مصر الثورة





سوريا نحن معكم




with you syria

[IMG]http://shams-d.net/up//uploads/images/domain-b9caecbbc3.png[/IMG]




السبت، 28 أبريل 2012

إذن بالاختلاف مع الأستاذ .. هويدي

28 ابريل 2012

د. صلاح عز
عاد الأستاذ فهمي هويدي من الكويت عام 1986 ليبدأ كتابة مقاله في (الأهرام). وفي العام نفسه عدت من الولايات المتحدة لأبدأ لقائي الأسبوعي مع مقال الأستاذ. ثم إلتـقيت به في نادي هيئة التدريس ، واستمرت معرفتي به حتى اليوم . طوال ما يزيد عن الربع قرن تعلمت الكثير منه ، وكان له الفضل في تعديل وترشيد الكثير من أفكاري . بالنسبة لي هو الأستاذ بحق ، والمفكر الأول والمحلل السياسي الأكبر على مستوى المنطقة .. يقابله في الغرب شخصيات بقامة ناعوم تشومسكي المحظور عليه الكتابة في كبريات الصحف الأمريكية. لا أذكر أني اختلفت مع الأستاذ على شئ كتبه إلى أن طالعت مقاله الأخير في (الشروق) الذي ركز فيه على أخطاء (الإخوان المسلمون) ، في الوقت الذي تعامل فيه مع خطايا وجرائم الأقلية العلمانية بإشارات عابرة .. وهو ما فهمت منه أن أخطاء الإخوان قد تبرر مطالبة البعض للعسكر بالانقلاب عليهم ، أو تبرر حملة "التخويف" ضدهم . أضف إلى ذلك أن ما يجري الآن هو أبعد بكثير من "التخويف" ، لأن المطلوب هو إجهاض مشروع الحكم الإسلامي قبل ولادته . وعليه كان لابد لي أن أستأذن الأستاذ في إعلان إختلافي معه .

لقد عشت طويلا في الولايات المتحدة وبريطانيا ، وخبرت عن قرب سطوة سلاح الإعلام وحجم تأثير ما تنشره الصحف وتبثه محطات التلفزة على العقول وعلى تشكيل الرأي العام . وتبدو الخطورة على أشدها عندما يتحكم فصيل سياسي واحد في هذا السلاح ، فتتحول المنابر عن واجبها في أن تكون أداة للاعلام والتوعية إلى أن تكون أداة للتلقين والتحريض وحشو العقول بما يمليه القائمون على أمرهذه المنابر ، خاصة فيما يتعلق بالقضايا الخارجية ، والنزاعات التي يكون المسلمون أحد أطرافها. أما فيما يتعلق بالصراعات السياسية الداخلية وقضايا وأزمات الداخل ، فلا يستطيع طرف أن يحتكر الرأي بشأنها أو أن يقصي مخالفيه ويحظر عليهم حق الرد والدفاع عن النفس ، كما هو الحال في مصر منذ ما قبل الثورة . أقول هذا لأن ما يجري في هذا الشأن له أبعاد في غاية الخطورة على مستـقبل هذا البلد المنكوب في نخبته العلمانية .. كما يتم التعامل معه ، من جانب القلة النادرة من الشرفاء في الصحف والفضائيات ، بلا مبالاة تتناقض مع طبيعة أهدافه الشيطانية.

منذ ما قبل الثورة ، والإسلاميون محظور عليهم إنشاء صحف وفضائيات ، بينما حرص نظام مبارك على أن تكون الساحة الإعلامية حكرا على العلمانيين من أتباعه ومخالفيه. وقد استغل مخالفوه هذا الاحتكار أسوأ إستغلال بعد الثورة بإعادة تفعيل الفزاعة الإسلامية ، وشن حملة تخوين وشيطنة ضد الإخوان . جميع المنابر العلمانية التي قامت تحت رعاية مبارك وأمن دولته ، كانت قبل الثورة مغلقة أمام الاسلاميين مع استـثناءات قليلة لذر الرماد في العيون ، وظلت بعد الثورة على حالها. ومع ذلك يشكو كتابها وضيوفها الآن من أن شيئا لم يتغير في مصر بعد الثورة ، وهم يتجاهلون حقيقة أن هذه المنابر، التي منحتهم حصريا حق التأثير والتلاعب بعقول القراء والمشاهدين ، هي التي لم تغير شيئا في سياستها العنصرية إزاء الإسلاميين. في بريطانيا كانت لي تجارب مريرة مع (التايمز) و(التلجراف) كلما تناولت الإسرائيليين بالنقد. وفي مصر كانت تجاربي مع (المصري اليوم) و(الشروق) أكثر مرارة كلما تناولت العلمانيين بالنقد . ولا أنسى المقولة المأثورة للشيخ محمد الغزالي رحمه الله في هذا الصدد : "من البلاء أن يكون الرأي لمن يملكه لا لمن يبصره".

كشر العلمانيون عن أنيابهم بعد أسبوع واحد من خلع مبارك عندما إتهموا د. يوسف القرضاوي بأنه "خميني الثورة" الذي يريد إختطافها ، على خلفية خطبة الجمعة التي ألقاها في ميدان التحرير. كانت هذه هي البداية الحقيقية للاستـقطاب الذي وضع نهاية لحالة إستـثنائية من التوحد لم يتحملها العلمانيون الرافضون أصلا للتعايش مع الاسلاميين ، وهو ما جعل أيام الثورة إستثناء لن يتكرر. منذ ذلك الحين ، والسيرك منصوب للإسلاميين بمناسبة وبغير مناسبة : تخوين وأكاذيب وبذاءات ، واتهامات بصفقة مع العسكري وبالموالسة مع الوطني وبسرقة الثورة والمتاجرة بدماء شهدائها وتأميم الثورة وإقصاء رموزها وإغـتيال أحلامها .. إلخ .. سموم تنطلق يوميا بلا توقف على مدار 14 شهر في مناخ الحياة السياسية. لو أن حرية التعبير مكفولة للاسلاميين ، أو أن هناك حد أدنى من التوازن في الساحة الاعلامية ، لكان من الممكن تحييد آثار هذه السموم التي ظهر مفعولها أول ما ظهر في المجلس العسكري ، فتجسد ذلك في محاولته حصر الثورة في أضيق نطاق. وظل الإخوان يقاومون هذه السموم ، إلى أن ظهرت قضية الطعن على البرلمان المنظور أمام المحكمة الدستورية. هنا شعر الإخوان بالغدر، واستدعوا تجاربهم المريرة مع العسكر .. واستدعوا التوافق الموضوعي بين نظام مبارك والنخبة العلمانية على إقصاء الإسلاميين عن الساحتين السياسية والاعلامية .. و رأوا في الأفق توافقا يتـشكل بين خلفاء مبارك في العسكري والنخبة نفسها على إجهاض المشروع الاسلامي قبل ولادته. وإلا كيف نفسر تلغيم قانون الانتخابات الذي أقره المجلس العسكري ، بما ألح عليه العلمانيون وقتها بخلط نظام القائمة بالنظام الفردي ؟ هل أجرى العسكر إنتخابات نزيهة لعلمهم بأن ثمرتها لن تدوم طويلا ؟ بهذا الخوف المشروع والمبرر ، ومع الغدرالواضح في الصحف والفضائيات الناطقة بلسان العلمانيين ، كان لابد وأن يخطئ الإخوان .. فهم في النهاية بشر لهم طاقة على التحمل . وهنا تحضرني مقولة كنت أسمعها كثيرا في الخارج توجه إلى من يحكمون ، وهي "إذا لم تكن قادرا على تحمل حرارة المطبخ ، فاخرج منه". ولكن هذه المقولة لا تنطبق على واقعنا الحالي لأسباب ستة :

أولا: معارضة الحكم في أميركا وبريطانيا ــ والمقصود بها حرارة المطبخ ــ لم أرها أبدا تصل إلى هذا المستوى من الدناءة والانحطاط الذي وصلت إليه في مصر في الصحف والفضائيات الخاصة.



ثانيا: أن المعارضة في الخارج لا تحتكر وسائل الاعلام ولا تـقصي مخالفيها ولا تحظر عليهم حرية التعبير عن الرأي أو حق الدفاع عن النفس ، كما يحدث في مصر.



ثالثا: أن المعارضة في الخارج لا تجرؤ على تسفيه قرارات وخيارات الشعب ، كما يحدث في مصر، لإدراكها بأن إرتكاب ذلك هو بمثابة جريمة مخلة بالشرف تـقضي على الحياة السياسية لمرتكبها.



رابعا: لأن حزب (الحرية والعدالة) لا يملك الخروج من المطبخ ، حتى وإن أراد ، لأنه يعلم كما يعلم الجميع أنه لا بديل له .. ولأنه يعلم كما يعلم الجميع أن خصومه مفلسون ليس لديهم ما يقدمونه للشعب.



خامسا: وعندما تكون لدينا قوة سياسية لا بديل لها ، فالوطنية تستدعي أن نسلط عليها الحرارة بحساب ــ أي النقد والهجوم مع بعض الترشيد والتوجيه ــ لا أن نطلق عليها السموم من بذاءات وأكاذيب وولولة وقلة أدب ، بلا توقف .



سادسا: أن الحرارة تـُسلط على من يحكم ، والإخوان ما زالوا يُحال بينهم وبين الحكم.

لقد كتب أحدهم بالأمس في (المصري اليوم) ما يلي : "أخطأ المستشار طارق البشرى حين نصح بأن تسبق الانتخابات إعداد الدستور. والجميع رأى العكس". هذه المقولة فيها مصيبتان ، أو قل جريمتان تكشفان الطبيعة المتعجرفة للنخبة العلمانية : أولها أن القول بخطأ البشري يعني تسفيها لحكم الشعب "القاصر" الذي قرر 77% منه أن البشري على صواب. والشعب هو الطرف الوحيد المؤهل للحكم على ما وضعه البشري ، وليس أقلية لا وزن ولا قيمة لها على المستوى الشعبي. وعندما يقرر الشعب ، فعلى الجميع أن يصمت وينصاع . ولكن العلمانيين رفضوا الإنصياع وأصروا على إثارة الفتن والضغط على العسكر للبقاء. كل هذه الجرائم لا يتناولها أحد بما تستحقه من نقد وهجوم . أما القول بأن "الجميع رأى العكس" ، فهي المصيبة والجريمة الأعظم ، لأن الكاتب بجرة قلم مسح 14 مليون مواطن قالوا "نعم" ، من الوجود. و"الجميع" عنده وعند أمثاله هي أقلية الخمس. هذا الاحتـقار للشعب جريمة تستحق تجريس مرتكبيها وفضحهم ووضعهم في قائمة أشد سوادا من قائمة الفلول. إن الأستاذ هويدي يتحدث عن ضرورة إحتشاد "الجماعة الوطنية" لانقاذ الثورة. وسؤالي هو : هل هؤلاء الذين يحتـقرون الشعب ويسعون لإسقاط أول استـفتاء حر، وحل أول برلمان للثورة .. هل هؤلاء يمكن إعتبارهم أعضاء في الجماعة الوطنية ؟ لقد أدى السكوت على هذه الجرائم إلى أن تصل بهم البجاحة إلى درجة الاصرار على أن تضم الجمعية التأسيسية في عضويتها مجموعة من الفقهاء والمستشارين الذين أعلنوا مرارا وتكرارا سخريتهم من قرار وخيارات الشعب. كيف لمن يزدري الشعب أن يُمنح شرف المشاركة في وضع دستوره ؟ إن البرلمان مؤتمن على أن يحفظ للشعب كرامته في مواجهة أعداء الداخل والخارج . فإذا أراد أي من هؤلاء المستشارين أن يدخلوا الجمعية التأسيسية ، فعليهم بداية أن يعترفوا بخطاياهم ضد الشعب ويعتذروا عنها ويطلبوا منه العفو. وإذا شعـرت الأغلبية بأن إعتذارهم هذا أصيل وصادق ، يمكن فقط في هذه الحالة العفو عنهم

ولكن ماذا عما يقال أنها "مخاوف مشروعة" للعلمانيين ؟ وهل يمكن أن تقارن أخطاء الإخوان بجرائم العلمانيين ؟ هذا ما أتناوله الأسبوع القادم بإذن الله.

ليست هناك تعليقات: