مصر الثورة





سوريا نحن معكم




with you syria

[IMG]http://shams-d.net/up//uploads/images/domain-b9caecbbc3.png[/IMG]




الاثنين، 8 أكتوبر 2012

أيهما الأساس‏..‏ صلاح الدين أم صلاح الدنيا ؟




  بقلم: ا. د. / محمد عمارة


علي عكس ما يظن كثير من الدعاة‏,‏ يؤسس الإسلام صلاح الدين ـ

 بالمعرفة والعبادة علي صلاح الدنيا ـ بتوفير الحاجات الاجتماعية للناس وتيسيرا لمقومات المادية في المجتمع الذي يعيشون فيه..
وعن هذه الحقيقة من حقائق الاجتماع الإسلامي, يقول حجة الإسلام أبو حامد الغزالي,450 ـ505 هـ1058 ـ1121 م]: إن نظام الدين لا يحصل إلا بنظام الدنيا, فنظام الدين.. بالمعرفة والعبادة.. لا يتوصل إليهما إلا بصحة البدن, وبقاء الحياه, وسلامة قدر الحاجات من: الكسوة والمسكن, والأقوات, والأمن..
ثم يستطرد الإمام الغزالي فيقول: ولعمري! إن من أصبح آمنا في سربه, معافي في بدنه, وله قوت يومه, فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها, فلا ينتظم الدين إلا بتحقيق الأمن علي هذه المهمات الضرورية. وإلا فمن كان جميع أوقاته مستغرقا بحراسة نفسه من سيوف الظلمة, وطلب قوت يومه من وجوه الغلبة, متي يتفرغ للعلم والعمل, وهما وسيلتاه إلي سعادة الآخرة؟. فإذن, بان أن نظام الدنيا, أعني مقادير الحاجة شرط لنظام الدين.
هكذا قرر الاجتماع الإسلامي قبل ظهور الفلسفات الاجتماعية الحديثة ـ أن الأمن الاجتماعي, والاطمئنان علي توافر مقومات الاجتماع البشري والعمران الانساني المادية والمعنوية ـ من صحة البدن, إلي بقاء الحياة, إلي حاجيات الكساء والمسكن والأقوات, إلي الأمن ـ جميع ذلك, قد سلكته الرؤية الإسلامية في عداد الضرورات والحاجيات ـ لا مجرد الحقوق أو الكماليات ثم جعلته الفريضة التي تترتب علي إقامتها فرائض الدين وشعائر العبادات.. وانطلاقا من هذه الفلسفة الاجتماعية والإسلامية صيغت العبارة الشهيرة: صحة الأبدان مقدمة ـ بل وشرط ـ لصحة الأديان!.
ولقد جاء الشيخ محمد الغزالي,1335 ـ1416 هـ1917 ـ1996 م] في عصرنا الحديث ـ فصاغ هذه الفلسفة الاجتماعية الإسلامية في عبارته التي قال فيها: إنه من العسر جدا أن تملأ قلب الإنسان بالهدي إذا كانت معدته خاوية, أو أن تكسوه بلباس التقوي إذا كان جسده عاريا.. إنه يجب أن يؤمن علي ضروراته التي تقيم أوده كإنسان, ثم ينتظر أن تستمسك في نفسه مباديء الإيمان.. فلابد من التمهيد الاقتصادي الواسع والاصلاح العمراني الشامل إذا كنا مخلصين حقا في محاربة الرذائل والمعاصي والجرائم باسم الدين, أو راغبين حقا في هداية الناس لرب العالمين بل إن المواطنة ـ التي هي مفاعلة وتفاعل بين المواطن والوطن ـ قد جعل الإسلام لها مضمونا اجتماعيا أي حقوقا اجتماعية للإنسان علي الوطن الذي يعيش فيه, تجعل لهذا المواطن انتماء للوطن, وغيره عليه, وحافزا للتضحية في سبيله, فتحقيق الانتماء الوطني رهن بتحقيق حقوق المواطن في الوطن الذي يعيش فيه.. وفي هذه المعاني الإسلامية قال الإمام علي بن أبي طالب,23 ق. هـ ـ40 هـ600 ـ661 م]: إن الغني في الغربة وطن, وإن الفقر في الوطن غربة, وإن المقل ـ, المحتاج ـ غريب في بلدته! ].. كما اشار ـ رضي الله عنه ـ إلي مسئولية الذين يحتكرون الثروات عن ضمور الانتماء الوطني عند المحرومين من حقوقهم في أوطانهم, فقال: ماجاع فقير إلا بما متع به غني, وإن الله سائلهم عن ذلك!.
وإذا كان صلاح الدين ـ الذي هو معرفة وعبادة ـ مرهونا بصلاح الدنيا, وتوافر الاحتياجات المادية والمعنوية للإنسان.. وإذا كان تحقق معني المواطنة, والانتماء للوطن, والولاء له, والتضحية في سبيله رهنا بتوافر المضامين الاجتماعية لهذه المواطنة.. وإذا كان الإسلام قد حصر أسباب القتال في الدفاع عن الدين والدفاع عن الوطن ـ الذي هو وعاء إقامة الدين,{ لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين. إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا علي إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فاؤلئك هم الظالمون} ـ[ سورة الممتحنة:9,8] ـ.. فلقد شرع الإسلام القتال ـ أيضا ـ للدفاع عن الحقوق الاجتماعية, وللحصول علي الحاجيات المادية والمعنوية التي بدونها لا يقوم التدين الحق بجوهر الدين.. ففي الحديث النبوي: [ من قتل دون ماله فهو شهيد, ومن قتل دون دينه فهو شهيد ] رواه الترمذي.. نعم.. هو شهيد لأنه قتل وهو يجاهد للحصول علي حقه الذي شرعه الله في القرآن الكريم:{ وفي أموالهم حق للسائل والمحروم} ـ [ سورة الذاريات:19 ] ـ..
وفي هذه الحقيقة الاجتماعية ـ التي قررها الإسلام ـ يقول الإمام ابن حزم الأندلسي [ 384 ـ456 هـ994 ـ1064 م]:.. وفرض علي الأغنياء من أهل كل بلد أن يقوموا بفقرائهم, ويجبرهم السلطان علي ذلك, إن لم تقم الزكوات بهم, فيقام لهم بما يأكلون من القوت الذي لابد منه ومن اللباس للشتاء والصيف بمثل ذلك, وبمسكن يكنهم من المطر والصيف والشمس وعيون المارة.
ولا يحل لمسلم اضطر أن يأكل ميتة أو لحم خنزير وهو يجد طعاما فيه فضل ـ[ زيادة] ـ عند صاحبه المسلم أو الذمي.. وله أن يقاتل عن ذلك, فإن قتل فعلي قاتله القود ـ[ الدية] ـ وإن قتل المانع ـ [للمال] ـ فإلي لعنة الله, لأنه مانع حقا, وهو طائفة باغية, قال تعالي: { فإن بغت إحداهما علي الأخري فقاتلوا التي تبغي حتي تفيء إلي أمر الله } ـ[سورة  الحجرات:9 ]ـ.. ومانع الحق باغ علي أخيه الذي له الحق, وبهذا قاتل أبو بكر الصديق ـ رضي الله عنها ـ مانعي الزكاة.
هكذا قرر الاسلام ـ قبل ظهور الفلسفات الاجتماعية الحديثة ـ وقبل ظهور النظريات الاجتماعية ـ الثورية قرر:
ان صلاح الدنيا, بتوفير الحاجيات المادية والمعنوية للإنسان, هو الأساس لصالح الدين, بتمكين الإنسان من المعرفة بالله والعبادة لله.. كما قرر أن الولاء للوطن وإخلاص الانتماء إليه لا يتم إلا بتحقيق المضامين الاجتماعية للمواطنة..
بل لقد ربط الإسلام هذه الحقوق ـ التي هي فرائض شرعية وتكاليف دينية, لا يجوز التنازل عنها حتي بالاختيار!.. ربط هذه الحقوق بالدخول في عهد الله ـ سبحانه وتعالي وعهد رسوله ـ صلي الله عليه وسلم ـ وذلك عندما حذر الأغنياء من خروجهم من عهد الله وذمته إن هم تركوا الفقراء محرومين من الحقوق التي قررها الاسلام في أموال الأغنياء.. فقال صلي الله عليه وسلم:[ أيما أهل عرصة ـ ( مكان ) ـ بات فيهم امرؤ جائعا فقد برئت منهم ذمة الله تعالي] ـ رواه الإمام أحمد ـ.
هكذا يكون الوعي بحقائق الفكر الاجتماعي الاسلامي سبيلا لبلورة الحل الإسلامي لمشكلاتنا الاجتماعية.. بدلا من التسول علي موائد الفلسفات الاجتماعية الغربية التي تتساقط الواحدة منها تلو الأخري!؟

ليست هناك تعليقات: