مصر الثورة





سوريا نحن معكم




with you syria

[IMG]http://shams-d.net/up//uploads/images/domain-b9caecbbc3.png[/IMG]




الجمعة، 12 أكتوبر 2012

دراويش الناصرية بين مرسى وأردوغان ! 

 



الجمعة 12 اكتوبر 2012

د. حلمي القاعود


رأيت على الشاشة بعض دراويش الناصرية يواصلون وصايتهم المرفوضة على الشعب المصري. لا يتحدثون من منطلق حرية الرأي والتعبير، ولكن يقررون بما لا يقبل الرد أو النقض أنه ينبغي على الرئيس المصري أن يفعل أو لا يفعل، وإلا كان غير جدير بمنصبه ووظيفته. كما يجب على الشعب أن يفعل أولاً يفعل وإلا استحق حكم الإخوان والظلاميين!
من حق الناس جميعًا أن يدلوا بآرائهم ووجهات نظرهم، ولكن ليس من حق بعضهم أن يفرضوا وصايتهم على الجموع كلها بحجة أنهم يرون ما لا تراه هذه الجموع، أو إن هذه الجموع –من وجهة نظرهم -  قاصرة في الفهم والتفكير والتخطيط .
الأقلية الناصرية تحاول أن تبدو أنها الأكثر فهمًا ووعيًا ووطنية وديمقراطية، ولكن الواقع يقول غير ذلك؛ فعشرات الملايين من المصريين يملكون فهمًا ووعيًا ووطنية وديمقراطية تفوق ما تملكه الأقلية الناصرية والمتحدثون باسمها . وهذه الملايين تعرف شيئًا لا تعرفه الأقلية الناصرية، وهو فضيلة التواضع.. التواضع.. التواضع!
كان المتحدث على الشاشة مع صاحبه غاضبين من زيارة الرئيس مرسي لتركيا، واتهماه بالكذب لأنه قال إن وزير الخارجية التركي أول من زاره للتهنئة عقب فوزه بالرئاسة، وزعمًا أن أول من قام بالتهنئة والزيارة هو وزير إماراتي وآخر عراقي، ورأى الناصريان الوصيان أن هذا يعد نفاقًا من رئيس مصر للأتراك!
حسنًا، النفاق مقابل ماذا؟ هل هناك  مصلحة شخصية للرئيس في هذا النفاق؟ لماذا يفعل ذلك؟ المسألة تبدو ذات بعد بعيد لا نفهمه نحن، فالرجل، أي الرئيس، يعرف جيدًا أول من هنأه وأول من زاره لأنه المعني بالموضوع، حتى لوا فترضنا جدلاً أنه نسي –وهذا وارد– فالمسألة لا تعني أنه ينافق الأخوة الأتراك. ولكن الوصاية الناصرية المصنوعة على عين الأمن اللاظوغلي تقرر أن الرئيس منافق وكذّاب! أليسوا معارضين على الطريقة اللاظوغلية التي شرعها الرائد موافي وصبيانه؟
المتحدث على الشاشة يرى أن الزيارة فاشلة، وأن أردوغان انتهازي، وكان يذوب تحت أقدام الاتحاد الأوربي ليقبل تركيا عضوًا فيه، ولما فشل اتجه إلى البلاد العربية ومصر. وأن إصلاحاته في تركيا لا تغفر له سلوكه الذي أدار فيه ظهره لمصر والعرب في أوائل حكمه، وأنه حبس سبعين صحفيًا تركيًا، وأغلق العديد من الصحف وقنوات التليفزيون، وأن المسيحيين الأتراك انخفضوا في عهد أردوغان من 10 % إلى 1 % مما يدل على أنه رجل غير صالح. ويقرر المتحدث الناصري الثوري التقدمي أنه لا يوافق أن يصطحب الرئيس معه رجال أعمال في زياراته الخارجية مثلما حدث في زيارته للصين
تركيا شئنا أم أبينا شقيقة للعرب والمسلمين، والعلاقة بين مصر والأتراك ممتدة في عمق التاريخ إلى ما قبل أربعة قرون، والدماء التركية والمصرية مختلطة في كثير من الأسر على الجانبين، وفي استانبول سوق قائم حتى الآن يسمى سوق المصريين، وقد زرته قبل أعوام. والأتراك يرون الأزهر قبلتهم العلمية ومناط فخارهم وعزهم ومجدهم. وكانت مصر والعرب والمسلمون يرون الدولة العثمانية ردًا قويًا على جرائم الصليبيين ووحشيتهم بعد سقوط الأندلس وبداية الاستعمار الغربي، وسلخ أجزاء عربية وإسلامية وسقوطها في قبضة القراصنة الأوربيين.
وقد تمكن الغرب مع اليهود من تفكيك دولة الخلافة وإنشاء دولة علمانية في تركيا بقيادة كمال أتاتورك الذي ألغي العمامة والطربوش وفرض القبعة، وأزال اللغة العربية وأحل مكانها لغة تركية جديدة تضم أشتات لغات أوربية تكتب بالحرف اللاتيني، وحرّم الأذان بالعربية وشطب الشريعة الإسلامية، ونصب المشانق في ميادين المدن والقرى وعلق عليها علماء الإسلام، وقليل منهم استطاع الهروب بجلده، وقبيل وفاته استدعى أتاتورك السفير البريطاني ليحكم تركيا بعد رحيله ولكن الأخير اعتذر!
ظل الإسلام مطاردًا وملاحقًا ومعتقلاً في تركيا حتى انتصر حزب العدالة والتنمية بفضل الله، وتحولت تركيا من دولة فاشلة مدينة بعشرات المليارات إلى دولة ناهضة ضمن الدول العشر المتقدمة، وفي إبريل القادم تدفع تركيا آخر دولار من ديونها المتراكمة عبر عقود العلمانية المتوحشة.
حكومة أردوغان كانت تعلم جيدا أنها لن تُقبل عضوًا في الاتحاد الأوربي؛ لأن جيسكار ديستان رئيس فرنسا الأسبق أعلن بالفم الملآن أن أوروبة نادٍ مسيحي، أي لا يفتح أبوابه للمسلمين، ولكنها استفادت من سعيها للعضوية في تحرير قوانينها وإرادتها من هيمنة العسكر والحكومة الخفية في تركيا التي كانت تمثلها عصابة "أورجينيكون" ( تشبه الحكومة العميقة عندنا!) .  وقد استطاع حزب الحرية والعدالة التركي أن يقود البلاد إلى "تصفير" مشكلاته الإقليمية والعالمية ، وأن يبني الاقتصاد التركي وفقًا لنظام عملي لا يتيح فرص النهب والسرقة والاختلاس والفساد. في تركيا أربعة بنوك غير حكومية (غير ربوية) تقود الاقتصاد التركي بوعي وذكاء وتشارك المستثمرين ورجال الأعمال في مشروعاتهم وتشتري إنتاجهم وتسوقه، دون أن تعطي مستثمرًا نقودًا في يده يهرب بها إلى الخارج، ويخرج لسانه للسلطة والشعب معًا كما يحدث في مصر! إنها أي البنوك غير الحكومية تدرس المشروع وتقوم بتوفير الأرض والآلات والكوادر العاملة، وتترك للمستثمر واجب العمل والإنتاج
عندما يسافر أردوغان أو جول إلى بلد عربي أو إسلامي أو إفريقي يصحبان معهما عشرات رجال الأعمال والمستثمرين ليكتشفوا فرص العمل والإنتاج المشترك
لم يعرف عن أردوغان أنه تحدى القوانين أو أزري بها في تركيا، فإذا كان الادعاء بحبس الصحفيين وإغلاق القنوات صحيحًا، فلا بد أن القانون هو الذي تحرك .
كنت أتمني من قومنا الناصريين أن يفقهوا شيئًا من الجغرافيا أو التاريخ ليعلموا أن نسبة المسلمين في تركيا كانت تزيد دائمًا على 99% وأن الكلام عن انخفاض نسبة المسيحيين من 10 إلى 1 % مجرد ترهات لا أساس لها في الواقع التركي، ثم إنه لم يسمع أن الحكومة التركية الإسلامية مارست عبر سنواتها الماضية تهجيرًا للمسيحيين أو اضطهادًا لهم.
التعامل مع الأتراك مفيد لمصر اقتصاديًا وسياسيًا، وهي أقرب إلينا من دولة العدو الصهيوني، ومن دول الاستعمار التي لا تشبع نهبًا وهيمنة، وعلاقات الدول أولاً وأخيرًا هي مصالح متبادلة، وليتنا نتعلم من الأتراك الاعتماد على النفس بعد  الاعتماد الله، ونستثمر إمكاناتنا، ونحرك طاقاتنا الكامنة في شتى الاتجاهات لنبني مصر المسلمة بعيدًا عن شعارات عبد الناصر وخطبه التي ما قتلت ذبابة، وإنجازاته الورقية التي جعلت اليهود يحتلون سيناء والقدس والضفة والقطاع وغور الأردن ومزارع شبعا والجولان.. ومعذرة يا دراويش الناصرية، فمصر وتركيا يد واحدة.

 

ليست هناك تعليقات: