مصر الثورة





سوريا نحن معكم




with you syria

[IMG]http://shams-d.net/up//uploads/images/domain-b9caecbbc3.png[/IMG]




الاثنين، 12 مارس 2012

كلام عن الدستور

 

 


12-03-2012
 

بقلم: د. محمد المرسي* 

يتفق علماء السياسة على أن كل مجتمع يريد بناء دولة لا بد أن يكون له دستور، فأصبح من المسلَّمات البديهية في علم السياسة أنه لا يمكن وجود دولة من غير دستور.
 كلمة دَستور (بفتح الدال) كلمة أصلها فارسي، وهي تتكون من (دست) بمعنى القاعدة و(ور) بمعنى صاحب، ولها عدة معانٍ منها الدفتر الذي تُجمع فيه قوانين الملك، ويقال إنها بمعنى الأساس أو التكوين، وقد تكون دخلت إلى اللغة العربية من خلال الأتراك؛ حيث شاع استخدامها زمن الخلافة العثمانية. وبعض الدول العربية تأخذ بمسمى الدستور مثل مصر، والبعض الآخر يأخذ بمسمى القانون الأساسي مثل الأردن والعراق.
 وفي المبادئ الأساسية للقانون الدستوري يُعرّف الدستور على أنه مجموعة المبادئ الأساسية المنظمة لسُلطات الدولة المختلفة وصلاحيات كل منها (التشريعية والتنفيذية والقضائية والصحافة... إلخ)، وتحدد العلاقة بين أجهزتها المختلفة، والمبينة لحقوق الأفراد وحرياتهم، والوسائل الأساسية لضمان هذه الحقوق. 
 ولأن الدستور يُعرف بأنه قانون القوانين أو القانون الأساسي، فهو القانون الأعلى في الدولة لا يعلوه قانون آخر، ولهذا يتمتع الدستور بمبدأ (سمو الدستور)، وهذا يجعله الجهة الوحيدة التي تُنشئ السلطات الحاكمة وتحدد اختصاصاتها. 
وسمو الدستور يكون سموًّا موضوعيًّا، لأنه يتناول موضوعات تختلف عن موضوعات القوانين العادية، وسموًّا شكليًّا، وذلك باتباع إجراءات مشددة عند وضع مواد الدستور أو تعديله، ويترتب على هذا السمو وجود سُلطتين، سُلطة مُنشِئة أو مؤسِّسة وهي التي تُؤسس وتضع الدستور، وسُلطة مُنشَأة أو مؤسَّسة وهي التي يُنشئها الدستور، وكذلك يترتب على هذا السمو وجوب احترام كل المؤسسات لهذا الدستور لأنه أصلها ومُنشِئها، وكذلك وجود هيئة خاصة لمراقبة القوانين العادية ومدى اتفاقها مع الدستور "المحكمة الدستورية العليا".
وتنقسم الدساتير من حيث التدوين إلى دساتير عُرفية- أو غير مدونة- ودساتير مكتوبة، ومن حيث التعديل إلى دساتير مرنة ودساتير جامدة.
 الدساتير العُرفية هي الدساتير التي لم تكتب نُصوصها في وثيقة واحدة، وأشهر الدساتير العُرفية هو الدستور الإنجليزي، غير أن الفقهاء الدستوريين يقولون إنه لا يوجد دستور عرفي بالمعني الحرفي؛ لأن أي دستور لا بد أن يكون مكتوبًا لتتوارثه وتتناقله الأجيال، فمثلًا الدستور الإنجليزي يتضمن مجموعة من الوثائق المكتوبة مثل وثيقة العهد الأعظم، وميثاقي الحقوق، وقانون البرلمان، وكذلك قانون 1958 الذي سمح بدخول المرأة الإنجليزية إلى مجلس اللوردات. 
أما الدساتير المكتوبة فهي الدساتير التي تَصدُر في وثائق رسمية مكتوبة، وهذا النوع يتميز بالوضوح والدقة والثبات، وتعود الأسباب التي دفعت المجتمعات أو الدول إلى كتابة دساتيرها إلى عدة أسباب، منها قيام الثورات "الدستور الأمريكي كُتب بعد الثورة الأمريكية 1787، والدستور الفرنسي بعد قيام الثورة الفرنسية 1791، وكذلك الدستور المصري الجديد يُكتب بعد ثورة 25 يناير المباركة"، أو قيام دولة جديدة مثل السودان بعد التقسيم، أو عندما يأتي الدستور كمنحة من الحاكم، فهنا تلجأ المجتمعات إلى كتابة هذا الدستور قبل أن يتراجع الحاكم عن وعده مثل دستور 1923.
 كما تنقسم الدساتير إلى دساتير مرنة ودساتير جامدة، والدساتير المرنة هي التي يمكن تعديلها بنفس طريقة تعديل القوانين العادية، وهذه الدساتير تفقد جزءًا من سموها وهو السمو الشكلي، وكذلك لا يوجد فرق بين السُلطة التي تضع الدستور والسُلطة التي تضع القانون العادي. أما الدساتير الجامدة فهي الدساتير التي يتطلب تعديلها إجراءات أشد تعقيدًا من التي تُتَّبع عند تعديل القوانين العادية، وأغلب دول العالم التي لها دساتير مكتوبة تكون من النوع الجامد مثل دستور 1971 المصري، بعض الدساتير الجامدة تتطلب ضرورة موافقة البرلمان والشعب على التعديل مثل الدستور الأمريكي والسويسري، والبعض يتطلب انتخاب وليس تعيين هيئة خاصة لغرض التعديل، وبعض الدساتير تغالي عند التعديل بوجوب حل البرلمان وانتخاب برلمان جديد يكون مسؤولًا عن التعديل، بالإضافة إلى ذلك فهناك بعض الدساتير تشترط بعد التعديل أن يُستفتى عليه الشعب عن طريق الاستفتاء الدستوري مثلما حدث في استفتاء 19 مارس 2011.
 وتنحصر أساليب إصدار الدساتير في أسلوبين، الأول هو الأسلوب غير الديمقراطي، ويكون على هيئة المنحة، وفيه يتفضل الحاكم على المحكومين بمنحهم دستورًا مثل دستور 1923، أو أسلوب العقد وفيه تجتمع إرادة الشعب مع الحاكم ويتفقان على كتابة دستور للبلاد مثل دستور فرنسا 1830 حيث اتفق الشعب الفرنسي مع ملك فرنسا لويس فليب، أو أسلوب الفرض وفيه يفرض الحاكم الدستور على المحكومين حتى لو تم الاستفتاء على هذا الدستور مثلما حدث في دستور سوريا 26 فبراير 2012.
 أما الأسلوب الثاني من أساليب إصدار الدساتير فهو الأسلوب الديمقراطي وهو الذي تظهر فيه إرادة الشعوب دون أن يشاركها أحد، ويتم هذا بأسلوبين؛ أسلوب الجمعية التأسيسية وفيه يقوم الشعب بانتخاب هيئة تأسيسية لكتابة الدستور، ويعد الدستور نافذًا بمجرد إقراره من هذه الجمعية التأسيسية وهذا الأسلوب هو المتبع في كل من أمريكا وألمانيا وإيطاليا، أو أسلوب الاستفتاء الدستوري وفيه يقوم الشعب- بعد انتهاء الجمعية التأسيسية سواء كانت منتخبة أو معينة من كتابة الدستور- بالتصويت المباشر، وذلك عن طريق الاستفتاء الشعبي لإقرار هذا الدستور مثل دستور مصر 1956 و1971.

وتُعد مصر من أوائل الدول التي عرفت الدساتير "دساتير مصر من النوع المكتوب ومن الدساتير الجامدة"، فعرفت في عهد الخديوي توفيق دستور 1882 بعد نضال طويل (1805م- 1882م) وهو دستور مكون من 53 مادة معظمها تخص مجلس النواب، كما أنه دستور أقرب إلى اللائحة، حيث يغلب عليه الجانب الإداري والتنظيمي وليس التشريعي والرقابي، فمثلًا تنص المادة 43 على "يكون إعطاء الآراء في المجلس بواسطة رفع اليد أو النداء بالاسم أو وضع الآراء في صندوق".
 ثم بعد ثورة 1919 أُجبر الملك على إصدار دستور 1923 والذي قام بإلغائه في 1930، ثم عاد للحياة السياسية مرة أخرى عام 1935 حتى قيام ثورة 1952. وهو عبارة عن سبعة أبواب ويتكون من 170 مادة، ويُعد من أقوى الدساتير التي عرفتها مصر، وبعد إلغاء الملكية في 18 يونيو 1953، جاء دستور 1954 الذي لم يَرَ النور ولو ليوم واحد، وذلك لأنه لم يَنَلْ رضا الضباط الأحرار، ثم جاء دستور 1956 ودستور 1958 والذي يُعرف بدستور الوحدة بين مصر وسوريا، ثم جاء دستور 1971 في عهد السادات، والذي قام بتعديله في إبريل 1980- ويُعرف بتعديل الهوانم- فايدة كامل وأعوانها- لكي يتسنّى له البقاء في حكم مصر مددًا بدلًا من مدتين، ثم جاء عهد "مبارك" الذي استفاد من تعديل الدستور وبقي في حكم مصر لمدة ثلاثين عامًا متواصلة، ثم قام بتعديل الدستور مرتين، في عام 2005، ثم عام 2007، لكي يمهد الطريق لتولية ابنه "جمال" على عرش مصر.
 وبنظرة بسيطة على فلسفة التعديلات الدستورية في عهد المخلوع، نستطيع أن نقول بأن هذه التعديلات جاءت لتقوية نفوذ الحاكم على المحكومين والتمكين لاستبداده، مما يجعلنا نؤمن بما قاله الفقيه الدستوري يحيى الجمل بأن مصر دولة لها دستور ولكنها ليست دولة دستورية.

ليست هناك تعليقات: