مصر الثورة





سوريا نحن معكم




with you syria

[IMG]http://shams-d.net/up//uploads/images/domain-b9caecbbc3.png[/IMG]




الأحد، 15 أبريل 2012

مسرحية "الصدأ المسموم"

 

الأحد 15 ابريل 2012

د.إبراهيم البيومي غانم
"الصدأ المسموم" هو أنسب عنوان يمكن أن نصف به إعلان ترشيح عمر سليمان لانتخابات الرئاسة. فبترشيحه برح الخفاء وانكشف المستور، وتجسّد "الطرف الثالث"، أو "اللهو الخفي" عياناً بياناً ولم يعد خافياً على السواد الأعظم من المصريين. صحيح أنّ الرد الشعبي لم يتأخر كثيراً على هذه المهزلة فكانت "مليونية حماية الثورة" بميدان التحرير، وكانت مبادرة مجلس الشعب بإصدار قانون العزل السياسي لرموز النظام السابق من العمل السياسي وحماية الشعب من المحاولات المستميتة التي تقوم بها فلول النظام البائد لإعادة إنتاج سلطة الفساد والفشل والاستبداد، ولكن المخاطر التي كشف عنها ترشح عمر سليمان أكبر وأعمق وأخطر من مجرد كونها محاولة لاقتناص منصب رئاسة الجمهورية لشخص من فلول نظام المخلوع.
مسرحية الفلول باتت مفضوحة، و"سموم الصدأ" الذي يعلو وجوه أبطال هذه المسرحية هو نفسه الذي قتل المواطنين في الحوادث والجرائم المفتعلة التي شهدها شارع محمد محمود، وماسبيرو، والبالون، ومحيط وزارة الداخلية، واستاد بورسعيد، وأمام مجلس الوزراء، وهي نفسها السموم التي انتشرت في جسد المصريين من خلال افتعال أزمات البنزين، والبوتاجاز، والسولار، والغاز، وهي السموم نفسها التي روّعت الآمنين بأعمال السطو والسرقة والاختطاف والاغتصاب وغير ذلك من الجرائم حتى يترحّم الناس على أيام المخلوع، وهي نفسها السموم التي بثّوها في أجساد المصريين على مدى ثلاثين عاماً بالأطعمة الفاسدة، والمبيدات الزراعية المسرطنة، والإهمال الجسيم في كل المرافق والخدمات العامة.
ليس لديّ شك في أنّ السواد الأعظم من المصريين على وعي تام بكل ألاعيب "مسرحية الصدأ المسموم" التي ظنّ أركان النظام البائد أنّ بالإمكان تمريرها والقفز من خلالها إلى السلطة مرة أخرى، فوضوح ألاعيب هذه المسرحية القاتلة لا يترك لها فرصة حقيقية للنجاح، كما لا يترك مجالاً لكثير من التحليلات والتأويلات والتوقعات؛ إذ ليس لها سوى مصير واحد هو الفشل الذريع.
وفي رأيي أنّ التحليل القانوني والسياسي الذي قدّمه النائب البرلماني البارع عصام سلطان لتلك المسرحية المسمومة يكشف لنا جوانب كثيرة من أبعاد هذه المسرحية، ويقدّم في الوقت نفسه حيثيات إصراره على مناقشة وإقرار قانون عزل قيادات النظام السابق حماية الشعب من "صدئهم المسموم"، فهو يرى أنّ مفاتيح ومقدرات السلطة في مصر ظلّت متركزة في أيدي هؤلاء الفلول لعشرات السنين، وأنّ عمر سليمان تحديداً يملك أوراقا ومستندات ومعلومات وبيانات بحكم منصبه السابق كمدير للمخابرات العامة تجعله في موقع بالغ الخطورة على كثيرين من رفاقه السابقين الذين لا يزالون يشغلون مناصب رسمية، من أول المشير وحتى أصغر منصب في الدولة. هذا الشخص (عمر سليمان) من المفترض أن ينافسه البسطويسي وحمدين صباحي أو عبد المنعم أبو الفتوح أو الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل أو خيرت الشاطر أو أيّ أحد من الناس، وهذا هو الظلم عينه، واللامساواة في أجلى صورها؛ حيث لا يمتلك أيّ من هؤلاء فرصة مكافئة لما يمتلكه عمر سليمان من حيث استحواذه على أسرار الدولة بكل تفاصيلها، وهذا معناه أنّ مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص بين سليمان وبين المرشحين الآخرين غير قائم، وعليه فإنّ إقامة هذا المبدأ عزله سياسياً ومن شابهه وفق منطق القانون، ومنطق الشرعية الثورية حتى تتحقق المساواة والعدالة السياسية التي هي من أهم أهداف ثورة كانون الثاني.
كومبارس مسرحية "الصدأ المسموم" من الفلول وأنصارهم من بعض الليبراليين والعلمانيين يحاولون التشويش على قانون العزل بحجة أنّه يجب ألاّ يسري بأثر رجعي، وأنّ الأصل في القانون أن يطبّق بأثر مباشر، وهذه حجة واهية ولا معنى لها على الإطلاق كما يقول عصام سلطان في حواره المنشور بالأهرام يوم 13 نيسان 2012، فالأثر الرجعي يتحقق إذا شمل مراكز قانونية متكونة، أمّا ما نحن بصدده الآن فهو أنّ السيد عمر سليمان ذهب وترك ورقتين في لجنة الانتخابات الرئاسية، ولكن اللجنة لم ترد عليه بالقبول أو الرفض، وبذلك ليس لديه مركز قانوني حتى تقول اللجنة كلمتها يوم 26 نيسان الحالي وتصدر الكشوف النهائية للمرشحين للانتخابات الرئاسية، ولهذا كان من الضروري إصدار قانون العزل في هذا التوقيت؛ لأنه بعد يوم 26 نيسان سيكون لعمر سليمان مركز قانوني متماسك، وإذا طالبنا بتطبيق القانون بعد هذا اليوم سيكون هنا تطبيق القانون بأثر رجعي، وهو ما يدخلنا في إشكالات عدم الدستورية. أمّا إذا طُبّق القانون الآن قبل انتهاء لجنة الانتخابات الرئاسية من عملها فلا مجال لأن يُطبَّق القانون بأثر رجعي!
ما يقال عن سلطة المجلس العسكري والمحكمة الدستورية العليا في إقرار هذا القانون، واحتمال أن يعرقلا إصداره، فهو مثار كثير من اللغط. وفي رأي عصام سلطان أنّ المحكمة الدستورية لها أن تراجع فقط قانون الانتخابات الرئاسية، وقانون العزل السياسي ليس له علاقة بقانون الانتخابات الرئاسية، إنّما له علاقة بقانون إفساد الحياة السياسية وهو ما يُسمى بـقانون الغدر، ومن ناحية أخرى فإنّ المجلس العسكري يقتصر دوره على البصمجي، أيّ أنّ القانون ينتهي في البرلمان، ثم يُرسَل إلى المجلس العسكري ليأخذ الختم وينزل، فإذا امتنع المجلس العسكري عن التصديق على هذا القانون بشعار الجمهورية ويرسله إلى المطابع الأميرية، فمن حق مجلس الشعب استدعاء المشير لمجلس الشعب لمساءلته عن سبب امتناعه، وسيظهر المجلس العسكري في موقف المنحاز لمرشح بعينه، وهو ما دأب على نفيه باستمرار.
من جهتي أشك كثيراً في أن يضع المجلس العسكري نفسه في هذا الوضع الحرج، اللهم إلاّ إذا كان لـ"مسرحية الصدأ المسموم" أبطال آخرون لا نراهم حتى الآن، وقد ينمو هذا الاحتمال على نحو مفاجئ، ومن ثم ستدخل مصر في مرحلة من أصعب مراحل عملية التحول الديمقراطي، وقد تنتكس هذه العملية وهو ما ترغب فيه جهات كثيرة داخلية وخارجية وإقليمية.
ما يثيره الفلول وكومبارس مسرحية الصدأ المسموم عن عدم دستورية قانون العزل السياسي لا معنى له، ولا حجة تدعمه، فالقانون والكلام لعصام سلطان أيضاً دستوري ومن يقولون أنّه غير دستوري يقصدون الأثر الرجعي له، وإذا صدق عليه المجلس العسكري قبل يوم 26 نيسان الجاري فلن تكون هناك أيّ مشكلة.
أوافق عصام سلطان أيضاً فيما ذهب إليه في حواره مع الأهرام من أنّ إغراق الساحة الانتخابية بالمرشحين الإسلاميين خطأ فادح إذا استمروا جميعاً في السباق إلى نهايته، ولكنني كنت ولا زلت أرى أنّ من الأفضل للإسلاميين ولمصر ولعملية التحول الديمقراطي أن يأخذ كل من يرغب في الترشح فرصته كاملة، وأن نعمل بمدأ "دع ألف مرشح يترشح"، من الإسلاميين ومن غير الإسلاميين، وذلك حتى يتمكن كل منهم من أن يعرض على المصريين أفكاره واجتهاداته المستندة إلى مرجعيته، وأن يكون الهدف في مرحلة الترشيح والدعاية هو شحذ همة المرشحين للتفكير ووضع برامج انتخابية تثري الثقافة السياسية للمصريين جميعاً، وللنخبة السياسية خصوصاً. وبالنسبة لتعدد المرشحين الإسلاميين تحديداً فهو فرصة للبرهنة على أنّ لهم مرجعية فكرية واحدة واجتهادات متعددة، ويكون إسهامهم متعدداً في مرحلة الترشيح والدعاية الانتخابية. أمّا في نهاية المطاف فإنّ عليهم أن يوحّدوا صفهم خلف مرشح واحد، ومرشح واحد فقط، أمّا خوض الانتخابات بأكثر من مرشح إسلامي في مواجهة الأطراف الأخرى فنتيجته كارثية ليس فقط على المرشحين الإسلاميين، وإنّما على مصر مستقبل عملية التحول الديمقراطي برمتها؛ إذ سيكون الرابح الأكبر من تعدد المرشحين الإسلاميين هم "فلول النظام البائد" وأبطال مسرحية الصدأ المسموم.
ولهذا لا يختلف اثنان اليوم على أنّ المرشحين الإسلاميين سيرتكبون خطأ فادحاً إذا لم يتمكّنوا من توحيد صفهم، وسيتحملون مسؤولية عظيمة أمام الله وأمام الشعب المصري إذا فاز مرشح من مرشحي الفلول، ليس فقط لأن فوز "فل" منهم، وخاصة إذا كان اسمه "عمر سليمان"؛ سوف يعيد إنتاج نظام الفساد والفشل والاستبداد، وإنّما ايضاً لأنه سيدخل البلد في فتن لا يعلم مداها إلاّ الله. وانظروا إلى وجوه أولئك الفلول وستلاحظون كم علاها من "الصدأ المسموم" الذي لن يبقى ولن يذر، فالحذر الحذر.

 

ليست هناك تعليقات: