مصر الثورة





سوريا نحن معكم




with you syria

[IMG]http://shams-d.net/up//uploads/images/domain-b9caecbbc3.png[/IMG]




الثلاثاء، 10 أبريل 2012

أزمة “التأسيسية”.. الأسباب الحقيقية والأهداف الخبيثة 

 

 

 10 ابريل 2012
د. صلاح عز

ثلاثة "أخطاء" يطالب العلمانيون الإسلاميين بالإعتراف بها والتراجع عنها : تخصيص نسبة 50% لأعضاء الشعب والشورى في الجمعية التأسيسية ــ تأمين أغلبية إسلامية فيها ــ تغييب كفاءات دستورية وقانونية عنها . لو أننا في ظروف عادية ، وفي ظل معارضة تبتغي المصلحة الوطنية ، وتعبر عن معارضتها بأدب واحترام ، لكنت أول من تـفهم هذا المطالب ، ونادى بالإستجابة لها . أما في المناخ المسموم المخيم على الحياة السياسية منذ أكثر من عام ، والذي أحدثـته أقلية منبوذة شعبيا .. وفي ظل حملات إعلامية شرسة وحرب تخوين واغتيال شخصية ، وقلة أدب وبذاءات وأكاذيب كتاب وضيوف الصحف والفضائيات الخاصة ، فإن الوضع يختلف ، وتصبح الأغلبية معذورة في أخطائها وهي تحاول أن تحفظ لناخبيها الأمانة التي إئتمنوها عليها ، والتي تشمل إنتخاب جمعية تأسيسية تضع دستورا متوافقا مع هوية وثـقافة الشعب.

لقد قمت برصد مجموعة من البرامج الحوارية لكي أكشف جانبا من مسألة المشاركة والمغالبة ، لا يلتـفت إليه كثيرون. فعلى الرغم من أن الاسلاميين يمثلون أكبر تيار سياسي في مصر، وأن أغلبيتهم تتجاوز الـ 75% ، فإن القاعدة الثابتة فيما يخص نوعية الضيوف الذين يظهرون في حوارات الفضائيات العلمانية ، هي أن الغلبة لابد أن تكون للعلمانيين . في قضية "تأسيسية الدستور" على سبيل المثال ، كانت النسبة في برنامج منى الشاذلي (4/1) : هي ومحمد نور فرحات وأبوالعز الحريري ونائب لا أذكر إسمه ، مقابل د. محمد البلتاجي .. برنامج حسين عبد الغني (2/1) .. برنامج ريم ماجد (3/صفر) ، و(2/صفر) إتصالات تليفونية .. جيهان منصور (2/1). وفي عرض مقتطفات من الصحف المصرية ، قومية وخاصة ، في البرامج الصباحية ، يتم تجاهل جميع الصحف الإسلامية وعلى رأسها (الحرية والعدالة). أما في الصحف العلمانية ، فالمغالبة تقريبا كالتالي : التحرير (10/صفر) .. اليوم السابع (10/1) .. الشروق (7/2) .. المصري اليوم (20/1). والسؤال هو إذا كان هذا هو سلوك العلمانيين عندما يتحكمون ، فماذا سيكون عليه سلوكهم إذا تبدلت المواقع وفازوا بأغلبية البرلمان؟ وإذا كانت الأغلبية متهمة باحتكار الجمعية التأسيسية ونسبتها فيها لا تتعدى 53% ، فكيف نصف ما يفعلونه هم في صحفهم وفضائياتهم ، وإصرارهم على ألا يتعرض أحد لهيمنتهم المطلقة على الصحافة القومية ؟

إنهم آخر من يحق له أن يتحدث عن الإقصاء والهيمنة. إن أحدا من العلمانيين الليبراليين الذين يكتبون في صحف إقصائية كالمصري اليوم لم يشتكي يوما من تغييب الأقلام الإسلامية عن هذه الصحف . وهؤلاء يدركون خطورة الصحافة والإعلام في هذا العصر، وقدرته على تحويل الأكاذيب إلى حقائق في عقول الناس ، وأن من يملك الهيمنة على هذه المنابر، يستطيع أن يحيل حياة خصومه إلى جحيم ، خاصة وهو يمنعهم من حق الدفاع عن النفس ، تماما كما يجري مع مناصري العرب والفلسطينيين في صحف أمريكية وأوربية. إن هذا السكوت على العنصرية السياسية في (المصري اليوم) ومثيلاتها ، يكشف رضا هؤلاء "الليبراليين" عن الأوضاع التي تترك الساحات الإعلامية والسياسية حكرا لهم .. كما يفضح نيات كتاب هذه الصحف والقائمين عليها ، خاصة في ظل الحرب الدعائية القذرة القائمة الآن ، والتي توحدت فيها جهود الصحف القومية والخاصة والفضائيات من أجل الدفع في إتجاه إنقلاب عسكري أو مدني على العملية الديمقراطية.

كما أنهم آخر من يحق له الحديث عن التوافق ، لأن التوافق روح وإرادة تتوفران في ظل مناخ صحي يقوم على الاحترام المتبادل. فكيف يمكن أن تتوافق : مع من يسبك ويهينك على مدار الساعة ؟ ومع من يعتمد أساليب الترويع وليّ الأذرع لكي يحيل الأغلبية إلى أقلية والعكس ؟ ومع من يسخر من خبراتك وكفاءاتك ، ولا يعترف إلا بما لدى تياره من خبرات وكفاءات ؟ ومع من يعتبر نفسه الأعلم والأفهم والأحكم ؟ ومع من يرفض أصلا وجودك والتعايش معك ويستعلي عليك ، ويعتبرك غير مؤهل للكتابة في صحيفته وغير مؤهل لصياغة دستور، وغير مؤهل للتشريع وللحكم وللسياسة. كل هذه العوائق التي نصبها العلمانيون في طريق التوافق هي التي أدت إلى تعثر وخطأ الأغلبية وهي تسعى إلى تحقيق توافق ، لا أساس له على أرض الواقع . عندما لا تختلف نظرة العلمانيين للتوافق عن نظرة الإسرائيليين للسلام ، فماذا نتوقع غير مناخ مسموم وأزمات لا تنتهي . من المنطقي إذن أن تخطئ الأغلبية وهي تحاول التوافق مع طرف يسعى إلى إقصائها ، ويأخذ على المجلس العسكري أنه سمح لها بالتواجد في الساحة.

كما أنهم آخر من يحق له الحديث عن التغيير. فهم يشتكون أن لا شئ تغير بعد الثورة ، وهم أول من يقاوم ويرفض التغيير.  فبينما إستطاع المجلس العسكري أن يتجاوز علمانيته ، ويطلق الحرية للإسلاميين ويرفع الحظر السياسي عنهم ، عجز المجلس العلماني الذي يقود الحرب على الإسلاميين ، عن الخروج من أسر علمانيته القبيحة ، ويصر على استمرار الحظر السياسي والإعلامي على الإسلاميين وتـقييد حريتهم في التعبير. وحتى عندما أكدت الانتخابات أن الإسلاميين يتمتعون بثـقة الأغلبية الشعبية ، فإن هذا لم يكن له أي أثر على عنصرية القائمين على المجلس العلماني وصحفه وفضائياته ، وما يتسمون به من كبر يجعلهم يتأففون من مشاركة الإسلاميين لهم مساحات صحفهم وساعات بثهم . وكما كانت الإسلامية تهمة في العهد البائد ، فهي ما تزال تهمة بعد الثورة ، حتى وصل خوف وزير التعليم من الإرهاب الصحفي والترويع الإعلامي إلى درجة أنه نفى أي وجود لجماعة الإخوان في الوزارة . كما رأينا كيف أثار وجود الأستاذين صلاح عبد المقصود وقطب العربي ، في اللجنة التنسيقية لمعايير إختيار قيادات الصحف القومية ، زوبعة من الاحتجاجات لا لشئ إلا لأن كل منهما يحمل أفكارا إسلامية. ولا ننسى أن العلمانيين عندما يُـترك لهم الأمر، فإنهم لا يترددون في إقصاء الإسلاميين ، كما فعلوا مثلا في المجلس القومي لحقوق الأنسان.

نعم كان في الإمكان التوصل إلى تشكيل أفضل للجمعية التأسيسية. ولكن تحميل الأغلبية الإسلامية وحدها وزر ما جرى هو قمة التدليس ، لأن التيار العلماني هو المسئول الوحيد عن تسميم أجواء السياسة في مصر. لو أنهم قبلوا بنتيجة الاستفتاء ولم يضغطوا على العسكر للبقاء في السلطة ، ما جرى ما جرى. إن الحرب الإعلامية التي انطلقت ضد الإسلاميين منذ خلع مبارك ، وما صاحبها من إتهامات تخوين وأكاذيب وشائعات رخيصة ، تشبه إلى حد كبير الحملات الإعلامية الأمريكية والأوربية الصهيونية ضد إيران ، والتي تستهدف إستـفزازها حتى تـفقد أعصابها ، ومن ثم إستدراجها إلى الوقوع في الخطأ حتى يمكن تبرير حرب خاطفة وسريعة عليها أمام الرأي العام الغربي. وفي حالتنا ، فإن الهدف من التربص بالإسلاميين ، وإيقاعهم في الخطأ هو تحقيق إنقلاب سريع وخاطف عليهم .. إما أن يكون عسكري باستمرار الضغط على المجلس العسكري في هذا الاتجاه ، أو شعبي من خلال تأليب الرأي العام المصري ودفعه إلى ثورة مضادة . المهم أن يتحقق ذلك قبل أن يأخذ الإسلاميون فرصتهم كاملة في الحكم ، لأن الأمر لو استـقر للإسلاميين فإن نجاحهم في الحكم سيؤدي إلى استمالة الناس إليهم وإفشال المخطط العلماني. وعليه فإن إعاقة وضع الدستور، وما قد يترتب عليه من تأجيل رحيل المجلس العسكري ، يعني إستمرار المناخ المسموم من اضطرابات وقلاقل وانهيار إقتصادي، وهو المناخ اللازم لإنجاز الانقلاب ، وإستعادة الهيمنة العلمانية على مصر وشعبها.

ولأنها المعركة الأخيرة ، فهي الأشد شراسة وعدوانية. وهي الفرصة الأخيرة للاستـقواء بالمجلس العسكري وهو في السلطة ، وإستغلال أزمته مع الإخوان ، حتى يمكّنهم مما لا حق لهم فيه. هذه الدرجة غير المسبوقة من البجاحة والعنجهية الفارغة التي نراها في رفضهم لكل الحلول المطروحة لتجاوز أزمة الجمعية التأسيسية ، تجعلهم يتناسون حجمهم الحقيقي ، ويتصورون أن لهم حق فيتو على الجمعية ، وأن في إمكانهم إبتزاز الأغلبية لكي ترضخ لشروطهم . ولهذا كانت الانسحابات بالجملة ، وترويع وتهديد من يتخلف ، من أجل "تعجيز" الأغلبية ثم فرض الشروط عليها بما يمكّنهم من الهيمنة على أعمال الجمعية وتوجيهها إلى ما يخدم أغراضهم ، أو تعـطيلها بما يبرر للمجلس التدخل لفرض دستورهم أو البقاء في السلطة. ولا جدال في أن القلة المجرمة التي تـقود هذه الحرب نجحت في ترويع وغسل عقول الآخرين الذين انقادوا واستسلموا للضغوط ، ولا يدركون عواقب ما يُساقون إليه. فهل تنجح هذه القلة في إبتزاز وإستـفزاز المجلس العسكري للإنقلاب ، كما حاول أن يفعل ابراهيم عيسى في مقاله الأخير؟

 

ليست هناك تعليقات: