مصر الثورة





سوريا نحن معكم




with you syria

[IMG]http://shams-d.net/up//uploads/images/domain-b9caecbbc3.png[/IMG]




الأحد، 25 مارس 2012

مفارقة بين “اسم” الرئيس و”صفته” 

 

25/03/2012

جريدة الحرية والعدالة

بقلم: د. إبراهيم البيومي غانم
باتت الانتخابات الرئاسية المصرية على الأبواب؛ ولا تزال ملامح "الرئيس المنتظر" غامضة أو غير واضحة بالمرة فى مخيلة أغلب جماعات النخبة حتى هذه اللحظة، أما السواد الأعظم من المصريين فهناك كثير من الدلائل التى تشير إلى أن لديهم صورة واضحة الملامح، وثابتة الصفات عمن يحلمون أن يكون عليهم رئيسا، هذا ما نراه فى المشهد السياسى المصرى الراهن، وهذا ما رأيناه أيضا قبل قيام ثورة 25 يناير؛ وإن على مستوى "الحلم" والتطلع إلى مستقبل أفضل.
فى فبراير ومارس من عام 2010 ؛ أى فى عهد الرئيس المخلوع، وقبل حولين كاملين من ثورة 25 يناير؛ قمت ومعى فريق كبير من باحثى وخبراء المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية بإجراء استطلاع للرأى العام بالتعاون مع مركز المعلومات ودعم القرار بمجلس الوزراء المصرى، وكان عنوان الاستطلاع هو "بماذا يحلم المصريون؟"، وكان من أهم الأسئلة التى وجهناها لعينة قوامها 2956 تمثل عموم المواطنين، جرى اختيارهم إحصائيا من 19 محافظة؛ هو "ما الصفات التى تتمنى أن تكون فى رئيس الجمهورية فى المستقبل؟". وكشفت النتائج عن أن 83.9% من المصريين يرون أن "العدالة" هى الصفة الأولى، وتكاد تكون الوحيدة أيضا التى يحلمون أن تتوفر فى رئيس الجمهورية "فى المستقبل". أما بقية الصفات فقد تدنت نسبة المؤيدين لها؛ مثل أن يكون منتميا إلى أحد الأحزاب (2.5%)، أو أن يكون عسكريا (7.9%)، أو أن يكون مدنيا/غير عسكرى (3.8%)، أو أن يكون رجل أعمال (1.0%)، أو عالما (4.9%)!!!
وقد فسرنا هذه النتيجة فى حينه بأنها تعنى أحد أمرين أو هما معا: إما أن المصريين عبروا بهذا الرأى عن موقفهم من "الظلم السائد" فى الواقع الذى يعيشونه فى ظل حكم الرئيس مبارك آنذاك (المخلوع حاليا)، وإما أنهم عبروا عن طموحهم فيما يريدونه من صفات للرئيس القادم بعد الرئيس مبارك آنذاك (المخلوع حاليا)، وبسب هذا التفسير خضت معركة مع جهة الإدارة فى مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار شريكنا فى إجراء الاستطلاع الذى رفض هذا التفسير؛ بحجة أنه "ينال من الرئيس" مبارك شخصيا، وانتهت المعركة بتغلب مشاعر "الخوف" على ما عداها، وقاموا بحذف التفسير الذى ذكرتُه، بعد أن كنت قد سجلته بنفسى فى النسخة النهائية قبل أن يدفعوا بها للطباعة!! وفوجئت بحذف هذا التفسير عندما صدر التقرير، وأنهم اكتفوا بتعبيرات أخرى تقول إن ارتفاع نسبة المؤيدين لصفة العدالة سببه "المكانة المحورية التى تشغلها فى القرآن الكريم والسنة النبوية، أو إلى ما يتعلق بالموروث الثقافى للشخصية القومية المصرية التى تنظر إلى الحاكم باعتباره كبير العائلة، وما يتوقع منه فى هذا الشأن من رعاية للجميع". ( انظر التقرير النهائى للاستطلاع الصادر عن المركز القومى للبحوث الاجتماعية سنة 2010 بعنوان: بماذا يحلم المصريون؟ ص257). ثم فوجئوا هم بعد ذلك بأن ميدان التحرير أسقط الرئيس مبارك تحت شعارات "عيش. حرية. عدالة اجتماعية".
فيما عدا تلك الملاحظة النقدية من جانبنا؛ فإن نتائج الاستطلاع تظل هى الدليل الأقوى علميا؛ بشأن "صفات رئيس الجمهورية" الذى يتطلع إليه المصريون، ولمتابعة هذا الموضوع قمنا باستقراء جملة من الآراء والتطلعات التى عبر عنها عديد من المواطنين خلال الأسابيع الأخيرة بشأن هذه الصفات التى يحلمون بها فى "الرئيس المنتظر"؛ ووجدنا أن "العدالة" هى أسمى المطالب؛ وهى ما يشغل عموم المصريين وينتظرون أن تكون هى أهم صفة يتحلى بها الرئيس، وأن الحاكمة لكل تصرفاته وأعماله. وتلك هى صفته، أما اسمه ومن سيكون؟ فالقرار سيكون للسواد الأعظم، وسيربح من يطمئن إلى عدالته.

أحصينا خلال الأسابيع الثلاثة الأولى من مارس الجارى ما يقرب من ثلاثة آلاف رأى منشور فى وسائل إعلام مختلفة، بما فيها رسائل تويتر وفيس بوك ومقابلات صحفية… إلخ، ووجدنا أن "العدالة" تتمركز فى قلب الوعى الجماعى للمصريين، وتحظى بتأييد أكثر من 85% من آرائهم وتطلعاتهم؛ أى بنسبة متقاربة مع النسبة التى توصلنا إليها قبل نحو ثلاثة أعوام فى استطلاع "بماذا يحلم المصريون؟".
الملفت للنظر أن ما رصدناه من آراء عفوية خلال الأسابيع المذكورة؛ جاءت واضحة وبالغة الدلالة على مطلب العدالة، وكلما استعرضنا طائفة من تلك الآراء وجدنا أنها ليست فى حاجة إلى تأويل أو تفسير، فهى فصيحة فى التعبير عن مرارة الظلم الذى استكن فى قلوب المصريين، ربما منذ "المصرى الفصيح" الذى جأر بالشكوى فى حضرة الفرعون، واستمر هذا الشعور عبر آلاف السنين بانتظار "العدالة" والخلاص من الظلم بكل أشكاله، ومن ذلك مثلا قول أحدهم: إن الرئيس المنتظر يجب أن يكون "بيتعالج فى مستشفيات التأمين الصحى، ويقف فى الطابور كمان" (فى إشارة إلى الفارق الهائل بين الخدمات الصحية التى يحصل عليها الأغنياء وأصحاب النفوذ من المستشفيات الخاصة باهظة التكاليف، وتلك التى يحصل عليها الفقراء من مستشفيات التأمين الصحى ويعانون منها). وآخر قال: "يكون الرئيس بيشرب شاى العروسة" (وهو علامة تجارية لشاى منخفض السعر، وبسبب انتشار الفقر فإن الغالبية الساحقة من المصريين لا تكاد تجد سواه فى متناول يدها!!)، وثالث قال: "يقسم لنا الرئيس أنه لن يذهب لشرم الشيخ!!"، وهذه واضحة فاضحة للفروق الشاسعة بين سلوك طبقة الأثرياء وسلوك عموم الفقراء.

ما سبق يؤكد أن "العدالة" بمعناها الشامل هى واسطة عقد صفات الرئيس الذى يحلم به السواد الأعظم من المصريين قبل وبعد الثورة، ولكن فى المقابل نجد أن النخبة الفكرية والسياسية لا تزال منغمسة فى البحث عن "الأسماء" الرئاسية والمفاضلة بينها على أسس شخصية، أو حزبية فى أفضل الحالات؛ وليس عن "صفات" موضوعية، وهو ما نراه انشغالا نخبويا بما لا يجب، ولزوما منها بما لا يلزم.
إن انشغال السواد الأعظم بصفات الرئيس المنتظر، وانشغال النخبة باسم الرئيس وشخصه يضعنا أمام "مفارقة" من الوزن الثقيل، ووجه المفارقة هنا فى تبدل الأدوار بين الجانبين، فالذى مهمته تحديد "الصفات" مشغول بالأسماء، ومَنْ مهمته تحديد "الأسماء" مشغول بالصفات، وبمعايير الحداثة السياسية فإن المفترض هو أن يكون التركيز فى الولايات العامة على "الصفات" لا "الأسماء". وأن تكون الأولوية ليست "للشخصنة" وإنما لعملية "المأسسة" ووضع قواعد واضحة وعامة ومجردة لإدارة شئون البلاد، وهذه وتلك من أهم مسئوليات النخب الفكرية والسياسية؛ بينما مهمة السواد الأعظم هى حسن اختيار الشخص المناسب الذى يكون مستوفيا لتلك الصفات والخصائص الموضوعية؛ لا الشخصية.
وظيفة النخبة فى تحديد "صفات"الرئيس ليست فقط من مكتسبات "الحداثة السياسية" التى يقول عنها الحداثيون فى بلادنا ما لا يفعلون، أو يفعلون عكس ما يقولون عنها؛ وإنما كانت وظيفة أصيلة من وظائف النخبة العلمائية فى التراث السياسى الإسلامى؛ وهذا ما نجده بوضوح وغزارة فى كتب العلماء الذين ألفوا فى "الأحكام السلطانية"، من أمثال الماوردى، وأبى يعلى الفراء، والجوينى، وغيرهم من الذين أسهبوا فى تقنين علاقة الحكام بالمحكومين، واجتهدوا فى تحديد "صفات" الإمام أو الحاكم، وجعلوا أولها: "العدالة على شروطها الجامعة"، و"العلم المؤدى إلى الاجتهاد فى النوازل والأحكام"، و"سلامة العقل والحواس" و"جميع أعضاء الجسم"، و"القدرة على تدبير المصالح"، و"الشجاعة والنجدة المؤدية إلى حماية البيضة وجهاد العدو"، أو ما يقابل قولنا بتعبيراتنا المعاصرة الاعتزاز بالكرامة الوطنية، وبمعايير "الحداثة السياسية" نجد أن هذه الصفات أكثر عمقا وموضوعية إذا قارناها بمثيلاتها فى نصوص الدساتير المعاصرة، ومنها نصوص الإعلان الدستورى المصرى الخاصة بشروط انتخاب الرئيس، فهى تتوقف عن مستوى "الشروط الشكلية" (مادة 26 من الإعلان)، دون أى إشارة إلى الشروط الموضوعية، مع وجود سوابق دستورية حديثة نصت على العدالة وسلامة العقل، وقد تكون هذه النقطة محل جدل واسع عند وضع الدستور الجديد.

ما نؤكد عليه هنا هو أن مهمة تحديد اسم الرئيس المنتظر ليست مسئولية النخب السياسية والفكرية بقدر ما هى مهمة "السواد الأعظم" من المواطنين المصريين الذين أضناهم الظلم، ويحلمون بالعدالة.
 

 

ليست هناك تعليقات: