مصر الثورة





سوريا نحن معكم




with you syria

[IMG]http://shams-d.net/up//uploads/images/domain-b9caecbbc3.png[/IMG]




الأحد، 29 أبريل 2012

التشويش بأسطوانات مشروخة




الأحد 8 من جمادي الآخرة 1433 هـ - 29 ابريل 2012 م

جريدة الحرية والعدالة

بقلم : د.إبراهيم البيومي غانم
تحوُّل نوعي كبير حدث في مليونية إنقاذ الثورة بالمحافظات المصرية يوم الجمعة (27 إبريل  2012). فبعد أن كان "ميدان التحرير" هو مركز التظاهرات ومجمعاً واحداً لأغلب المليونيات التي بدأت مع ثورة يناير، انتشرت مليونية الجمعة الماضية واتّسعت حتى غطّت مختلف محافظات الجمهورية في: القاهرة، والإسكندرية، والغربية، والدقهلية، ودمياط، والمنيا، وأسوان، وكفر الشيخ، وأسيوط، والمنوفية…إلخ. ولعل الرسالة الأساسية التي أرسلها المتظاهرون من خلال هذا الانتشار الجغرافي الواسع هي أنّه بالرغم من أهمية ميدان التحرير ورمزيته التي لا يختلف عليها أحد؛ إلاّ أنّ روح الثورة ليست فقط متركزة فيه، وإنّما هي متغلغلة أيضاً في جميع أنحاء البلاد.. هذا من جهة، وأنّ روح هذه الثورة تنزع من جهة أخرى للتخلص من "المركزية" الشديدة في العاصمة، وتتجه نحو "اللامركزية المرنة" التي لا تترك للعاصمة وحدها حق الانفراد باتخاذ القرارات المصيرية للبلاد.
 التيار الإسلامي ومعه القوى والأحزاب التي شاركته في مليونية الجمعة الماضية أراد أن يبرهن على إيمانه بهذا التوجه نحو "اللامركزية"؛ وإذا صحّ هذا فإنّه يكون قد أمسك بواحدة من المشكلات المزمنة التي عانى منها المصريون عبر قرون طويلة، واستخدمها الطغاة لتثبيت أركان حكمهم وممارسة ظلمهم على مر الزمن. وقد آن الأوان للتخلص من هذه "المركزية" التي ليس لها مثيل في سوئها، والتي كانت دوماً من أهم وسائل ترسيخ الاستبداد، وأداة في يد الحاكم لإذلال المصريين وتكريس الفرعونية السياسية.
سيقول بعضهم: كلا؛ ليس لمليونية الجمعة الماضية هذه الدلالة؛ لأنها ببساطة جاءت في سياق احتدام معركة الانتخابات الرئاسية، وأنّ التيار الإسلامي أراد بهذا الانتشار الجغرافي للمليونية أن يستبق القوى الأخرى بشن حملة دعائية تصل بمرشحه إلى العمق الاجتماعي المصري ذي النزعة المحافظة المتدينة في مراكز ومدن المحافظات الريفية. وأنا أعتقد أنّ العكس هو الصحيح، وإنّ مجيء هذا التحول النوعي للمليونيات في سياق "الانتخابات الرئاسية" هو أقوى برهان على الوعي بأهمية الخروج من "مركزية" العاصمة في كل شيء، واستحواذها على كل شيء، حتى على روح الثورة، لدرجة أن تتصور ثلة قليلة العدد عالية الصوت أنّها وحدها المعبرة عنها من دون جميع المصريين. وانتخابات الرئاسة هي أفضل مناسبة للإعلان عن هذا التوجه اللامركزي؛ لأن "شخص الرئيس" كان في السابق رمزاً لهذه المركزية المقيتة في كل شيء. 
 ولكن في الوقت الذي تتقدم فيه مسيرة السواد الأعظم من المصريين صوب استكمال أهداف ثورتهم، ويصرّون على ممارسة حقهم في الولاية على أنفسهم دون وصاية من "مركزية العاصمة"، بما فيها من بعض النخب المتعالية والمعزولة، في هذا الوقت تتكالب على إرادتهم فلول نظام الرئيس المخلوع ومعهم الخائفون من الإرادة الشعبية، ويبذلون كل ما في وسعهم من الكيد والتدبير وتسخير القنوات الفضائية وغيرها من وسائل الإعلام التي يمتلكونها من أجل هدف واحد ووحيد وهو "التشويش" على هذه الإرادة الشعبية الحرة، ومحاولة جر البلاد إلى الخلف مرة أخرى.
 يشوشون تارة بالقول: إنّ شعبية التيار الإسلامي عامة، والإخوان وحزب الحرية والعدالة خاصة قد تراجعت وتدهورت في الشارع المصري نتيجة فشل "البرلمان" في حل مشكلات الجماهير التي أعطته أصواته.
وتارة بالقول: إنّ جماعة الإخوان وعدت بعدم تقديم مرشح للرئاسة ثم أخلفت الوعد.
وتارة ثالثة يقولون: إنّ انتخابات الرئاسة ليست كانتخابات البرلمان، ولهذا لن يكسبها التيار الإسلامي!
 هذه الاتهامات أو "التشويشات" هي الأكثر شهرة في الهجوم الإعلامي والتحريض اللاأخلاقي ضد التيار الإسلامي بصفة عامة، وضد مرشحيه للرئاسة بصفة خاصة.
ولا يقصّر الفلول ولا الخائفون من الإرادة الشعبية في استخدام أيّ وسيلة في ترويج هذه الاتهامات، بالأخبار الكاذبة والتحليلات السياسية المتحيزة حيناً، وباستطلاعات الرأي المفبركة أحياناً، وبافتعال الأزمات الاقتصادية والأمنية، والإضرار بمصالح الناس والمس بأرزاقهم وأمنهم كي ينفضّ السواد الأعظم من المصريين عن التيار الإسلامي، ويفقد الثقة في ممثليه في البرلمان، ويندم على اختياره لهم.
ولكن كل هذه التشويشات ليست سوى "أسطوانات مشروخة" ملّ الناس من سماعها.
 فالأسطوانة التي يؤكدون فيها على تراجع "شعبية التيار الإسلامي"، تدحضها مشاهد الحشود الجماهيرية في المليونيات التي يدعو إليها التيار الإسلامي، وتكذبها حشود المؤتمرات الانتخابية للدكتور محمد مرسي، مرشح الإخوان وحزب الحرية والعدالة، التي اكتظت بها ملاعب الكرة خلال الأيام الأولى من حملته الانتخابية في مدن: المنصورة، والزقازيق، والإسكندرية، وفي دمياط وفي كثير من الميادين والساحات العامة الأخرى. أصحاب تلك الأسطوانة لا يرون الآلاف المؤلفة من السواد الأعظم من المصريين من مختلف الأعمار والتوجهات والمستويات الثقافية والاقتصادية ومن الرجال والنساء والأطفال وهم يهتفون لمشروع النهضة الذي يحمله التيار الإسلامي، ويرون فقط ما في أسطوانتهم المشروخة من "أرقام ونسب مئوية" تكشف عنها استطلاعات رأي مزورة، تقوم بها صحف سيارة ذات خصومة شديدة مع التوجه الإسلامي من أساسه، أو تقوم بها جهات ومراكز تتدثر برداء العلم، ولكنها تدلّس على المصريين وتشارك في التلاعب بالرأي العام، وسبق لها أن دلّست عليه أكثر من مرة في عهد الرئيس المخلوع، وقبيل انتخابات مجلس الشعب الأخيرة.
 فمثلا استطلاعات "مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء"، كانت وظيفتها الأساسية في عهد المخلوع تجميل وجه نظامه القبيح، والمشاركة في تزييف إرادة المصريين. ولا زلنا نذكر الاستطلاع الذي أجراه ذلك المركز ثم نشره في إبريل 2009، وجاء في بعض نتائجه أنّ 77 % من المصريين راضون عن أداء حكومة أحمد نظيف! وهو اليوم نزيل سجن طرة هو ومن معه من أركان النظام الذي خلعته الثورة. مدير ذلك المركز الذي أشرف على مثل تلك الفبركات، خرج على الرأي العام قبل أيام من "مركز آخر" لاستطلاعات الرأي ليقول في بعض نتائجه أنّ 4 % فقط من المصريين يريدون تطبيق الشريعة الإسلامية(!) وغير ذلك من الترهات التي لا أساس لها من الصحة.
 هذا ما يرددونه بناء على استطلاع للرأي أجروه على عينة محدودة العدد، وبالتلفون الذي لا يعرف فيه المتصل المتصَل به، وبواسطته يمكن فبركة أيّ شيء لأيّ شيء. وليس تلفونهم الذي يجرون به استطلاعاتهم أسوأ من "تلفون" عمرو موسى الذي قال أنّه سيحلّ به جميع مشاكل المصريين إذا انتخبوه رئيساً لهم، فتلفونهم يتلاعبون به بقطاع من الرأي العام، أمّا تلفونه فهو يتلاعب به بعقل الشعب المصري كله، ويستهزئ به، ويتطاول عليه.


 لا يشعر الذين يرددون تلك الأسطوانة المشروخة بالخجل، وهم يؤكدون بناءً على مثل تلك الفبركات أنّ شعبية التيار الإسلامي تراجعت، ويحمّلون مسؤولية هذا التراجع الموهوم على "البرلمان" بحجة أنّه "لم يفعل شيئاً"، والسؤال هو: ما الذي كان يمكن للبرلمان أن يقوم به ولم يفعله؟ وهل البرلمان سلطة "تشريعية ورقابية"، أم هو مجمع لكل السلطات حتى نحاسبه على عدم تنفيذ التشريعات التي أصدرها والمطالبات التي نادى بها أعضاؤه؟


 أمّا أسطوانة الوعد وإخلاف الوعد التي يتّهمون بها التيار الإسلامي لأنه دفع بمرشح لانتخابات الرئاسة بعد أن كان قد أعلن أنّه لن يكون له مرشح فيها، فيبدو أنّ مردديها قد اكتشفوا خيبتهم بسرعة فتوقف أغلبهم عن ترديدها؛ ذلك لأن الإخوان في بداية أيام الثورة كانوا قد اتخذوا قراراً سياسياً من خلال مؤسساتهم الشورية بعدم تقديم مرشح للرئاسة، ولم يقدّموا وعداً أخلاقياً أو وعظياً من فوق منابر الدعوة. والفرق بين "القرار السياسي" و"الوعد الأخلاقي" كبير وواضح، القرار السياسي كالتقدم بمرشح أو تحديد نسبة المترشحين، أو عقد تحالف سياسي مع هذا الطرف أو ذاك، الأصل فيه أنّه مبني على "التغير" والمرونة والدوران مع المصلحة العامة. وليس العيب في تغيير القرار السياسي وإنّما العيب كل العيب هو في تثبيته وتقديسه إذا تغيّرت ظروفه وملابساته. أمّا الوعد الأخلاقي كالصدق والأمانة والتجرد، فحكمه مختلف، والأصل فيه أنّه مبني على الثبات مهما تغيّرت الظروف ومهما كانت الضغوط. وما يعرفه السواد الأعظم من المصريين هو أنّ التيار الإسلامي ظل ثابتاً على مبادئه وأخلاقياته، وقدّم في سبيلها تضحيات هائلة على مدى عشرات السنين.
 بقيت أسطوانة "اختلاف انتخابات الرئاسة عن انتخابات البرلمان"، وهذه سوف تستمر إلى أن يحسم السواد الأعظم من المصريين قرارهم، ويقولون كلمتهم المعبّرة عن إرادتهم الحرة، وساعتها سيتّضح أنّ كل تلك التشويشات لم تكن سوى صدى لأسطوانات مشروخة، وأنّ مردديها لم يكونوا خائفين من جماعة الإخوان ولا من حزب الحرية والعدالة ولا حتى من التيار السلفي بجماعاته وأحزابه المختلفة؛ وإنّما كانوا وسيظلون خائفين من "الإرادة الشعبية" الحرة للسواد الأعظم من المصريين.

ليست هناك تعليقات: