هذا التكليف عن طواعية ورضى واقبال , وبمنح الحياة البشرية قيمتها الانسانية الكريمة المترفعة عن القيود والضرورات , وعن ضغط القانون , ودفع التكليف أيضا .

وحينما حاول الاسلام أن يحقق العدالة الاجتماعية كاملة ارتفع بها عن أن تكون عدالة اقتصادية محدودة , وأن يكون التكليف وحده هو الذي يكفلها ؛ فجعلها عدالة إنسانية شاملة , وأقامها على ركنين قويين : الضمير البشري من داخل النفس والتكليف القانوني في محيط المجتمع …غير غافل عن ضعف الانسان وحاجته إلى الوازع الخارجي كما يقول عثمان ابن عفان : يزع الله بالسلطان أكثر مما يزع بالقرآن .

وكل من ينظر في هذا الدين نظرة فاحصة منصفة يدرك الجهد الضخم الذي بذله لتهذيب النفس البشرية من جميع جوانبها وفي جميع اتجاهاتها وملابساتها . فهذا الدين هو الذي يجعل أقصى الثناء على نبيه – صلى الله عليه وسلم – أن يقول : (( وَإنَّكَ لعلى خُلُق ٍ عظيم )) [ سورة القلم : 4 ] فالخلق هو الدعامة الأولى لبناء المجتمع المتماسك الركين , ولأتصال الأرض بالسماء , والفناء بالخلود , في ضمير الانسان الفاني المحدود .

** ولم يبخل الاسلام بثقته على الضمير البشري بعد تهذيبه , فأقامه حارسا على التشريعات ينفذها ويرعاها ؛ وجعل تنفيذ الكثير منها في ضمانته ؛ فالشهادة هي أساس إقامة الحدود في أحوال كثيرة , وفي إثبات الحقوق كذلك . والشهادة مسألة مردها إلى الضمير الفردي , وإلى رقابة الله على هذا الضمير : (( والَّذين يرمون المُحصَناتِ ثم لم يأتوا بِأربعة ِ شُهداءَ فاجلدوهم ثَمانين جلدةً ولاتقبلوا لهم شهادة ً أبدا , وأولئك َ هُم الفاسقون َ)) [ سورة النور : 4 ]… (( والَّذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شُهداء إلا أنفُسُهُم , فَشهادة أحدِهم أربع شَهادَات ٍ بالله إنه لمن الصادقين , والخامِسةُ أن لعنة الله عليه ِ إن كان مِن الكاذبين . ويدرأ عنها العذاب َ أن تَشهدَ أربعَ شَهَادات ٍ بِالله ِ إنه لَمِن الكاذبين , والخامِسَةَ أن غضبَ اللهِ عليها إن كان من الصادقين )) [ سورة النور : 6-9]

والشهادة واجب وتكليف في البدء : (( ولايأب َ الشُهداء ُإذا ما دُعُوا ))

[ سورة البقرة : 282 ] وهي واجب وتكليف عند التقاضي : (( ولاتَكتمُوا الشَّهادة , ومَن يَكتمها فَإنَّه آثِمٌ قلبه )) [سورة البقرة : 283]

وهكذا يمنح الثقة للضمير البشري في الحدود التي قد تصل إلى الجلد والرجم , وفي الحقوق المالية على السواء . وهي ثقة لابد منها لتكريم الانسان ورفعه إلى مستواه المرموق المطلوب .

· ولكن الاسلام لم يدع هذا الضمير لذاته , وهو ينوط به هذه الشئون الخطيرة , ويقيمه حارسا على تنفيذ التشريع والتكليف , ويدعوه إلى السمو فوق ما يوجبه التشريع والتكليف … لقد أقام عليه رقيبا من خشية الله , وصوّر له رقابة الله في صور فريدة رائعة مؤثرة : (( ما يكون مِن نجوى ثلاثةٍ إلا هو رابعهم , ولاخَمسةٍ إلاَّ هو سادسهم , ولاأدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا ؛ ثم يُنبئُهم بما عملوا يوم القيامة . إن الله بِكل شئ ٍ عليم ٌ )) [ سورة المجادلة : 7 ]

(( ولقد خَلقنا الانسان َ ونعلم ما توسوس بِه نَفسه , ونحن أقرب إيه من حبل الوريد . إذ يتلقى المُتلقيان عن اليمين وعن الشِِّمالِ قَعيدٌ , مايلفظ من قول ٍ إلا لديه رقيبٌ عتيد ٌ )) [ سورة ق : 16-18 ]

على هذا الضمير الذي رباه الاسلام , وعلى التشريع الذي جاءت به شريعته . اعتمد في إرساء قواعد العدالة الاجتماعية….

فرض الاسلام الزكاة حقا . في أموال القادرين للمحرومين . حقاَّ تتقاضاه الدولة المسلمة بحكم الشريعة وبقوة السلطان . ولكنه راح يحفز الوجدان على أداء هذا الحق . حتى يجعل أداءه رغبة ذاتية من القادرين على الأداء .

فالزكاة ركن من أركان الاسلام وضرورة من ضرورات الايمان : (( قَد أفلح المؤمنون , الذين هُم في صَلاَتِهم خاشعون , والّذين هُم عن اللغو ِ مُعرِضون , والّذين هُم للزكاة فاعلون )) [ سورة المؤمنون :1-4]

والمُشركون الذين لايؤمنون بالآخرة هم الذين لايؤدُّون الزكاة : (( وويلٌ للمُشركين الَّذين لايُؤتون الزكاة َ وهُم بالآخِرَة ِ هُم كافرون ))

[ سورة فصلت: 6-7 ] . وأداء الزكاة وسيلة من وسائل الحصول على رحمة الله : (( وأقيموا الصلاة , وآتوا الزكاة َ , وأطيعوا الرسولَ , لعلَّكم تُرحمون )) [ سورة النور : 56 ]

والنصر من عند الله لمن يؤدون هذا الحق , ويقومون بواجبهم للمجتمع , فيستحقون التمكين لهم في الأرض : (( ولَيَنصُرَنَّ اللهُ من ينصُرُه إن الله َ لَقويٌ عزيزُ , الَّذين إن مكَّنَّاهم في الأرضِ أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة , وأمروا بالمعروف ِ , ونَهَوا عن المنكر ِ )) [ سورة الحج : 40-41 ]

والزكاة شريعة إنسانية خالدة تضمنتها أوامر الأنبياء قبل الاسلام ؛ فلادين بغير هذا الواجب الاجتماعي العريق . يقول عن إسماعيل : (( واذكُرْ في الكِتابِ إسماعيلَ إنه كان صادق الوعد ِ وكان رسولا نبيا , وكان يأمر أهله بالصلاة ِ والزكاة وكان عند ربِّه مَرضياَّ )) [ سورة مريم :54 – 55 ]

ويقول عن إبراهيم : (( ووهبنا لَهُ إسحاق ويعقوب نافلة ً وكلاَّ جعلنا صالحين , وجعلناهم أئمةَ يهدون بأمرنا , وأوحينا إليهم فِعل الخيرات وإقامَ الصَّلاةِ وإيتاءَ الزكاة , وكانوا لنا عابدين )) [ سورة الأنبياء : 72 – 73 ]

والويل لمن لايؤدي هذا الواجب المفروض . قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : (( من آتاه الله مالا فلم يؤدّ زكاته , مُثِّل له يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان , يُطوِّقه يوم القيامة , ثم يأخذ بلهزمتيه – يعني شدقيه – يقول : أنا مالك , أنا كنزك )) [ البخاري والنسائي ] . وهي صورة مفزعة مروعة مخيفة .

هذه الزكاة حق مفروض بقوة الشريعة , مقدر في المال بحساب معلوم . وبجانبها الصدقة ؛ وهي موكولة لضمير الفرد بلاحساب ؛ وهي وحي الوجدان والشعور , وثمرة التراحم والإخاء اللذين عني بهما الاسلام كل العناية تحقيقا للترابط الانساني والتكافل الاجتماعي

وعلى هذا الأساس يوجه الاسلام إلى الصدقة والبر , ويحبب في الإنفاق طوعا واحتسابا , وانتظارا لرضاء الله وعوضه في الدنيا , ولثوابه في الآخرة , واجتنابا لغضبه ونقمته وعذابه .

فالبشرى للمخبتين الطائعين لله الذين ينفقون من أموالهم لرضاه : (( وبَشِّر ِ المُخبتين َ , الّذين إذا ذُكِر الله وجلت قُلوبهم , والصابرين على ما أصابهم والمُقيمي الصلاةِ , ومما رزقناهم يُنفقون َ )) [ سورة الحج : 34 – 35 ]

كما يصور الايثار صورة جميلة رقيقة في نفوس أهل المدينة الذين استقبلوا المهاجرين فآووهم وشاركهم مالهم وبيوتهم في رحابة صدر وسماحة نفس : (( والَّذين تَبَوأُوا الّدارَ والإيمانَ مِن قَبلِهِم , يُحِبُّونَ مَن هاجرَ إليهم , ولايَجِدونَ في صُدورِهِم حاجَةً ًمِما أوتُوا ويُؤثِرونَ على أنفُسهم ولو كان بِهِم خصاصَةٌ ومَن يُوقَ شُحَّ نَفسِهِ فأولئكَ هُم المُفلحونَ )) [ سورة الحشر : 9 ]

وهي صورة للإنسانية العليا في أجمل صورها وأبدعها

والصدقة قرض لله مضمون الوفاء : (( مَن ذا الّذي يُقرضُ اللهَ قرضا ً حَسَنا فيُضاعفه لَهُ , وله أجرٌ كريمٌ )) [ سورة الحديد :11]

…(( إنَّ الّمُصَّدِّقينَ والمُصَّدِّقات ِ وأقرضوا الله قرضا ً حسَنا يُضاعف لهم , ولهم أجرٌ كريم ٌ ))…

[ سورة الحديد :18]

وعلى أي حال فهي مُخلِفَة وليس فيها خسارة ولاظلم : (( ومَا تُنفقوا مِن خير ٍ فَلأَنْفُسِكُم وما تنفِقون َ إلا ابتِغاء َ وجهِ اللهِ , وما تُنفقوا مِن خير ٍ يُوَفَّ إليكم , وأنتم لاتُظلمون َ )) …

[ سورة البقرة : 272 ]

والانفاق يتسق مع الوفاء بعهد الله والخشية منه والخوف من سوء الحساب , ويدل على العقل والتبصر . والكف عنه قطع لما أمر الله به أن يوصل ؛ ونوع من نقض العهد والافساد في الأرض ….

والامتناع عن الانفاق في سبيل الله هلكة : (( وأنفقوا في سبيلِ الله ِ ولاتُلقوا بأيديكم إلى التَّهلُكة )) [ سورة البقرة : 195]

التهلكة الفردية بتعريض النفس للعذاب في الآخرة من الله , والنقمة في الدنيا من الناس ؛ والتهلكة الجماعية بما يشيعه عدم الانفاق في المجتمع من تفوت وظلم , وفتن وأحقاد, وضعف وانحلال .

الفرق بين الزكاة والصدقة :

وليس الكنز هنا هو مجرد الامتناع عن الزكاة , فالصدقة والإنفاق كثيرا ما يذكران بعد أو قبل ذكر الزكاة , مما يدل على أن الزكاة شئ مفروض محدد , والصدقة والإنفاق مطلقان غير محددين بنصاب … عن أبي أمامة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( يا ابن آدم إنك تبذل الفضل خير لك , وإن تمسكه شر لك ))

[ رواه مسلم والترمذي ]

وجوب الصدقة على الجميع :

والنبي يوجب الصدقة على كل مسلم ولو كان لايجد , وتفسير ذلك قوله – صلى الله عليه وسلم - : (( على كل مسلم صدقة . قالوا : فإن لم يجد ؟ قال : فيعمل بيديه فينفع نفسه ويتصدق . قالوا : فإن لم يستطع أن يفعل ؟ قال : فيعين ذا الحاجة الملهوف . قالوا : فإن لم يفعل ؟ قال فيمسك عن الشر فإنه له صدقة )) [رواه الشيخان واللفظ للبخاري ] …وهكذا سيتوي الناس جميعا في البذل , كل بقدر ما يملك , وكل بقدر ما يستطيع . وأبواب الإنفاق تدور مع الحاجة ومواضعها , فالأقربون أولى بالمعروف ؛ ولكن سواهم موصولون بهم يذكرون في معرض الحض على البر جنبا لجنب مع الأقربين ؛ فالبر عاطفة إنسانية قبل أن تكون وجدان قرابة ؛ وذكر البر موصول غالبا بذكر الإيمان ….

الصفح عن أولى القربى المحرومين رغم ضررهم :

وهكذا يتصل الجار والصاحب بالوالدين والأقربين . كما يتصل بالجميع اليتامى والمساكين وابن السبيل . كلهم سواء , حتى الذين تقع منهم مساءة , كالتي وقعت من (( مسطح )) قريب أبي بكر , الذي اشترك في حديث الإفك عن ابنة أبي بكر , عائشة زوج النبي . فإن الإسلام يدعو للصفح عنهم , وينهى عن حرمانهم . فلما حلف أبو بكر وهو في ثورة غضبه على عرضه المنهوك كذبا , أن يحرم مسطحا ما كان يبره به , نزلت الآية : (( ولا يأْتَل أُولو الفَضل ِ مِنكُم والّسَّعَة ِ أن يُؤْتوا أُولي القُربى والمَساكينَ والمُهاجِرينَ في سَبيلِ الله ِ ولْيَعفُوا وَليَصْفَحُوا . ألا تُحبُّونَ أن يغفِرَ اللهُ لَكُمْ ))

[ سورة النور : 22 ]

وهكذا يرتفع بالشعور الإنساني في هذا المجال إلى مستوى رفيع كريم , تشرف به الإنسانية في أعصارها جميعا ؛ وتفخر به في الماضي والحاضر والمستقبل إلى ماشاء الله . ثم يرتفع بالبر ذاته , فيجعله برا بالله سبحانه , ويرسم له هذه الصورة المبدعة . قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : (( إن الله عز وجل يقول يوم القيامة : يا ابن آدم مرضت فلم تعدني ! قال :يارب كيف أعودك وأنت ربُّ العالمين ؟ قال : أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده ؟ أما علمت أنك لو عدْتَه لوجدتني عنده ؟ يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني ! قال يا رب : وكيف أطعمك وأنت رب العالمين ؟ قال : أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه ؟ أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت َ ذلك عندي ؟ يا ابن آدم استسقيتك فلم تسقني ! قال : يا رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين ؟ قال :استسقاك عبدي فلان فلم تسقه . أما إنك لو سقيته لوجدتَ ذلك عندي ))

[ رواه مسلم ]

آداب الصدقة :

ثم يجعل للصدقة آدابا ترفعها عن أن تكون تفضلا واستعلاء من الواجد على المحروم , أو أن تكون رياء صادرا عن شعور غير كريم ؛ لأن الصدقة إن هبطت دوافعها , أو تبعها المن على آخذها , استحالت عملا خسيسا يؤذي النفس والخلق والضمير , ويؤذي المجتمع كذلك في أفراده وفي روابطه . وليس كالمن بالإحسان شئ يمض النفس ويذلها , أو يصرفها عن قبول الإحسان ؛ وليس كالرياء بالصدقة مفسد للضمير حقير في عرف الأخلاق ….

ولهذا يستحسن إخفاء الصدقة ودفعها سرا للمعوزين . حفظا لكرامتهم من جهة ؛ ومنعا للإختيال والفخر من جهة أخرى : (( إِنْ تُبدُوا الصَّدَقات فَنِعِمَّا هِي ؛ وإن تُخفُوها وتُؤتوها الفُقَراءَ فَهو خيرٌ لكُمْ )) [ سورة البقرة : 271]

ويتحدث النبي – صلى الله عليه وسلم – مثنيا على الرجل (( تصدق بصدقة فأخفاها حتى لاتعلم شماله ماتنفق يمينه )) [ رواه الشيخان ]

وهو تصوير بارع جميل لكتمان البر واحتسابه في غير مفخرة ولا إعلان .

والإسلام يقدر غريزة حب الذات وحب المال ؛ ويقرر أن الشح حاضر في النفس الإنسانية لايغيب : (( وأُحْضِرَتِ الأنفُسُ الشُّحَّ ))

[سورة النساء :128 ] فيعالج هذا كله علاجا نفسيا بما تقدم من الترغيب والتحذير والحض والتصوير , حتى ليتم له مايريد , وحتى ليطلب إلى هذه النفس الشحيحة أن تجود بما هو حبيب إليها عزيز عليها : (( لَنْ تنالوا البِّر حتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ )) [سورة آل عمران : 92]

فتستجيب إليه , وتتلمس الطيب تجود به

ولقد آتى هذا النهج ثمراته كاملة في فجر الإسلام , وظل يؤتيها في فترات القرون الأربعة عشر التي تلت . وإنه لقادر على أن يعيدها في الحاضر والمستقبل , حين يُفهم على حقيقته , وحين يوجه وجهته , وحين يسلك الناس طريقه الحق القويم .

[ العدالة الاجتماعية في الإسلام – الأستاذ الشهيد سيد قطب ص 52 – 74 ]



ليست هناك تعليقات: