مصر الثورة





سوريا نحن معكم




with you syria

[IMG]http://shams-d.net/up//uploads/images/domain-b9caecbbc3.png[/IMG]




الثلاثاء، 16 أكتوبر 2012

مقام الوطن في فكر الإسلاميين

16 أكتوبر 2012




بقلم: ا. د /  محمد عمارة – عضو مجمع البحوث الاسلامية وهيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف .


في معاجم اللغة العربية ـ ومنها‏‏ "لسان العرب‏"‏ لابن منطور‏,‏ و"أساس البلاغة" للزمخشري نقرأ التعريف للوطن باعتباره: المنزل الذي يمثل موطن الإنسان ومحل إقامته, وفيه يكون المولد والمنشأ, وهو الديار التي ينتسب إليها الإنسان, ولها يكون الحنين والولاء والانتماء.

< والقرآن الكريم, الذي مثل ويمثل ديوان الدين والثقافة والمدنية والحضارة, يجعل حب الإنسان لوطنه والديار التي نشأ فيها مساويا لحياة هذا الإنسان, ولذلك تحدث القرآن الكريم عن الإخراج من الديار كمعاول للقتل والإخراج من الحياة, فالتوطن حياة, والحرمان من الوطن موت وموات!: { ولو أنّا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم مافعلوه إلا قليل منهم}..[ سورة النساء:66 ]  { وإذا أخذنا ميثاقكم لاتسفكون دماءكم ولاتخرجون أنفسكم من دياركم } ـ [ سورة البقرة: 84 ] ـ كما ساوي القرآن الكريم بين الإخراج من الديار والحرمان من الوطن وبين الفتنة في الدين, فجعلهما وحدهما المبرر للقتال ـ القتال لتحرير الوطن ومقدراته ولحرية الضمير وتحريره كي يتدين دون إكراه, في إشارة إلي أن الوطن الحر هو الوعاء الذي بدونه لايتأتي قيام كامل الدين, وكامل الحرية في التدين بالدين .


الشيخ رفاعة  الطهطاوي              الشيخ جمال الدين الأفغاني
الشيخ محمد عبده                            الشيخ حسن البنا                                
< وإذا كانت الفطرة السليمة قد جعلت حب الوطن جزءا منها, حتي قال الشيخ رفاعة الطهطاوي في أول نشيد وطني في العصر الحديث:
من أصل الفطرة للفطن بعد المولي حب الوطن
هبة من الوهاب بها فالحمد لوهاب المنن
وإذا كانت هذه الفطرة لاتتخلف عند الإنسان السوي حتي ولو جار عليه الوطن وظلمه وحرمه بعض حقوق المواطنة, حتي لقد قال الشاعر:
بلادي وإن جارت علي عزيزة
وأهلي وإن ضنوا علي كرام
فلقد كان موقف رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ من مكة, عندما ظلمته وعذبته هو وصحابته الكرام, وعندما تعصبت للشرك والوثنية ضد التوحيد, وعندما أخرجت الرسول والذين آمنوا معه من وطنهم.. كان موقف الرسول ـ صلي الله عليه وسلم ـ من هذه البلدة مصداقا لهذه الفطرة الإنسانية السوية, فناجي مكة لحظة فراقه لها فقال:  (( والله إني أعلم أنك أحب البلاد إلي الله, وأحب البلاد إلي نفسي, ولولا أن قومك أخرجوني منك ماخرجت )) .. ولقد ظل حنينه إليها جارفا, حتي لقد كان يدعو ربه ـ وهو بالمدينة ـ أن يحبب إليه المدينة حبه لمكة! وظل هذا الحب للوطن يملأ القلب حتي عاد إلي مكة فاتحا, وحانيا علي مواطنيه الذين عذبوه وجاروا عليه وظلموه!
< ولأن هذه هي مكانة الوطن في الرؤية الإسلامية: النسب الذي ينقذ الإنسان من الضياع, والقبلة التي تتجه إليها الأفئدة بالشوق والولاء والانتماء, قال الإمام محمد عبده.. وهو يفسر قول الله ـ سبحانه وتعالي: { ألم تر إلي الذين خرجوا من ديارهم وهم الوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم }  [ سورة البقرة : 243] ـ قال : (( إن الخروج من الوطن بمعني التفريط في استقلاله موت, بينما الحفاظ علي استقلال الوطن حياة وإحياء )) .
فالهجرة من مكة إلي المدينة كانت إخراجا من الوطن والديار, ولم تكن خروجا, إذ الخروج من الوطن قتل وموات!!
< ولهذه الحقيقة, حقيقة الارتفاع بمكانة الوطن ومحبته والولاء له والانتماء إليه, كان للوطن المصري تحديدا وعلي وجه الخصوص ـ عند رواد اليقظة الإسلامية الحديثة ـ المكانة اللائقة بقدر مصر بين أوطان الشرق الإسلامي, حتي لقد جعلوا لها مكان الإمامة والقيادة والريادة بين أوطان الجامعة الإسلامية, وعلقوا عليها الآمال في قيادة النهضة الشرقية والتصدي لتحديات الاستعمار.. فرائد هذه اليقظة الإسلامية الحديثة… جمال الدين الأفغاني, الذي رفع شعار الجامعة الإسلامية, هو أول من رفع شعار [مصر للمصريين], وأول من أنشأ بمصر [الحزب الوطني الحر].. ولقد كانت سنوات إقامته بمصر (1871ـ1879م] أخصب سنوات عطائه الفكري والسياسي علي الإطلاق.. ولقد عبر عن مكانة الوطن المصري في عقله ووجدانه وجهاده فقال:
 (( مصر أحب بلاد الله إلي, وهي أهم مواقع الشرق, وهي عند المسلمين من الأراضي المقدسة, ولها في قلوبهم منزلة لايحتلها سواها, نظرا لموقعها من الممالك الإسلامية, ولأنها باب الحرمين الشريفين, فإن كان هذا الباب آمنا كانت خواطر المسلمين مطمئنة علي تلك البقاع وعلي سلامة ركن عظيم من أركان الديانة الإسلامية )) .
وعندما نظر الأفغاني إلي المستقبل, علق الآمال علي قيادة الوطن المصري للنهضة الشرقية والبعث الإسلامي, فقال: (( وربما لايكون بعيدا من الواقع ان تصير عاصمة مصر ـ [القاهرة] ـ كرسي مدينة لأعظم الممالك الشرقية. بل لقد كان ذلك أمرا مقررا في أنفس جيرانها من سكان البلاد المتاخمة, وهو أملهم الفرد كلما ألم بهم خطب أو عرض لهم خطر )).
< ولقد استمر هذا الموقف الإسلامي من الوطن المصري عند الشيخ حسن البنا, الذي قال عن مكانة مصر في دعوته وحركته:
 (( إن مصر هي قطعة من أرض الإسلام, وزعيمة أممه, وفي المقدمة من دول الإسلام وشعوبه, ونحن نرجو أن تقوم في مصر دولة إسلامية, تحتضن الإسلام, وتجمع كلمة العرب, وتحمي المسلمين في أكناف الأرض من عدوان كل ذي عدوان, وتنشر كلمة الله وتبلغ رسالته, إننا نحب وطننا مصر, ونحرص علي وحدته, ولانجد غضاضة علي أي إنسان أن يخلص لبلده, وأن يفني في سبيل قومه, وأن يتمني لوطنه كل مجد وفخار, وأن يقدمه في العمل علي ماسواه. وان يقدم في ذلك الأقرب فالأقرب رحما وجوارا… إننا مع دعاة الوطنية, بل مع غلاتهم في كل معانيها الصالحة التي تعود بالخير علي البلاد والعباد, فالوطنية لم تخرج عن أنها جزء من تعاليم الإسلام.
فالدائرة الوطنية ـ في دعوتنا… هي الأساس الأول للنهوض, والوحدة العربية هي الحلقة الثانية في النهوض.
أما الجامعة الإسلامية فهي السياج الكامل للوطن الإسلامي العام. ولاتعارض بين هذه الحلقات الثلاث, لأن كلا منها تشد أزر الأخري, وتحقق الغاية منها, أما إذا أراد أقوام أن يتخذوا من المنادات بالقومية الخاصة سلاحا يميت الشعور بما عداها, فنحن لسنا معهم.. ولعل هذا هو الفارق بيننا وبين كثير منهم ..)).
تلك هي مكانة الوطن, والوطنية, والولاء للوطن, والانتماء إليه, والإخلاص في سبيل حريته وعزته وتقدمه .
وهذه هي مكانة الوطن المصري في فكر أعلام اليقظة الإسلامية الحديثة… لأن هذا الوطن ـ إسلامياـ هو كنانة الله في أرضه, أي خزانة الطاقات والملكات والقدرات التي تعلقت بها آمال الأمة الإسلامية علي اختلاف أوطانها منذ أن دخلت مصر في دين الله,ومنذ أن أوصي رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ صحابته بأهلها خيرا, وبأن يتخذوا من أهلها جندا كثيفا, لأنهم خير أجناد الأرض, ولأنهم في رباط إلي يوم القيامة.
ولقد صدق التاريخ علي هذه النبوءة النبوية:
< فمن مصر خرج الجند الذين اقتلعوا الكيانات الصليبية, التي مثلت أولي الحروب العالمية ضد الشرق الإسلامي, والتي دامت قرنين من الزمان!
< ومن مصر خرج الجند الذين كسروا شوكة التتار الذين هددوا الوجود الحضاري للشرق بالدمار والفناء.
< ومن مصر خرج الجند الذين حاربوا البرتغاليين الصليبيين علي شواطيء الهند سنة 1504م عندما التف هؤلاء الصليبيون حول العالم الإسلامي تمهيدا لضرب قلبه ـ مصر ـ والوطن العربي.
< ومن مصر كان الدعم اللامحدود لحركات التحرر الوطني ضد الغزوة الاستعمارية الحديثة, وكان الرباط علي الثغر الفلسطيني لتحرير الأرض المقدسة التي بارك الله فيها للعالمين.
تلك هي مكانة الوطن في الإسلام وفي فكر الإسلاميين, تتحدي حقائقها أهل الجهالة والتزييف !

ليست هناك تعليقات: